خرج آلاف المصريين الى الشوارع للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس حسني مبارك المستمر منذ 30 عاما مستلهمين تجربة الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد احتجاجات عامة. وأثارت الأحداث التي جرت، الثلاثاء 25 يناير 2011، تساؤلات عما يعنيه هذا الآن بالنسبة للنظام السياسي في مصر. هل يمثل الاحتجاج نقطة تحول؟ كثيرا ما قال المصريون إنهم لن يخرجوا إلى الشوارع تجنبا لصرامة قوات الأمن.. لذا لم تكن أعداد المشاركين في الاحتجاجات تتجاوز بضع مئات إلا فيما ندر. غير أن المصريين أبدوا الثلاثاء جرأة ازدادت ساعة بعد ساعة. ودعا المحتجون في الشوارع مشاهديهم من النوافذ للانضمام إليهم واستجاب لهم كثيرون. والتزمت الشرطة بضبط النفس نسبيا وحين أبدت صرامة مثلما حدث عندما استخدمت مدفعا للمياه في ميدان بوسط القاهرة لم يتفرق المحتجون وإنما أبدوا جرأة أكبر. بل أن بعضهم طارد رجال الشرطة الذين فروا إلى شوارع جانبية. يشير هذا إلى أن المزيد من المصريين ما عادوا يخشون العقاب وهو ما يمكن أن يحفز آخرين في حد ذاته. وإذا تطور الأمر ولم تستطع الشرطة احتواء الغضب فقد تجري الاستعانة بالجيش المدرب على قتال جنود العدو وليس المواطنين. وقد يكون هذا قرارا صعبا على مسؤولي الجيش وحين وصلت تونس إلى هذه المرحلة تخلى جنرالاتها عن دعمهم فيما يبدو لابن علي. وفر الرئيس التونسي. هل ستصل مصر إلى تلك المرحلة؟ لم يظهر المحتجون أي بوادر على الإذعان. ومع حلول الظلام على ميدان التحرير، الذي كان محور الأحداث، تأهب الكثير من المحتجين لإمضاء الليل هناك. وتقاسم البعض الطعام مع الشرطة غير أن التعزيزات الأمنية أثارت التوتر. واستخدمت الشرطة الغازات المسيلة للدموع ومدافع المياه لفض المحتجين في وقت مبكر الأربعاء 26 يناير 2011. وحث بعض المحتجين المواطنين على الخروج في احتجاجات جديدة في الأيام القادمة. وزخر موقعا تويتر وفيسبوك للتواصل الاجتماعي اللذان كانا من المحركات الرئيسية لاحتجاجات الثلاثاء بالحديث عن احتجاجات قادمة. وكان من الواضح أن بعض رجال الشرطة شعروا بعدم الارتياح للدور الذي يلعبونه. وقال شرطي لأحد المحتجين إن أمامه ثلاثة أشهر في الخدمة وبعدها سيكون "على الجانب الآخر من الحاجز". لكن رجال شرطة آخرين لم يغيروا نهجهم كأولئك الذين ضربوا المحتجين بالهراوات. وما زال النشطاء الشبان أمام تحد يتمثل فيما إذا كانوا سيحافظون على الزخم بهدف دفع البلاد إلى نقطة تحول. من الذي يقف وراء الاحتجاجات؟ سارعت الحكومة كالمعتاد إلى القاء اللوم على إسلاميين مشتبه بهم وهو أسلوب كان يكتسب فيما مضى تأييد الغرب بسرعة. وقال بيان لوزارة الداخلية إن أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين يقفون وراء أعمال الشغب. غير أن الجماعة لم تلعب إلا دورا ثانويا حتى أنها أثارت غضب أعضائها الشبان لعدم مشاركتها بدور أكثر فعالية. والزعماء الحقيقيون لهذه الاحتجاجات نشطاء على الانترنت أظهروا أنهم يستطيعون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في تحفيز آلاف المصريين الذين يعبرون سرا عن غضبهم من الفقر والقمع السياسي. في تونس لعبت النقابات العمالية دورا في استمرار المظاهرات. وسبق وأن خرج عمال مصر في احتجاجات أصغر كثيرا لكن الحركة النقابية المستقلة لا تزال ضعيفة. وهذا يعني أن المصريين يفتقرون على الأقل إلى هذه الركيزة ويشير إلى أن الكثير يتوقف على التنسيق بين نشطاء الانترنت. غير أن حركات معارضة أخرى مثل "كفاية" التي كافحت من أجل إسماع صوتها للآخرين يمكن أن تنشط الآن مجددا. وبعد تنظيم احتجاجات معتدلة أثناء فترة انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2005 وخاضها عدة مرشحين خرجت كفاية وجماعات أخرى من دائرة الضوء لكنها قد تعود إليها مجددا. هل غيرت الحكومة من نهجها المتشدد؟ هذا هو ما بدا حين التزمت الشرطة بضبط النفس على الأقل في البداية حين سمحت للمحتجين بالتواجد في شوارع رئيسية. واعترف عدة ضباط بأنهم تلقوا أوامر بعدم الدخول في مواجهات. يشير هذا إلى أن السلطات المصرية لا تريد تصعيدا كما حدث في تونس التي أدى تزايد أعداد القتلى والجرحى فيها إلى إشعال غضب المحتجين. لكن احتجاجات الثلاثاء أظهرت أيضا أن هذا الأسلوب يمكن أن يشجع المحتجين الذين قد ينحسر خوفهم من أجهزة الأمن. ماذا يعني هذا بالنسبة للخلافة؟ إذا كان الرئيس حسني مبارك، 82 عاما، يريد أن يخلفه ابنه جمال أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في رئاسة مصر –و‘ن كان لم يفصح عن هذه الرغبة قط- فان احتجاجات الثلاثاء ربما تزيد هذا صعوبة. ولا تتمتع فكرة التوريث بتأييد بين أطياف الشعب المصري البالغ عدد سكانه 79 مليون نسمة. لكن الرسالة كانت عالية وواضحة. وردد المصريون هتافات قائلين "يا جمال قول لابوك كل الشعب بيكرهوك" ومزقوا صورة لنجل الرئيس في الإسكندرية. ويلقى على جمال، البالغ 47 عاما، وهو مصرفي سابق باللائمة في إجراءات لتحرير الاقتصاد يقول الفقراء إنها زادت الأثرياء ثراء. ويعتقد مستثمرون أجانب ومؤسسات أعمال العكس. ولم يعمل جمال في المجال العسكري خلافا لجميع رؤساء مصر منذ قيام الثورة عام 1952 . *رويترز