بموجب الخطاب الملكي ل 8 مايو 2012 تم احداث الهيئة العليا للحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة حيث تم تنصيب اعضائها الاربعين من طرف جلالة الملك في ذات اليوم ويسمح احداث الهيئة وتنصيب اعضائها بابداء بعض الملاحظات الاولية بشان تركبتها والمهام المنوطة بها وصولا الى الغاية من هذا المقال وهي محاولة تلمس الاجابة المناسبة عن التساءل القائل: اي موقع للصحراء في اصلاح منظومة العدالة؟ وفي هذا الاطار فان اي ملاحظ معني بتتبع الشؤون المغربية وخاصة الحقوقية وعلى الاخص منظومة العدالة لن يجد كبير عناء في ملاحظة ان الهيئة المذكورة حظيت منذ البداية بعناية خاصة تجلت في تمييزها عن جميع الهيات واللجان التي سبق احداثها بمناسبة قضايا شغلت بال الامة وادرجت في اطار القضايا الكبرى من قبيل: لجنة الانصاف والمصالحة، ولجنة مدونة الاسرة، ولجنة الجهوية الموسعة، ولجنة اعداد مشروع الدستور الجديد.. كل هذه اللجان والهيئات لم يتجاوز عدد اعضاء اوسعها تشكلة (20 عضوا) ولم تحظ اي منها بعضوية رؤساء الموسسات الدستورية، علاوة على تمثيلية مجمل القطاعات الحكومية، فضلا عن الجمعيات المهنية ذات الصلة بالقضاء وممثلي المجتمع المدني مع ترجيح واضح للحساسيات الحقوقية والقضائية حيث يشكل القضاة والمحامون ازيد من نصف اعضاء الهيئة، بغض النظر عن الصفة الوظيفية التي عينوا بها، كما مثلت المرأة ب 20 في المائة و هو ما يساوي نسبة النساء القاضيات من مجموع قضاة المملكة، في بادرة توحي بتبني التمييز النوعي الايجابي لفائدة المراة. وقد حدد الخطاب الملكي، بمناسبة تنصيب الهيئة، المهام المنوطة بها في الاشراف على الحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.. ورفع مشاريع التوصيات بشانها الى جلالة الملك، مسترشدة بالمرجعيات التي حددها الخطاب الملكي في: خطاب عيد العرش2008 خطاب 20 غشت 2009 الذي حدد المحاور الاساسية لاصلاح القضاء مقتضيات الدستور الجديد للمملكة، وكل ذلك في اطار مقاربة تشاركية ادماجية . بعد هذا المدخل وعلى اثر اطلاعي على( مشروع برنامج سير اشغال الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة) المنشور بموقع وزارة العدل على الانترنيت، والذي وردت الاشارة فيه الى ان مدينة الداخلة ستستضيف يومي25 و26 يونيو المقبل احدى الندوات الوطنية تحت عنوان: تحديث الادارة القضائية وتاهيل البنية التحتية . اقول على اثر ذلك و جدت انه آن الاوان بعد مضي ازيد من خمس سنوات على تقديم المبادرة المغربية بشان التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا للحديث عن القضاء بجهة الصحراء. فاذا كانت الدولة المغربية قد عملت من خلال السفير المندوب الدائم لها بالامم المتحدة بتاريخ 11 ابريل 2007 على تسليم الامين العام للامم المتحدة السيد بان غي مون نص المبادرة المغربية بشان التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، فانني لم أوفق منذ ذلك التاريخ في الوقوف على مشاريع مضبوطة او اجراءات عملية، تسهل وتيسر الوفاء بالالتزامات الواردة بالمبادرة في الشق الذي يرتبط بموضوعنا و.هو القضاء. فبالاطلاع على المبادرة المذكورة نجد انها تؤكد على تدبير سكان الصحراء شؤونهم بانفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، حيث تنص الفقرة الخامسة من المبادرة على انه من هذا المنطلق سيتولى سكان الصحراء وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بانفسهم من خلال هيآت تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع بإختصاصات حصرية. بيد ان الفقرة 12 من نفس المبادرة جاءت اكثر وضوحا وتحديدا لما نصت على انه: يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات ولا سيما في الميادين التالية: الادارة المحلية الشرطة ومحاكم الجهة. ومن غير المستبعد ان تكون محاكم الجهة المقصودة في هذه الفقرة، هي تلك المحاكم الواردة الاشارة اليها بالفقرة 22 من نفس المبادرة التي تنص على انه: يجوز للبرلمان الجهوي ان يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيآت المختصة لجهة الحكم الذاتي بالصحراء، وتصدر هذه المحاكم احكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك. وما يعزز هذا الفهم هو ما جاء بالفقرة 14 من نفس المبادرة التي نصت على انه: (تحتفظ الدولة باختصاصات حصرية منها .. النظام القضائي للمملكة) هذا فضلا عن ما نصت عليه الفقرة 23 من المبادرة عند قولها: ( تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي بالصحراء، النظر النهائي في تاويل قوانين الجهة دون اخلال باختصاصات المجلس الاعلى و المجلس الدستوري. وهذا يعني في نظري ان جهة الحكم الذاتي للصحراء ستعرف فضلا عن المحاكم المنصوص عليها بالنظام القضائي للمملكة، محاكم الجهة ومحكمة عليا جهوية، الشيئ الذي يتطلب اعداد بنية تحتية و توفير مواردبشرية تستجيب لهذا الالتزام. وهنا تنتصب امامنا علامة استفهام كبرى مؤداها: اين نحن من كل هذا؟ او بصيغة اخرى: هل للهيئة العليا للحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة رؤية استشرافية تعين على تهييئ الشروط الضرورية للوفاء بهكذا التزام ؟ الصراحة في القول تقتضي منا الاعتراف ان واقع الحال، ليس به ما يعزز الاعتقاد ان هناك مؤشرات جدية، على استحضار الالتزامات السابقة، عند التحضيرلسلسلة المناظرات الوطنية، التي ستشرف عليها الهيئة العليا، والتي ستشكل حصيلة مناقشتها ارضية لمشاريع التوصيات التي سترفعها الهيئة العليا الى جلالة الملك، ليتم تبنيها كصيغة نهائية لمشروع الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة. واذا كانت فعالية الدبلوماسية المغربية تكشف لنا كل يوم عن قدرتها على اقناع المزيد من الفاعلين في الساحة الدولية باهمية اعتماد المبادرة المغربية كاهم مشروع على طاولة المفاوضات، حظي من طرف مجلس الامن بوصفه بالجدية والمصداقية، فان مدى الاستجابة للالتزامات الواردة بالمبادرة من قبيل: (تولي سكان الصحراء تدبير شؤونهم بانفسهم من خلال هيئات .. قضائية تتمتع باختصاصات حصرية) يظل التساؤل بشأنه مشروعا، اذ كيف لنا ان نوفر الظروف المناسبة لسكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، حتى يمارسوا اختصاصاتهم في ميدان محاكم الجهة، سواء تعلق الامر بتلك التي يمكن ان تحدث من قبل برلمان الجهة، او تلك الموجودة اصلا في اطار التنظيم القضائي للمملكة . ما ذا لو قبل الطرف الاخر غدا اعتماد المبادرة المغربية بشان التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا كارضية للحوار، و طالب بسرعة تنفيذها على ارض الواقع. هل يعلم اعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني.. ان الجهة المعنية بمبادرة الحكم الذاتي، رغم كونها تشكل ازيد من ثلث مساحة ارض الوطن، فانها بلغة الارقام تشتمل على 12 في المائة من مجموع جهات المملكة، وحوالي 8 في المائة من عمالات واقاليم المملكة، وحوالي 4 في المائة من نوا ب الامة في مجلس النواب.. في حين لا تحتوي الا على قرابة 3 في المائة من مجموع محاكم المملكة، وحوالي 2 في المائة من قضاة المملكة. اما القضاة المنحدرين من المنطقة المشمولة بالمبادرة، فان نسبتهم تقل عن 0.3 في المائة من مجموع قضاة المملكة. وقراءة سريعة لدلالة الارقام المشار اليها اعلاه، تفضي بدون شك الى الوقوف على درجة النقص الحاصل في البنية التحتية، والموارد البشرية بخصوص المنظومة القضائية بالمنطقة المشمولة بالمبادرة المغربية بشان التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، وتؤشر الى ما يتعين الانكباب عليه من اجراءات وتدابير، تكفل تدارك ما تم اغفاله او عدم الالتزام به لحد الساعة. ولتقريب الصورة الى الاذهان تكفي الاشارة الى ان المواطن المنتمي الى مدينة الكويرة او العركوب او اوسرد لكي يقيم دعوى تجارية او يطعن في قرار اداري عليه ان يشد الرحال قاطعا 1600 كلم ليرفع قضيته امام تجارية او ادارية مدينة اكادير، واذا عن له ان يستأنف ذلك الحكم فما عليه الا ان يواصل الطريق ليمثل امام اسثئنافية مراكش؟ واذا كانت المبادرة المذكورة تؤكد على تدبير سكان الصحراء شؤونهم بانفسهم، فان ميدان القضاء بالصحراء سيظل يعاني من نقص حاد بخصوص العنصر الصحراوي في الجسم القضائي للمملكة الشيئ الذي من شانه ان يعيق امكانية وفاء الدولة المغربية بالتزاماتها بالمبادرة، القاضية باسناد تدبير شؤون سكان الصحراء لابناء الصحراء، هذا علاوة على النقص الحاصل في عدد المحاكم و الموارد البشرية الضرورية لها. وإذا كان من خلاصة يمكن الانتهاء اليها، فهي انه يتعين على الهيئة العليا للحوار الوطني للاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة التي خلت تقريبا من اي تمثيل لجهة الصحراء ان تنهض في اطار المهام المنوطة بها بتقديم اقتراحات، واجتراح حلول استراتيجية لاصلاح منظومة العدالة، مستدركة قبل فوات الاوان ما تم اغفاله او التغافل عنه، آخذة بعين الاعتبار التزامات الدولة المغربية، وان تتحلى بالشجاعة الكافية وهي تو صي بتصحيح اوضاع العدالة في الصحراء، بما يضمن توفير تدابير تحفيزية تشجع على استقطاب الكفاءات القضائية المناسبة، للعمل بجهة الصحراء. مع تبني الرفع من نسبة العنصر الصحراوي في الجسم القضائي بصفة عامة، انسجاما مع الالتزامات الواردة في المبادرة، وخدمة لجزء من الوطن طالما تم التعامل معه تحت عنوان كبير هو: القضية الوطنية الاولى. محمد سيداتي اباحاج وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتطوان