رؤساء برلمانات واتحادات برلمانية من ثلاث قارات يطالبون ب"احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية"    ربط المغرب بآسيا.. اتفاقية استراتيجية بين المكتب الوطني للسياحة وطيران الإمارات    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    تقرير رسمي .. شواطئ مدينة الحسيمة غير صالحة للاستحمام    كيف ساهم الربط الكهربائي المغربي الإسباني في إنقاذ إسبانيا من أسوأ أزمة طاقة؟    نقابة الكونفدرالية بالمحمدية تطالب بعقد اجتماع عاجل مع السلطات الإقيليمية لإنقاذ عمال مجموعة "الكتبية"    أزيد من 220 عاملًا بشركة "أتينتو Atento" بتطوان يواجهون الطرد الجماعي    وزارة الأوقاف: تأشيرات السياحة أو الزيارة لا تخول أداء مناسك الحج    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    أخبار الساحة    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    هلال يكشف لمجلس الأمن تزييف الجزائر للحقائق حول قضية الصحراء المغربية    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    "الجمعية" تحذر من انفلات صحي واجتماعي بالفقيه بن صالح    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    عودة الكهرباء بنسبة 99 % في إسبانيا    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرامة الأمازيغية بين مطرقة الحكومة 'الشِّنوية'وسندان المعارضة 'الشَّلحية'
نشر في لكم يوم 15 - 11 - 2012

غنيٌّ عن البيان أن مكونات أي جهاز مفاهيمي هي المفتاح والمدخل الأساسي لفهم وتفكيك فحوى الخطاب الذي تشكّله هذه المفاهيم والمصطلحات والكلمات والعبارات. كما أن المفاهيم نفسها والكلمات ذاتها غالباً ما تعبّر عن الوضعية السيكولوجية للإنسان الذي ينطق بها في لحطة زمنية معينة، وتعكس جزءاً غير يسير من اللاشعور والمتخيل الفردي والجماعي حول موضوع محدد. هدفنا في هذه المساهمة في مناقشة بعض العناصر المشكّلة للسياق الذي أنتج ظاهرتي "الشّنوية" و "الشلح مول الزّريعة" في الخطاب السياسي لبعض الزعماء والقادة السياسيين في اللحظة التاريخية الرّاهنة.
بهذا المدخل إذن، يمكن فهم منطق "الشنوية" عند الأستاذ عبد الإله ابن كيران ومنطق "الشلحة" عند الأستاذ عبد اللطيف وهبي وهما يتحدثان عن واقع تاريخي واجتماعي وثقافي عريق بالمغرب بل وفي شمال إفريقيا برمّتها. غير أن الأول، أي ابن كيران، تحدّث عنها بشكل صريح وواضح ويعلن الحديث عن هذا الواقع بشكل جعل منطقه "الشِّنوي" يترجم إلى حد كبير موقفه الشخصي وموقف بعض الأفراد داخل تنظيمه الحزبي وجزءاً مهما من وجهة نظر التيار الإيديولوجي والسياسي الذي ينتمي إليه، ولذلك لن نُسهب كثيراً في مناقشة تفاصيله. غير أنّ ما صرّح به الثاني، أي الأستاذ وهبي، يعطي صورة تقريبية عمّا يستبطنه منظور بعض، أو ربما جلّ، أفراد النخبة المغربية بكل مِللها ونِحلها، إذ هو تعبير لا واعٍ عن الشحنات الزائدة ذات الطبيعة السلبية التي تسكن قاع هذه الفئة تجاه الأمازيغية بكل مظاهرها، وتحاول بالتالي تعميمها على سائر المجتمع. فقد ساهمت الوضعية الدّونية التي وُضِعت فيها الأمازيغية هويةً، وثقافةً، ورموزاً، وكياناً معرفياً واجتماعياً بفعل الاختيارات السياسية والثقافية التي تم ترويجها وإشاعتها عبر الأجهزة الإيديولوجية للدولة ومختلف قنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية، في إنتاج وتكوين طينة من المواطنين، اللهمّ من انفلت منهم من تأثير هذه الأجهزة وضغطها، ينظرون إلى بعضهم البعض بنظرة شرزاء ملؤها الاحتقار عبر توظيف جهاز مفاهيمي يرمي إلى تشكيل مركب نقص لدى من/ما نريد تحطيمه تسهيلاً لقتله الرمزي الذي قد يشارك فيه هو بنفسه. بل أكثر من ذلك، وهذا مكمن الخطورة، غالباً ما يجنح الكثير من هذه الطينة من المواطنين إلى إعادة إنتاج نفس الصّور النّمطية والأفكار المُقولَبة في محيطهم الاجتماعي (العائلي والمجتمعي) والسياسي (الجمعيات، الأحزاب، المؤسسات...) ومحاولة تكرسيه بمختلف الأشكال سواء بشكل قصدي أو غير واعٍ، غير آبهين بتقلّبات الظروف وتحولات المجتمع. ف"الشلح" لم يعد؛ حسب ما يتصوره به البعض، ذلك المواطن البدوي المرتدي لملابس رثة الحامل لنسق ثقافي وقيمي مغاير والذي لم يلج بعد مكونات عالم الحداثة والتحديث، بل لست في حاجة إلى التذكير بالعكس لمن لا زال لم يستوعب بعد عمق التحولات التي تشهدها بلادنا.
في هذا السياق إذن يمكن إدراج ما صرّح الأستاذ وهبي. تصريح يعكس في مجمله تمثّلات وصور نمطيّة عن الأمازيغية والأمازيغ لا زالت لم تنمح بعد. قد يندمل الجرح المادي الذي يُصيب الفرد في حياته خلال مدة وجيزة، لكنه من الصعب التئام الجروح الرمزية و"الغرزات" العميقة التي نحدثها في المجتمع وبنياته المختلفة بفعل القرارات المختلفة التي تترجم الاختيارات السياسية غير الصائبة. تلك هي، في اعتقادي، وضعية الأمازيغية راهناً. صحيح أن فئات عريضة من المواطنين الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، قد تمكّنوا من تحطيم جزء مهم من الحواجز النفس-اجتماعية التي تحُول دون الافتخار بكل ثرواتهم الرمزية، لكنه في المقابل لا زالت بعض ترسّبات الماضي تُلقي بظلالها في التعامل مع قضية مركزية بين القضايا الحيوية للبلاد. فالمدخل الأساسي لجبر مثل هذه الأضرار يكمن في عدم التمادي في إلحاق الضرر ثانية، ثم الإسراع في تحويل مقتضيات الوثيقة الدستورية إلى إجراءات عملية وتدابير وقائية من شأنها إيقاف مثل هذه التصريحات من هنا وهناك، لا سيّما حينما تتعارض تلك التصريحات بمحتويات ومضامين مختلف الأدبيات والوثائق الداخلية التي ينتمي إليها صاحبها. إلى حين ذلك، يبقى "الشلح مول الزريعة" وتبقى معه اللغة "الشنوية" منتصبا القامة مرفوعا الكرامة في بلادهما. مع التذكير، لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين بالديموقراطية، أنه بفضل الكدّ اليومي ل "الشلح" وانشغاله بالسياسة الكبرى وعدم لهته وراء "أَمَانْ نْ مَارُورْ" التي تطبع الحياة السياسية والتي تعيش على حافة الإفلاس وتسمُ بعض تفاصيل هذا الزمن الرديء، استطاع بعض ساسة هذه اللحظة التاريخية الوصول إلى ما يعتبرونه القمة والمجد. بل لابد من وضع حدّ للازدواجية في التعامل مع الأمازيغ والأمازيغية من خلال استغلالهم كوقود انتخابي قادر صنع هذا المجد، والتعامل معهم بعدئذ بنظرة احتقارية والتنكّر لمطالبهم وحقوقهم الحيوية فما بالك بالدفاع عنهم وعن قضيتهم. لتطفو مرة أخرى مسألة التمثيل السياسي للحساسيّة الأمازيغية ومِلحاحية وجودها عبر إنضاج ظروفها الذاتية والموضوعية من طرف الأمازيغيين المؤمنين بالمشروع الأمازيغي بالدرجة الأولى.
بناء على ما سبق، فالأمر إذاً يتطلب علاجاً سريرياً ينصرف مفعوله على مجمل البنيات الاجتماعية والثقافية وقنوات تكوين الناشئة ومواطني المستقبل. لكن، ولتحقيق هذه الغاية المثلى، يقتضي الأمر، من بين ما يقتضيه، سنّ أطر قانونية وإجرائية من شأنها وضع حدّ للنظرات الاحتقارية والاستعلائية بين الفئات الاجتماعية من جهة وبين أفراد كل فئة اجتماعية من جهة أخرى كما هو معمول به في بعض المجتمعات. مع العمل على تبسيط ظروف ولوج الأمازيغية إلى المؤسسات الدولتية دونما اللجوء إلى منطق تركيز مزيدٍ من المساطر والتعقيدات المختلفة التي تعرقل مسارها أكثر مما تخدمها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.