استقبل أمس، بمقرّ رئاسة الجمهورية، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، السفيرين الجديدين لبلجيكا والشيلي، اللذين قدّما له أوراق اعتمادهما، بحضور وزير الخارجية، مراد مدلسي، وكذا مدير ديوان الرئاسة، مولاي محمد قنديل، وقد ظهر الرئيس على شاشة التلفزيون، في نشرة الأخبار الرئيسية، مبدّدا الإشاعات التي تناقلتها وسائل إعلام أجنبية، منذ مساء الجمعة المنصرم، عن ما سمته "وفاته الإكلينيكية". من جهة أخرى، يحلّ رئيس الوزراء، القطري، الشيخ حمد بن جاسم، بالجزائر، غدا الثلاثاء في زيارة رسمية، حيث يُرتقب أن يفتح النقاش بعد لقائه وزير الخارجية، مراد مدلسي، حول ملفين هامين، أولهما الوضع في سوريا وكذا منطقة الساحل. وعلمت "الشروق" من مصادر مسؤولة، أن رئيس الجمهورية، "سيستقبل رئيس الوزراء القطري"، كما يُنتظر أن يستقبل بوتفليقة بعدها، وزير الدفاع الإيطالي، الأدميرال جانباولو دي باولا، ووزير المالية الكويتي اللذين سيحلان الأسبوع القادم بالجزائر. في سياق متصل، أكد ل"الشروق"، عمار بلاني، الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، أن الزيارة الأخيرة للوزيرة الفرنسية المنتدبة المكلفة بالفرانكوفونية، يمينة بن قيقي، إلى الجزائر، لم يتضمن جدول أعمالها منذ البداية، مثلما تحدّد قبل أكثر من أسبوع، استقبالا من طرف رئيس الدولة، وقد شملت الأجندة لقاءات بين الوزيرة الفرنسية، والوزير الأول، وكذا وزراء الخارجية والتربية والثقافة. وجاء ظهور الرئيس بوتفليقة، بعد ساعات من انتشار إشاعات تفيد ب"وفاة سريرية للرئيس الجزائري"، وهي ليست المرة الأولى التي تروّج مثل هذه الأخبار من طرف دوائر إعلامية أجنبية، وقد اعتبر الناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية، عمار بلاني، في تصريح ل"الشروق"، أن الأمر يتعلق ب"إشاعات خبيثة لا تشرّف أصحابها ولا تستحق الاهتمام". وكانت وزارة الخارجية، أوّل هيئة رسمية، تسارع إلى تكذيب الإشاعات، بعدما ترددت أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية يومي الجمعة والسبت الأخيرين، تزعم بوفاة بوتفليقة، وهي الإشاعة التي غذاها وبسرعة البرق، غياب قنوات رسمية مخولة بالحديث باسم رئاسة الجمهورية أو الحكومة، تكذب مثل هذه المعلومات وتُبعد الرأي العام عن التغليط والتضليل. وقد استندت أغلب وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، إلى ما نشره مدوّن فرنسي يدعى "آلان جوليس"، بشأن خبر مفاده "حصوله على معلومات من مصادر طبية بسويسرا حول وفاة بوتفليقة بمصحة نقل إليها لتلقي فحص معمق"(..) ! وقال "جوليس"، وهو باحث سابق في جامعة السوربون بفرنسا، على مدونته مساء الجمعة الفارط، أنه "حسب مصادر طبية تحدثت إلينا من سويسرا فإن الرئيس الجزائري الذي وصل الخميس إلى مصحة بسويسرا لتلقي فحوصات معمقة يكون إلى غاية كتابتنا هذا الخبر الموجز ميت سريريا". لكن المدعو "جوليس" سرعان ما تراجع عن ادعاءاته، وكتب في مدونته ما يشبه التصحيح والتكفير عن الذنب، ليشير إلى أن ما دوّنه لم يحمل صيغة تأكيد الوفاة، و"إنما هو مجرد معلومة همس بها أحدهم في أذنه"، فتلقفها ونشرها، قبل أن تستند إلى إشاعته وكالات الأنباء ومواقع الجرائد العربية والعالمية. وفيما تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية، الإشاعات، أذاع التلفزيون الرسمي في نشرته الرئيسية مساء الجمعة "برقية تهنئة من الرئيس بوتفليقة إلى نظيره البرازيلي بمناسبة العيد الوطني لبلاده"، وهو ما فُهم منه أنه رد غير مباشر على ما نشر حول "صحة بوتفليقة"، رغم أن ذلك ليس في مستوى الرد الذي ينفي دعايات بوزن وفاة رئيس دولة. وحسب ما توفر ل"الشروق" من قرائن، فإن دوائر مغربية وأخرى فرنسية، تلقفت الكذبة ونفخت فيها الروح، وأوعزت لنشرها على نطاق واسع، وربطتها بالتعديل الحكومي الأخير و"اختفاء" الرئيس وعدم استقباله تلفزيونيا للوزير الأول الجديد، لكن متابعين، يؤكدون أن بقاء الرئاسة والحكومة، بلا لسان، ساهم في صناعة الغموض والتأويل والتخمين، في ظرف يستدعي على الأقل إصدار بيانات رسمية تلقائية لقطع دابر الشك والإشاعة. وليست المرة الأولى، التي تتخذ فيها مصادر إعلامية أجنبية، "صحة الرئيس"، مادة دسمة لإنتاج الإبهام، فقد ظهر الرئيس في 2005 و2007 و2010، في خرجات تلفزيونية "اضطرارية" لتكذيب إشاعات تحدثت عن وفاته تارة وتدهور حالته الصحية تارة أخرى، وفي كلّ الحالات، فضل بوتفليقة تفنيد الإشاعات على طريقته الخاصة وبنفسه، مرّة من خلال الشاب مامي، ومرّة أخرى مع اللاعب زيدان، وهو ما فتح الأقواس للحديث عن دور المؤسسات الرسمية في تبليغ الرأي العام وطمأنة الشعب على رئيسه وقطع دابر الدعاية.