خرج حسني مبارك يوم الجمعة الماضي بعد أربعة أيام من الصمت ليلقي على شعبه خطابا زاد الطينة بلة، حيث تمسك الرئيس المصري بالسلطة وطلب من الحكومة التقدم باستقالتها كخطوة جديدة نحو الحرية ونحو مكافحة البطالة وحماية محدودي الدخل. وقال مبارك إن هناك مخططا لزعزعة الاستقرار وزعزعة الشرعية، وناشد كل مصري بالمحافظة على ممتلكات البلاد. وأكد على أن خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والفوضى وأنه يتمسك بالحفاظ على أمن مصر وعدم الانزلاق بها في منزلقات خطرة. وبالفعل استقالت الحكومة رسميا في اليوم الموالي (السبت)، في حين خرج متظاهرون إلى الشوارع مرة أخرى يطالبون برحيله. وأمر مبارك قوات ودبابات الجيش بالنزول إلى المدن مساء الجمعة الماضي وفرض حظر تجول في محاولة لإخماد احتجاجات الشوارع في أكبر الدول العربية سكانا والمتحالفة مع الولاياتالمتحدة. استمرار المظاهرات وماتزال مظاهرات الاحتجاج متواصلة في مصر رغم دخول حظر التجول حيز التنفيذ، حيث تتصاعد الهتافات المنادية برحيل حسني مبارك، في حين قدم أمين تنظيم الحزب الحاكم أحمد عز، أحد أكثر رموز النظام إثارة لغضب المصريين، استقالته. ومن جانبها، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تشكيل حكومة وطنية انتقالية وإلى نقل السلطة بشكل سلمي. واستمر آلاف المحتجين المصريين يجوبون الشوارع بعد الساعة الرابعة مساء بتوقيت غرينتش، وهو الموعد الذي حددته السلطات لبدء سريان حظر التجول، متحدين بذلك تحذير الجيش بأن كل من سيظل في الشوارع سيعرض نفسه للخطر. وظل المحتجون في وسط القاهرة حيث تمركزت دبابات الجيش. وبقي المحتجون أيضا في شوارع الإسكندرية. قضاة مصر ينضمون للمتظاهرين خرج القضاة المصريون ليشاركوا المحتجين المتجمهرين أيضاً في ميدان التحرير، ولتشييع قتلى المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن المصرية، أمس في الساعة الثانية بعد الظهر. وقد سجلت مشاركة عدد من رموز القضاة وزوجاتهم في مظاهرات الغضب التي اجتاحت محافظات مصر منذ الثلاثاء الماضي بالتزامن مع عيد الشرطة.وذكر شهود عيان أن المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة السابق شارك في مظاهرة 25 يناير بميدان التحرير. كما رصدت الكاميرات قيادة زوجة المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، مظاهرة بالإسكندرية. ارتفاع حصيلة القتلى وأشار إحصاء استند إلى تقارير من مصادر طبية ومستشفيات وشهود أن أكثر من 100 شخص قتلوا في احتجاجات عمت مصر للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس حسني مبارك. وليست هناك أرقام رسمية، وربما تكون الأرقام الحقيقية مختلفة للغاية في ظل الفوضى في الشارع. وفي بني سويف الواقعة جنوبالقاهرة قتلت الشرطة بالرصاص 17 شخصا أثناء محاولتهم مهاجمة مركزي شرطة، وقتل ثمانية أشخاص أثناء وقوع احتجاجات، وقتل ثمانية آخرون في اشتباكات عندما حاول سجناء الفرار من سجن أبو زعبل في القاهرة. ووردت أنباء عن سقوط نحو 68 قتيلا في القاهرة والسويس والإسكندرية في احتجاجات يوم الجمعة الماضي. وقبل ذلك أعلنت قوات الأمن أن ما لا يقل عن ستة أشخاص قتلوا، بينهم شرطي. وقبل ذلك قالت مصادر أمنية إن ستة أشخاص على الأقل، من بينهم ضابط شرطة، قتلوا منذ بدء الاحتجاجات يوم الثلاثاء الماضي. وقالت مصادر طبية أول أمس السبت إن نحو 2000 شخص أصيبوا في أنحاء البلاد، ومن المؤكد أن يرتفع العدد مع اندلاع المزيد من الاحتجاجات عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية أدى رئيس المخابرات عمر سليمان اليمين الدستورية نائبا لرئيس الجمهورية مساء أول أمس السبت. وتجدر الإشارة إلى أن مبارك لم يعين نائبا له منذ توليه السلطة قبل ثلاثين عاما، خلافاً لمن كان قبله. كما كلف الرئيس مبارك أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة. و أدى رئيس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان اليمين الدستورية مساء أول أمس السبت نائبا لرئيس الجمهورية، في حين عين الرئيس حسني مبارك وزير الطيران الفريق أحمد شفيق رئيسا للحكومة. ويقضي الدستور المصري بأن يتولى نائب رئيس الجمهورية صلاحيات الرئيس إذا ما حال «مانع مؤقت» دون ممارسة الأخير لمهامه. ويأتي تعيين نائب للرئيس قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجرى في شتنبر المقبل. ولم يعلن مبارك، الذي يحكم مصر منذ 30 عاما، عما إذا كان يعتزم الترشح لولاية سادسة أم لا، غير أنه يبدو من الصعب بعد انتفاضة المصريين أن يقوم بذلك. كما بات من غير المحتمل أن تتحقق طموحات نجله جمال في خلافته. مظاهرات دولية مساندة للثورة دعا عشرات الأشخاص أول أمس السبت قرب سفارة مصر في لندن إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك. كما يطالب بذلك عشرات آلاف المتظاهرين في مصر لليوم الخامس على التوالي. وتجمع المتظاهرون في مجموعتين منفصلتين أبقتهما قوات الأمن بعيدتين. وتجمعت الأولى تلبية لنداء حزب التحرير (إسلامي)، وردد عشرات الرجال والنساء هتافات تدعو مبارك إلى الرحيل وهتف بعضهم «الله اكبر». ودعت اللافتات إلى إعلان «الخلافة» كذلك، فيما تجمع العشرات في مجموعة أخرى من دون انتماء سياسي بعضهم من الطلاب. وقال أحد المنظمين الطبيب رفيق بداير (36 سنة): «نريد التعبير عن تضامننا مع الذين يتظاهرون في مصر» و«ندعو مبارك إلى الرحيل لتحرير الشعب. إن خطاب الجمعة لم يكن سوى امتداد للوعود التي نسمعها منذ ثلاثين سنة». ونظمت الرابطة المصرية في النرويج مظاهرة أمام البرلمان للتضامن مع مطالب الشارع المصري، وللتعبير عن دعمهم الكامل لما أسموها الثورة ضد الظلم والغلاء والاستبداد. وقد رفع المشاركون لافتات وصورا وأعلاما مصرية، مرددين هتافات منددة بالرئيس حسني مبارك، وتطالبه بالرحيل عن السلطة وإفساح المجال أمام الشعب. وفي سياق متصل، اعتبر وزير خارجية النرويج يوناس غار ستورا أن الاحتجاجات والمظاهرات بمصر ردة فعل طبيعية على القيود التي تفرضها الحكومة المصرية على الحياة السياسية والمعيشية في البلاد، وطالب النظام المصري بضرورة توخي الحذر في التعامل مع المظاهرات الشعبية وعدم استخدام العنف. وفي الدانمارك، نظمت الجالية المصرية مظاهرة أمام السفارة المصرية، شارك فيها 600 متظاهر من الجالية المصرية، حيث رفعت أعلام مصرية وأخرى تونسية. الداعية القرضاوي: لا حل إلا برحيل مبارك دعا الداعية المصري القطري البارز يوسف القرضاوي، أول أمس السبت، الرئيس المصري حسني مبارك إلى التخلي عن السلطة، معتبرا أن لا حل للأزمة الحالية في مصر إلا برحيله. كما دعا المصريين إلى الاستمرار في انتفاضتهم بالسبل السلمية. وقال القرضاوي، الذي يرئس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي يعد من أبرز الدعاة المسلمين السنة في العالم: «أنصح الرئيس المبارك بأن يرحل عن مصر. . . ليس هناك حل لهذه المشكلة إلا أن يرحل مبارك». وأضاف متوجها إلى الرئيس المصري «ارحل يا مبارك، ارحم هذا الشعب، وارحل حتى لا يزداد خراب مصر». وتابع «لم يعد لك بقاء يا مبارك، أنصحك أن (تتعلم) من درس زين العابدين بن علي (الرئيس التونسي المخلوع). لا أريد أن تحاكمك الجماهير، بل أن تحاكم بعد ذلك في محكمة مدنية». وأكد على الرئيس المصري «أريدك أن تخرج. . . حكمت ثلاثين سنة»، مضيفا أنه يتكلم باسم «علماء الدين في مصر والعالم». وقال متوجها إلى الشعب المصري «استمر في انتفاضتك»، إلا أنه حذر من أن الاعتداء على مؤسسات الدولة حرام، وأكد على ضرورة أن يكون التحرك بالسبل السلمية. كما اعتبر القرضاوي أن النظام المصري «أعمى لا يبصر وأصم لا يسمع وغبي لا يفهم»، مشيرا إلى أن الرئيس المصري «خلال الليل خرج علينا بخطاب كأنه يعيش في عالم غير عالمنا». لجان أمن أهلية في ظل اختفاء الشرطة شكل مصريون مسلحون بالعصي والشفرات لجان أمن أهلية للدفاع عن بيوتهم من عصابات النهب بعد أن اختفت الشرطة من الشوارع في أعقاب أيام من الاحتجاجات العنيفة. وتركت الشرطة البنوك والتقاطعات الطرقية والبنايات المهمة التي كانت تحرسها بلا حراسة أول أمس السبت، فتقدم المدنيون بسرعة لملء الفراغ. وقالت غدير (23 عاما) التي تعيش في منطقة راقية: «لا وجود للشرطة في أي مكان.. حراس العقارات وشبان الأحياء يقفون بالخارج حاملين العصي والشفرات وأسلحة أخرى لمنع الناس من الدخول هنا». وأضافت أن أبناء الحي يتعاونون من أجل وقف أعمال النهب وحماية أنفسهم. وانسحبت الشرطة من الشوارع عندما انتشرت قوات الجيش لتولي المسؤولية عن حفظ الأمن. ورأى شهود عيان منذ ذلك الوقت عصابات تقتحم المحلات والمراكز التجارية والبنوك وممتلكات خاصة ومباني حكومية بالقاهرة ومناطق أخرى. وطلت عشرات المحلات التجارية في أنحاء مصر نوافذ العرض باللون الأبيض لإخفاء محتوياتها ولإثناء اللصوص. وقال شهود عيان إن ماكينة صراف آلي كسرت وسرقت محتوياتها في أحد الأحياء الراقية. وقالت إيناس شفيق (35 عاما): «إنهم يتركون مصر تحرق تماما».وأضرمت النيران في عدد من المباني الحكومية خلال أيام الاحتجاجات، وتركت هذه المباني في كثير من الحالات تحترق دون تدخل من السلطات لإطفائها. جيش مصر يتحرك لسد الفراغ الأمني دفع الجيش المصري بتعزيزات ضخمة إلى مختلف أنحاء الجمهورية في محاولة للسيطرة على الوضع، في ظل حالة من الفراغ الأمني وغياب قوات الشرطة واتساع نطاق السلب والنهب. وأصدر الجيش تحذيرات شديدة اللهجة، وقال إنه سيتعامل «بقسوة» مع من سماهم «الخارجين عن القانون». فيما تحدى مئات الآلاف من المصريين قرار حظر التجول، الذي بدأ على الورق فقط في الساعة الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة. واتسع نطاق الاحتجاجات العارمة في كافة المحافظات والمدن مطالبة الرئيس حسني مبارك بالتنحي، وسط حالة من الفراغ الأمني. وذكرت مصادر أمنية ل«رويترز» أن ثمانية من نزلاء سجن أبو زعبل قتلوا برصاص قوات الأمن وأن 123 آخرين أصيبوا أثناء محاولتهم الهروب من السجن. و شهدت مصر أمس الأحد حالة انفلات أمني خطير. إذ فر آلاف المساجين في غياب أي حسيب أو رقيب. ردود فعلية دولية دعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الرئيس المصري حسني مبارك أول أمس السبت إلى عدم العنف ضد المحتجين العزل والعمل على خلق ظروف تهيء لانتخابات حرة ونزيهة. وقال زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان صدر باللغة الألمانية في برلين «ندعو الرئيس مبارك إلى نبذ أي عنف ضد المدنيين العزل وإلى الاعتراف بحقوق المحتجين السلمية». وأضافوا: «ندعو الرئيس مبارك إلى بدء عملية التحول، التي ينبغي أن تتجسد في حكومة موسعة وفي انتخابات حرة ونزيهة». وقال البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما واصل ضغطه على الحكومة المصرية أول أمس لتجنب العنف وأبدى تأييده لإجراء إصلاحات واسعة. وعقد أوباما اجتماعا في الواحدة بعد ظهر أول أمس السبت بتوقيت شرق الولاياتالمتحدة (السادسة بتوقيت غرينتش) واستمر ما يزيد عن ساعة مع كبار المستشارين، ومنهم نائب الرئيس جو بايدن ومستشاره للأمن القومي تووم دونيلون. وقال البيت الأبيض في بيان صدر عقب الاجتماع إن أوباما «أكد على تركيزنا على معارضة العنف والدعوة إلى ضبط النفس وتأييد الحقوق العالمية ودعم اتخاذ خطوات ملموسة تمضي قدما بالإصلاح السياسي في مصر». ردود فعل عربية أبدت بعض الزعامات العربية تضامنها مع الرئيس المصري حسني مبارك، الذي يواجه احتجاجات شعبية صاخبة أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى. فمن الرياض إلى طرابلس إلى رام الله، تلقى مبارك مكالمات هاتفية من الرؤساء والملوك، في حين خرجت الشعوب في بعض الدول العربية في مظاهرات تضامنية مع الشعب المصري. وجاء أول موقف من ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، الذي أجرى اتصالا هاتفيا أول أمس السبت مع الرئيس المصري، أعرب فيه عن مساندته له وانتقد الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ الثلاثاء الماضي. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الملك عبد الله قوله «إن مصر العروبة والإسلام لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة». كما تلقى مبارك أول أمس أيضا مكالمة هاتفية من العقيد الليبي معمر القذافي، أعرب له فيها عن ثقته في «استقرار المجتمع المصري وحفاظه على ما حققه من مكتسبات». ومن جهة أخرى، تلقى مبارك اتصالا أول أمس أيضا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكد خلاله «تضامن الشعب الفلسطيني مع مصر قيادة وشعبا في الظرف الراهن بما يطرحه من تحديات». كما أكد عباس ثقته في اجتياز مصر لهذه الظروف الدقيقة واستعادتها للهدوء والاستقرار. أعمال شغب ونهب ومع استمرار الاحتجاجات والتظاهرات في مصر، نشر التلفزيون المصري صورا لموقوفين قال إن قوات من الجيش تمكنت من إلقاء القبض عليهم لقيامهم بأعمال نهب وسلب، فيما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن حصيلة القتلى في المواجهات منذ الثلاثاء الماضي وصلت إلى 92 قتيلا. وفي آخر التطورات الميدانية، قال شهود عيان إن محتجين خطفوا اللواء طارق حماد، نائب مدير امن في محافظة دمياط المصرية، بعد اقتحام قسم شرطة. وقال الشهود إن المحتجين في المحافظة أشعلوا النار في قسم شرطة أول دمياط وقسم شرطة ثان دمياط، الذي خطفوا منه حماد ومركز شرطة دمياطبالمدينة وحرروا المحتجزين والسجناء. وأضافوا أن المحتجين اقتحموا أيضا مقر مباحث أمن الدولة في المدينة ومقر إدارة المرور. وقال شاهد إن المحتجين أشعلوا النار أيضا في قسم الشرطة في منتجع رأس البر القريب. كما قالت مصادر أمنية إن ضابطا كبيرا في الشرطة قتل في اقتحام محتجين لسجن بمحافظة الفيومجنوب غرب القاهرة وإن مئات السجناء هربوا. وقال مصدر إن اللواء محمد البطران، رئيس مباحث سجن الفيوم المركزي، قتل في اشتباك مع المحتجين. من جانب آخر، قال شاهد عيان من «رويترز» إن محتجين أضرموا النار في مقر مصلحة الضرائب على مقربة من وزارة الداخلية، وغيرها من المباني الحكومية في وسط القاهرة، وأمكن رؤية ألسنة اللهب من مسافة بعيدة وتصاعد الدخان من المبنى.