تُعقد آمال كبيرة على نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكومة الحالية بعد أن بوّأه جزء كبير من الشعب المغربي المرتبة الأولى يوم 25 نونبر الماضي. وإذا كان مصباح "العدالة والتنمية" قد اكتسب الشرعية السياسية والنضالية عندما كان في المعارضة منذ انخراط أعضاء من الحركة الإسلامية المغربية في اللعبة الديمقراطية عبر المشاركة في المؤسسات القائمة بالبلد، فإن هذا الحزب أضاف إلى رصيده شرعية أخرى - انتخابية هذه المرة- أوصلته إلى زعامة المشهد الحزبي وبالتالي الظفر برئاسة الحكومة. فإذا تصفحنا البرنامج الانتخابي الذي قدمه هذا الحزب إبان الحملة الانتخابية الأخيرة، والذي رفع له شعارا "صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد"، نجد أنه ارتكز على توجهات خمسة وهي: - مواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية ومكافحة الفساد. - بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية. - بناء مجتمع متماسك ومزدهر، قوامه أسرة قوية وامرأة مكرمة وشباب رائد، وأساسه مدرسة التميز ومقومات الكرامة. - إحياء وتجديد نظام القيم المغربية ألأصيلة على أساس من المرجعية الإسلامية والهوية المغربية. - صيانة السيادة وتعزيز الإشعاع المغربي ورفع الفعالية الخارجية. من خلال هذه التوجهات يتضح أنها تمثل شعارات واعدة لمغرب ما بعد دستور 2001، لكن تمت ملاحظات تحتاج لوقفات من أجل خطوات إلى الأمام. فتجربة "العدالة والتنمية" هاته لها من "دعائم البناء" ما لها من "معاول الهدم"، أي أنها تتوفر على عناصر النجاح بالقدر الذي تتوفر على عناصر الفشل. دعائم البناء بعد التجربة البرلمانية لأحزاب اليسار المغربي، يعتبر "العدالة والتنمية" إلى اليوم أهم حزب مارس المعارضة البرلمانية بفعالية خلال الخمسة عشر سنة الماضية، مما أكسبه شعبية كبيرة منذ مشاركته في تشريعيات 1997 وحقق آنذاك فوزا مقدرا بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك فيها (24 دائرة من أصل 325) وحصل على 9 مقاعد برلمانية أغلبها في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء. ومنذ ذلك الوقت بدأت تتنامى قوة هذا الحزب إلى أن حصل على 107 مقعد في الانتخابات الأخيرة. ومن الأمور التي نراها في صالح تجربة هذا الحزب في قيادة التحالف الحكومي نجد: - السياق الإقليمي الذي جاءت فيه كل المتغيرات التي طرأت على المغرب السياسي: فالثورات التي شهدتها دول عربية عدة كانت في صالح هذا الحزب بالنظر لتنامي شعبية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على طول الخريطة العربية، إضافة إلى امتلاك الشعوب لمعادلات التغيير في المنطقة بما فيها حرية اختيار المرشحين في الانتخابات. - السياق الوطني الذي أفرز "حركة 20 فبراير" المطالِبة بمزيد من الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد، فأعتقد أن استمرار الاحتجاجات السلمية بالشوارع المغربية هو في صالح تجربة "العدالة والتنمية" باعتبارهما (أي الحركة والحزب) كانا ولا زالا يرفعان شعار "إسقاط الفساد والاستبداد" رغم اختلاف أساليب العمل بينهما (الأولى في الشارع والثاني في المؤسسات). - السند الدستوري الذي يعطي لرئيس الحكومة الجديد صلاحيات أوسع من تلك التي كان يتوفر عليها من قبل، إضافة إلى أن الفهم والتفعيل الديمقراطي لبنود الدستور، ومنها الفصل 89 يحدد جزءا من صلاحيات رئيس الحكومة: حيث " تمارس الحكومة السلطة التنفيذية. تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية". - السند الشعبي المتمثل في عدد الأصوات الممنوحة لهذا الحزب في الانتخابات الأخيرة، رغم النسبة الضئيلة للمشاركة الانتخابية. - النجاح، لحد الآن، في تكوين تحالف حكومي يمكن نعته ب "المنسجم قليلا"، عكس الحكومات السابقة، على الأقل، مما سيعطي فعالية نسبية لعمل الوزراء. - التواصل الدائم مع وسائل الإعلام منذ ظهور النتائج وحتى أثناء تدبير التحالفات، وهذه الايجابية تُحسب لرئيس الحكومة المعين، عكس ما ألفناه في طريقة الاستوزار في الماضي. معاول الهدم غير أن تجربة "العدالة والتنمية" تعترضها عدة عقبات أو معاول هدم، يمكن أن تنسف أو على الأقل، أن تقف عائقا أمام تنفيذ البرنامج الحكومي، ومن هذه المعاول نجد: - استمرار الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم والجارة أوربا على الخصوص، مما يؤثر سلبا على إقلاع الاقتصاد الوطني بحكم ارتباطه الوثيق بالشريك الأوربي. - عدم إلمام وزراء "العدالة والتنمية" بقواعد ممارسة السلطة التنفيذية بحكم فتوة تجربتهم في ذلك، مما سيجعلهم، ربما، وسط أمواج هائجة من التدبير المعقد للملفات العالقة، خاصة الاجتماعية منها (الصحة والتعليم والسكن والتشغيل ....) - استمرار العقلية العتيقة للعمل البيروقراطي في الإدارة المغربية، مما سيقف سدّا أمام تطبيق المساطر الإدارية بشكل سلس، وهو ما يستدعي تبسيط المساطر الإدارية، خاصة تمرير القوانين البرلمانية والمصادقة عليها في وقت وجيز من أجل تفعيلها بشكل أسرع. - وجود لوبيات نافذة ومتحكمة في مراكز القرار السياسي والاقتصادي والمالي (البنكي)، تستفيد من الوضع القائم، قد تعرقل تفعيل قواعد الشفافية النزاهة واحتكار النظام الاقتصادي، وهو ما سيشكل "بلوكاج" لبرنامج الحكومة. إضافة إلى وجود جهات حزبية متنفذة كانت تبدي عداءها "للعدالة والتنمية" إبان عمله في المعارضة، ستستمر بلا شك في الحيلولة دون تنفيذ برنامجه الحكومي. فهل، بعد سرد كل هذه المقومات، سيكون "العدالة والتنمية" مع اللحظة التاريخية؟ ويستثمر نقاط قوته للتغلب على صعاب المستقبل،؟ أم أن معاول الهدم ستكون الغالبة في هذه المرحلة على دعائم البناء، وبذلك ينطفئ مصباح بن كيران السحري؟