خرج الاف المصريين الى الشوارع للمطالبة بانهاء حكم الرئيس حسني مبارك المستمر منذ30 عاما مستلهمين تجربة الاطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد احتجاجات عامة. وأثارت الاحداث التي جرت الثلاثاء تساؤلات عما يعنيه هذا الان بالنسبة للنظام السياسي في مصر. هل يمثل الاحتجاج نقطة تحول؟ كثيرا ما قال المصريون انهم لن يخرجوا الى الشوارع تجنبا لصرامة قوات الامن.. لذا لم تكن أعداد المشاركين في الاحتجاجات تتجاوز بضع مئات الا فيما ندر. غير أن المصريين أبدوا الثلاثاء جرأة ازدادت ساعة بعد ساعة. ودعا المحتجون في الشوارع مشاهديهم من النوافذ للانضمام اليهم واستجاب لهم كثيرون. والتزمت الشرطة بضبط النفس نسبيا وحين أبدت صرامة مثلما حدث عندما استخدمت مدفعا للمياه في ميدان بوسط القاهرة لم يتفرق المحتجون وانما أبدوا جرأة أكبر. بل ان بعضهم طارد رجال الشرطة الذين فروا الى شوارع جانبية. يشير هذا الى أن المزيد من المصريين ما عادوا يخشون العقاب وهو ما يمكن أن يحفز اخرين في حد ذاته. واذا تطور الامر ولم تستطع الشرطة احتواء الغضب فقد تجري الاستعانة بالجيش المدرب على قتال جنود العدو وليس المواطنين. وقد يكون هذا قرارا صعبا على مسؤولي الجيش وحين وصلت تونس الى هذه المرحلة تخلى جنرالاتها عن دعمهم فيما يبدو لابن علي. وفر الرئيس التونسي. هل ستصل مصر الى تلك المرحلة؟ لم يظهر المحتجون اي بوادر على الاذعان. ومع حلول الظلام على ميدان التحرير الذي كان محور الاحداث أول امس تأهب الكثير من المحتجين لامضاء الليل هناك. وتقاسم البعض الطعام مع الشرطة غير أن التعزيزات الامنية أثارت التوتر. واستخدمت الشرطة الغازات المسيلة للدموع ومدافع المياه لفض المحتجين في وقت مبكر الاربعاء. وحث بعض المحتجين المواطنين على الخروج في احتجاجات جديدة في الايام القادمة. وزخر موقعا تويتر وفيسبوك للتواصل الاجتماعي اللذان كانا من المحركات الرئيسية لاحتجاجات أمس بالحديث عن احتجاجات قادمة. وكان من الواضح أن بعض رجال الشرطة شعروا بعدم الارتياح للدور الذي يلعبونه. وقال شرطي لاحد المحتجين ان أمامه ثلاثة أشهر في الخدمة وبعدها سيكون «على الجانب الاخر من الحاجز». لكن رجال شرطة اخرين لم يغيروا نهجهم كأولئك الذين ضربوا المحتجين بالهراوات. ومازال النشطاء الشبان امام تحد يتمثل فيما اذا كانوا سيحافظون على الزخم بهدف دفع البلاد الى نقطة تحول. من الذي يقف وراء الاحتجاجات؟ سارعت الحكومة كالمعتاد الى القاء اللوم على اسلاميين مشتبه بهم وهو أسلوب كان يكتسب فيما مضى تأييد الغرب بسرعة. وقال بيان لوزارة الداخلية ان أعضاء بجماعة الاخوان المسلمين يقفون وراء أعمال الشغب. غير أن الجماعة لم تلعب الا دورا ثانويا حتى انها أثارت غضب أعضائه االشبان لعدم مشاركتها بدور اكثر فعالية. والزعماء الحقيقيون لهذه الاحتجاجات نشطاء على الانترنت أظهروا أنهم يستطيعون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في تحفيز الاف المصريين الذين يعبرون سرا عن غضبهم من الفقر والقمع السياسي. في تونس لعبت النقابات العمالية دورا في استمرار المظاهرات. وسبق وأن خرج عمال مصر في احتجاجات أصغر كثيرا لكن الحركة النقابية المستقلة لاتزال ضعيفة. وهذا يعني أن المصريين يفتقرون على الاقل الى هذه الركيزة ويشير الى أن الكثير يتوقف على التنسيق بين نشطاء الانترنت. غير أن حركات معارضة أخرى مثل كفاية التي كافحت من أجل اسماع صوتها للاخرين يمكن أن تنشط الان مجددا. وبعد تنظيم احتجاجات معتدلة اثناء فترة انتخابات الرئاسة التي جرت عام2005 وخاضها عدة مرشحين خرجت كفاية وجماعات أخرى من دائرة الضوءلكنها قد تعود اليها مجددا. هل غيرت الحكومة من نهجها المتشدد؟ هذا هو ما بدا حين التزمت الشرطة بضبط النفس على الاقل في البداية حين سمحت للمحتجين بالتواجد في شوارع رئيسية. واعترف عدة ضباط بأنهم تلقوا أوامر بعدم الدخول في مواجهات. يشير هذا الى أن السلطات المصرية لا تريد تصعيدا كما حدث في تونس التي أدى تزايد أعداد القتلى والجرحى فيها الى اشعال غضب المحتجين. لكن احتجاجات الثلاثاء أظهرت ايضا أن هذا الاسلوب يمكن أن يشجع المحتجين الذين قد ينحسر خوفهم من أجهزة الامن. ماذا يعني هذا بالنسبة للخلافة؟ اذا كان الرئيس حسني مبارك (82 عاما) يريد أن يخلفه ابنه جمال أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في رئاسة مصر -وان كان لم يفصح عن هذه الرغبة قط- فان احتجاجات أول امس ربما تزيد هذا صعوبة. ولا تتمتع فكرة التوريث بتأييد بين أطياف الشعب المصري البالغ عدد سكانه79 مليون نسمة. لكن الرسالة كانت عالية وواضحة . وردد المصريون هتافات قائلين « يا جمال قول لابوك كل الشعب بيكرهوك» ومزقوا صورة لنجل الرئيس في الاسكندرية. ويلقى على جمال (47 عاما) وهو مصرفي سابق باللائمة في اجراءات لتحرير الاقتصاد يقول الفقراء انها زادت الاثرياء ثراء. ويعتقد مستثمرون أجانب ومؤسسات أعمال العكس. ولم يعمل جمال في المجال العسكري خلافا لجميع رؤساء مصر منذ قيام الثورة عام1952.