" الى بغيت نمشي لبيرو ديالنا، للا دارة ، غادي نمشي ثمن سوايع.. رئيس الحكومة خصو يمشي(فلتة لسان دالة ، يتداركها فيصحح ) خصو يجي يشوف حالتنا الله يحسن العوان..حنا دابا راه خاسرين ما قاريين ، حنا أميين، حتى ولادنا دابا غادي يكونو خاسرين بحالنا...الله يحسن العوان" بهذه الكلمات المدوية ، من أعالي جبال الأطلس المتوسط بمنطقة أزيلال ، خاطب محمد مواطنيه من خلال قناة مدي 1 تي في(برنامج 24 / 24 ، حلقة الأحد 11 مارس 2012 ) . نلمس لدى هذا القروي رغم أميته ، ربطا قويا بين عزلتهم عن العالم وبين استفحال آفة الأمية وما يترتب عنها من خسارة فادحة ، تتمثل أولا في إهدار كرامتهم وفي تفشي الفقر والتهميش بين ظهرانيهم ثانيا . قال كلمته بلكنة أمازيغية ، كان حريا بطاقم القناة أن يأخذها بعين الاعتبار، لتيسير التواصل مع السكان بلغتهم الأم ، ثم ترجمتها فيما بعد إلى اللغة العربية. إسماعيل هو الآخر، عبر بلكنة أمازيغية مرحة عن معاناته و زملاءه الصغار، الذين لا لباس لهم إلا الرث والبالي الذي لايقي من برد ، والذين لايجدون ما ينامون عليه إلا التبن... أما المعلم فيظهر ويختفي... عائشة الصغيرة ، أبت إلا أن تكلم الناس بالأمازيغية ، فتدفقت كلماتها ، صادقة ، صادمة وصامدة...فيها إصرار على التعلم برغم الجو البارد والثلج ، برغم الجوع والمرض ، وبرغم قساوة المعلم الذي يفرض عليهم أن يكتبوا رغم تجمد أناملهم... يضربهم ...يضربهم ... تمتزج العبارات بالعبرات...فتحكي ظروف عيش صعبة لا تطاق . عزلة تامة عن العالم ، في هذا المدى المفتوح للنسيان والإهمال ... أطفال في عمر الزهور، يلجون المدرسة ليخرجوا منها بخفي حنين...طيلة خمس و عشرين سنة من تاريخ المدرسة، لم يتمكن أي تلميذ أو تلميذة من تخطي مستوى الشهادة الابتدائية. هكذا قال محمد، نائب رئيس جمعية تيرسال للأسرة والبيئة و التنمية القروية . مشكلة الهدر المدرسي من المشكلات التي تسهم في تفاقم آفة الأمية ، ذات الانعكاسات السلبية والمتعددة الأبعاد، والتي منها ما يرتبط بالتنمية ، ليس كنمو اقتصادي وكارتفاع للدخل فحسب ، وإنما أيضا كحرية و كرامة وعدالة اجتماعية (Amartya Sen). و منها ما يرتبط بالسياسة، حيث بينت تجارب الشعوب ألا ديمقراطية بدون تعميم للتعليم و المعرفة وبدون انتشار للوعي السياسي. أولا : محاربة الأمية و التخبط المؤسساتي: اتسمت سياسة محو الأمية بالمغرب بتخبط مؤسساتي كبير، يدل على غياب أي رؤية واضحة، إن على مستوى تشخيص الوضعية أو على مستوى صياغة البرامج وتطبيقها. يتجلى ذلك في انتقال الاهتمام بهذه المسألة، من إدارة تابعة لوزارات مختلفة إلى مشروع الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، مرورا بكتابة الدولة في محاربة الأمية. ترى لم كل هذا التخبط المؤسساتي و التنظيمي؟ وهل يتعلق الأمر بمشكلات مؤسساتية ومالية محضة ؟ أم أن الإشكال يتجاوز ذلك الى ما هو أعمق على مستوى الصراع الاجتماعي والسياسي ؟ انطلقت أول حملة وطنية لمحو الأمية سنة 1956، بتأطير من العصبة المغربية للتربية الأساسية و محاربة الأمية ، استفاد منها مليون مواطن ومواطنة. ثاني حملة على الصعيد الوطني ضاعفت العدد سنة بعد ذلك. وبموازاة مع هاتين الحملتين، صدرت جريدة "منار المغرب" كأول جريدة موجهة للمستفيدين الجدد من برامج محاربة الأمية. مرت السنون الطوال بعد ذلك بدون عمل يذكر في هذا المجال... وكان لا مفر من انتظار سنة 1980 ليتم خلق مصلحة خاصة بمحاربة أمية الكبار داخل وزارة الصناعة التقليدية. عشر سنوات أخر بعد ذلك (1990)، أسست لجنة وطنية لمحو الأمية بمناسبة السنة الدولية لمحاربة الأمية، واكبها تأسيس لجن إقليمية لتنسيق و تطوير عمليات محاربة الأمية على الصعيد المحلي. ومنذ ذلك التاريخ شرع في تنظيم حملة وطنية كل سنة، تستفيد منها الفئات العمرية من15 سنة فما فوق. أما في سنة1991 فقد تم الارتقاء بالمصلحة المركزية لمحو الأمية الى مستوى مديرية ، ألحقت سنة 1997 بوزارة الشغل والشؤون الاجتماعية. وفي نفس السنة تم إحداث مديرية التربية غير النظامية في إطار وزارة التربية الوطنية. كما شهدت سنة 2000 انخراط وزارة الأحباس والشؤون الإسلامية في برامج محاربة الأمية، باستعمال فضاءات المساجد . في سنة 2002 توج هذا التخبط المؤسساتي بخلق كتابة الدولة لدى وزارة التربية الوطنية و الشباب ، مكلفة بمحو الأمية والتربية غير النظامية. وفيما يشبه أسطورة سيزيف الذي ما ان يوشك أن يوصل الصخرة إلى قمة الجبل حتى تتدحرج الى أسفل ، قامت الدولة سنة 2007 بحل هذه الوزارة وإلحاق محاربة الأمية والتربية غير النظامية بوزارة التربية الوطنية . وهو الوضع الذي حافظت عليه حكومة عبد الإله بنكيران الى يومنا هذا. يتبين من خلال هذا الجرد التاريخي أن أهم حقبة من حيث الإنجازات ، هي تلك الممتدة من فجر الاستقلال حتى بداية الستينيات، حيث أن الحملة الوطنية الأولى ( 1956 ) شملت مليون مستفيد ومستفيدة ، والثانية استفاد منها مليونا مواطن ومواطنة سنة1957 ؛ وهي السنة التي أطلق فيها المهدي بنبركة مشروع شق طريق الوحدة بين تاونات وكتامة ،على طول ستين كيلومتر لربط فاس و تازة بالحسيمة. شارك في هذا المشروع شباب تعداده حوالي 12000 من مختلف جهات المغرب ، من المنطقة التي كانت تحت السيطرة الفرنسية ومن المنطقة التي كانت تحت السيطرة الإسبانية . كانوا يشتغلون صباحا، وينخرطون في أوراش محو الأمية بعد الزوال . ومما لا شك فيه، أن هذه الإنجازات استمدت أسسها من توفر إرادة وطنية صادقة و رؤية سياسية واضحة وشاملة لمشكلات التنمية، انخرطت فيها مكونات الحركة الوطنية كشريك أساسي للدولة الفتية. وقد كان للحماس المرافق للاستقلال دور كبير في إنجاح هذه الحملات، حيث أن الدروس المسائية شملت الكبار، رجالا ونساء، كما شارك المتطوعون في هذه البرامج بكيفية مكثفة. هكذا وبفضل هذه الأعمال الجليلة انخفضت نسبة الأمية من أكثر من95 % مع نهاية الاستعمار إلى87 % سنة 1960. غير أنه للأسف الشديد، تم إجهاض هذا المجهود الوطني الجبار، ولم يتسن له الاستمرار فيما بعد. كان لهذا التراجع أثر بليغ وعواقب وخيمة على كل برامج محاربة الأمية في بلدنا إلى يومنا هذا. فرغم توالي المحاولات منذ الستينيات ، إلا أنها ظلت دون ما بذل من مجهود ات في السنوات الأولى للاستقلال. وكان ينبغي انتظار بداية التسعينيات، لكي ينخرط المغرب في تنظيم حملة وطنية سنوية لمحاربة الأمية ، تمتد من أكتوبر إلى يونيو، وتستفيد منها الفئات العمرية البالغة 15 سنة فما فوق. في سنة1994 أنجز البنك الدولي أول دراسة لتقييم ما تحقق من إنجازات، تحت اسم "محو الأمية بالمغرب: حصيلة بحث و تحليل ". نتائج الدراسة قدمت بعض المؤشرات على ما ستكون عليه وضعية محاربة الأمية بالمغرب مستقبلا: . عدم كفاية الموارد المالية المرصودة لمحاربة الأمية بشكل فعال مركزيا و إقليميا. .غياب المراقبة والتتبع الميدانيين للبرامج . .عدم إقبال السكان على برامج محو الأمية. .ضعف ارتباط البرامج بحاجيات المستفيدين وبظروف عيشهم، وعدم استجابتها لمتطلبات التنمية المحلية و القروية على الخصوص. .انخفاض مرد ودية هذه البرامج بسبب ارتفاع نسبة الهدر. .عدم ملاءمة استعمالات الزمن الخاصة بالدروس، لإيقاعات الحياة اليومية للساكنة المستهدفة، حسب فصول السنة وحسب نوعية النشاط الاقتصادي للمنطقة. .هيمنة الطابع المركزي على صياغة البرامج ، يعرقل الانخراط الحقيقي للساكنة و للمسؤولين الإقليميين. . غياب التزام الدولة الصريح، يجعل برامج محو الأمية غير خاضعة لمخططات محكمة. .عدم إدراج مسألة محاربة الأمية ضمن مقاربة للتنمية المندمجة، تتجاوز التصور القطاعي الضيق . . غياب التكوين في مجال تربية الكبار(الأندراغوجيا) لدى الممارسين لمهام محو الأمية . . هيمنة النموذج المدرسي على الممارسة البيداغوجية لدروس محو الأمية . . مشاركة المرأة أهم من مشاركة الرجل. لتجاوز هذه الاختلالات وضعت حكومة التناوب منذ سنة 98/99 برنامجا طموحا لمحو الأمية ، يهدف إلى تخفيض نسبة الأمية إلى أقل من20 % في أفق 2010، باستفادة سنوية تقدر ب 500000 شخص، وبمحوها تماما من المقاولة في أفق سنة 2010 . لكن هيهات ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فحسب آخر احصائيات قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، نجد أن نسبة الأمية لدى الساكنة التي تبلغ 10 سنوات فما فوق، لم تنخفض إلا بنسبة أقل مما توقعته الاسقاطات الرسمية : فمن 65% سنة 1982 إلى 43 % سنة 2004 . أما حاليا فتقدر النسبة بحوالي30 %.الهوة إذن مازالت كبيرة بين الأهداف التي رسمتها الحكومات المتوالية وبين النتائج المحققة على أرض الواقع . وفي غمرة حراك2011الاجتماعي تم إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية من خلال قانون صودق عليه وتم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 شتنبر 2011 ، ولكن النص التطبيقي لم ير النور بعد. ثانيا : الأمية والسياسة من بين الحقوق التي ينص عليها الدستور الحق في: الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة(الفصل31). كما أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة( الفصل 32) أما البرنامج الحكومي فينص على توسيع قاعدة المستفيدين من برنامج "تيسير" ودعم برامج التربية غير النظامية. كما ينص على استمرار إصلاح نظام المقاصة في اتجاه ضبط اكبر لتكاليفه، خاصة من خلال عقلنة بنية أسعار المواد المدعمة و استهداف الفئات الفقيرة والمعوزة. كما أن مساعدات مالية مباشرة ستصرف لهذه الفئات الاجتماعية ، شريطة إيفاد أبناءها وبناتها إلى المدرسة . كما سيتم تحفيز الساكنة المستهدفة من أجل التسجيل في برامج محو الأمية ، وتنمية الأنشطة المدرة للدخل. في إطار تحليله لعلاقة الأمية بالسياسة ، يرى إمانويل طود ( (Emmanuel Todd أنه خلافا للخطاب السائد حول الإسلام كدين غير متوافق مع الحداثة، فإن العالم الإسلامي يعرف تحديثا تربويا وديموغرافيا سريعا ، حيث أن هناك مناطق إسلامية شاسعة انخفضت فيها نسبة الخصوبة إلى مابين 2 و2,3 مولود لكل امرأة(النسبة في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية هي 2 لكل امرأة). إن هذا التطور يعتبر حاسما، خاصة وأن التاريخ يسجل الترابط المتزامن لظواهر ثلاثة هي: محو الأمية وانتشار التعليم ، انخفاض الخصوبة وحدوث الثورة . فإيران مثلا، أنجزت ثورتها سنة 1979 في الوقت الذي بلغت فيه نسبة محو الأمية فيها نفس النسبة التي بلغها فرنسيو الحوض الباريسي سنة 1789. كما يرى أن الثورة التونسية بإمكانها أن تعيد النظر في الخطاب المتداول حول العجز البنيوي للبلدان العربية في أن تصبح دولا ديمقراطية. ومن العناصر التي تؤيد هذه الأطروحة يذكر الباحث : الديموغرافيا ، التربية ، الحضور القوي للثقافة الفرنسية وغياب البترول(إذ أنه بمجرد وجود البترول، ينجو النظام السياسي القائم على الريع ، من ثورة شعبه). ثالثا : الأمية والاقتصاد مشاركة ضعيفة للمقاولات الخاصة في الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية ، حيث أنها لا تمثل سوى 0,24% من المجهود الوطني .الكلام هنا للسفير رئيس بعثة الاتحاد الأوربي بالمغرب إنيكو لاندابورو، بمناسبة المناظرة المنظمة مؤخرا ببلدنا حول موضوع محو الأمية في محيط الشغل. 30 مقاولة فقط هي التي تستثمر في مجال محو أمية مستخدميها ، عدد المأجورين الذين يستفيدون من دورات تكوينية لايتعدى 1700. أما القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا من هذه الآفة ، فهي قطاعات الفلاحة بنسبة 60 % ، الصيد البحري 33 % ،البناء والأشغال العمومية 32 % والصناعة التقليدية 30 .% وبالنسبة للسفير الأوربي، فإن الأمية في المغرب هي أكثر من مسألة كرامة.لأن محو الأمية ليس مجرد مبادرة تتيح للناس تعلم القراءة والكتابة.إن الهدف المنشود أكثر أهمية من ذلك.إنه يشتمل على بعد سياسي، إذ كيف يتسنى لمواطن أمي أن يشارك في بناء الديمقراطية و في تدبير الشأن العام في بلده ؟ هكذا تفقد أهداف الديمقراطية مصداقيتها. هناك رهان اقتصادي كذلك . فقد أكدت دراسة ممولة من طرف الاتحاد الأوربي أن تكلفة الأمية في المغرب تساوي 1 % من الناتج الداخلي الخام. من هنا فإن القضاء على هذه الآفة يعتبرأمرا مستعجلا. ولكن رغم ذلك يلزم بذل مجهود أكثر من طرف الحكومة الحالية لأن التحديات كبيرة . وقد وعدت هذه الأخيرة بتسريع وتيرة الإنجازات من أجل استهداف مليون مستفيد في السنة، وتخفيض نسبة الأمية إلى 20% في أفق سنة 2016 . ولكن خلافا للتصور الذي يحاول أن يفسر استمرار ظاهرة الأمية، بأسباب ذات طبيعة مالية أو تنظيمية أو لوجستيكية ، يمكن القول إن الأسباب هي أساسا ذات طبيعة سياسية ، والدليل أن الإرادة السياسية الوطنية الصادقة، لما توفرت سنتي 1956 و 1957 أنجز المغرب على التوالي رقمي مليون ومليوني مستفيد . فلو استمر نفس المجهود بمعدل سنوي يبلغ مليون مستفيد، ولو تمكنا من تعميم التعليم وتحسين جودته، لقضينا على الأمية في مدة لا تتجاوز خمسة عشر سنة. ختاما نعتقد أن مسألة محاربة الأمية كجزء أساسي من المسألة الاجتماعية التي تؤرق مضجع الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، لا يتوقف حلها فقط على الإرادة السياسية للدولة ، بقدر ما يتوقف على موازين القوى بين الطبقات المسيطرة والطبقات المسيطر عليها من جهة، وعلى الإكراهات الدولية من جهة أخرى. فكل الإجراءات التي اتخذتها الدولة مثلا في السنة الماضية، والتي ما فتئت تتخذها في بحر هذه السنة ، من زيادة في الأجور وزيادة في دعم صندوق المقاصة ، وإحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، وتعميم نظام المساعدة الطبية على جميع مناطق المغرب(RAMED) وغيرها ، ماهي إلا نتاج لتأرجح موازين القوى لصالح الفئات الاجتماعية الدنيا والمتوسطة. ولعل هذا غيض من فيض حراك مغربي ، طليعته حركة 20 فبراير. PAGE \* MERGEFORMAT 4