* بقلم: عبد الرحيم دحاوي عادت بوذنيب إلى لفت الانتباه إلى مأساتها وتقديم الدروس في الإباء العز و الأنفة و هي تخرج عن بكرة أبيها لمؤازرة معتقلي ما سمي ب "البوطة". ولعل المتأمل لما وقع سيخرج بعدة دروس وعبر ورسائل و جهتها بوذنيب بعنفوان إلى جهات متعددة نجملها في رسائل ثلاث، ولتكن البداية بتلك الموجهة للسلطة. وسنعود للحديث عن الرسالتين المتبقيتين. لقد اختارت السلطة منذ بداية الحراك البوذنيبي عام 2008 المفاربة الأمنية ولم تحد عنها على الإطلاق. هذه المقاربة تجلت في تخويف مناضلي تنسيقية محاربة ارتفاع الغلاء، و التدخل الأمني غير المسبوق ضد ساكنة أولاد علي في أطول اعتصام عرفته المنطقة و دام أربعين يوما، وظهرت بشكل سافر في متابعة المعتقلين الثلاثة في حالة اعتقال قبل ان يتقرر متابعتهم في حالة سراح. يبدو واضحا أن السلطة و هي تختار هذا الاختيار- في الحالة الأخيرة- لا تنحوا منحى خاصا ببوذنيب، إنما تقتفي أثر السلطة المركزية في التعامل مع الحركات الاحتجاجية في كل ربوع الوطن بعد ان اعتقدت ان حركة 20 فبراير أصبحت جزءا من الماضي، وأن الوقت أضحى مناسبا للالتفاف على مطالبها و على الأحلام التي راودتنا بعد أحداث قالوا لنا: إنها ربيع ديمقراطي . لذلك، نجد اعتقال مناضلين شرفاء ارتبطت أسماؤهم – بدرجات متفاوتة – بحراك المجتمع المدني و المعطلين مع تعمد تبخيس نضالا تهم و مطالبهم: فما معنى اعتقالهم في قضية " البوطة "، وعدم فعل ذلك و هم يناضلون مع المجتمع المدني من أجل رفع التهميش عن بوذنيب أو مع المعطلين من أجل الحق في التشغيل؟ لقد أرادت السلطة أن تنزع عنهم رداء نبل القضية و تستفرد بهم، لكنها وقعت في مطب و خدمتهم وخدمت مصالح بوذنيب من حيث لاتدري. فلو قدر ان اعتقلوا بأي صفة سابقة ما كنا لنرى هذا الكم من التضامن، لأن المجتمع المدني كان سيكون في المقدمة و كان سيطرح سؤالين اثنين: الأول مرتبط بقانونية الاحتجاج، و الثاني بالسبل المؤدية إلى الإفراج عن المعتقلين، وبينها متسع للسجن و المناورة. ان اعتقال المناضلين على خلفية "البوطة" جعل القضية أكثر التصاقا بالساكنة و أكثر جاذبية و بساطة في التسويق السياسي. تصوروا معي مناضلا يدعو الساكنة من أجل التضامن مع معتقل"بوطا" آخر يفعل الشيء نفسه من أجل معتقل حول رفع التهميش عن بوذنيب أو المطالبة بالحق في التشغيل. في الحالة الأولى يسقط السلاح الذي استخدمته السلطة في السنوات الماضية و هو ادعاء تسييس القضايا، كما ان هذا الاعتقال الذي تم في حراك غير منظم للساكنة جعل المجتمع المدني البوذنيبي في وضعية مريحة: فعلى الرغم من الواجب الأخلاقي في التضامن، إلا ان المسؤولية الكبرى على عاتق الساكنة التي فاقت المجتمع المدني و خرجت بقوة و استطاعت الانفلات من التعقيدات الشكلية الضرورية بالنسبة للمجتمع المدني و هو الأمر الذي لم يكن في حسبان السلطة التي كانت تعتقد أنها ستظل في مواجهة المجتمع المدني ببياناته ووقفاتها التي أبان فيها من قبل، عن قدرة في تنظيم الساكنة و تأطيرها. إذا انتقلنا إلى مستوى آخر من مستويات التحليل، وتساءلنا عن العلة الكامنة و راء الخطأ الذي ارتكبته السلطة وهي تعتمد مقاربة أمنية عوض مقاربة تنموية حقيقية هي و حدها القادرة على إخراج المنطقة من واقعها البئيس، لقلنا: انه الجهل بتاريخ بوذنيب. فالتاريخ يذكرنا بأمانة ان البوذنيبي الحر يكون رجلا كامل الصفة إما ادلهمت الخطوب، ولنا في معركة بني و زيم وغيرها من المحطات خير دليل. ان السلطة المركزية فاتها أن تمون رجال السلطة على الانتباه إلى المعطى التاريخي و الثقافي أثناء التعاطي مع مشاكل السكان وهو الأمر الذي نبهت إليه أحدث النظريات في العلوم السياسية و هي تقر بدور العامل التاريخي في الفعل السياسي بمعناه العام. وإذا كان بعض رجال السلطة يستطيعون معرفة تاريخ المنطقة و التقرب من أحرارها، فان البعض الاخر لا يسمع إلا من بعض الذين باعوا ضرف الانتماء للمنطقة و ينظرون إلى بوذنيب اعتمادا على نظاراتهم فيضلون ويضلون. فلنختصرها ولنقلها واضحة: أما قال لكم التاريخ: أن بوذنيب لا تركع لغير الله؟ إذا كنا تحدثنا عن رجال السلطة، فإننا لا نتحدث لا عن فلان و لا عن علان، و إنما عن بنية مخزنية تستهلك الأفراد بصرف النظر عن قناعاتهم. ومن أراد أن نتحدث عن الاستثناءات فسنقول في بوذنيب رجال سلطة أفذاذ لسنا أكثر منهم غيرة لا على البلاد و لا على العباد لكن النسق قد يستهلك كل شخص وتلك طبيعة الأمور.