الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    تقرير إسباني يكشف مفاجأة بشأن اعتراف الصين بمغربية الصحراء    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مأساة جديدة في إسبانيا.. حريق يودي بحياة عشرة نزلاء في دار للمسنين    تخليد الذكرى ال69 لعودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    المغرب يترقب اللحظة المواتية لخروج الخزينة إلى السوق الدولية        مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    "كوباك" تدعم التلاميذ ب "حليب المدرسة"    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة        التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب        زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في أحداث بوذنيب الأخيرة


عبد العزيز عبد الوهاب
لا يخفى على أحد حالة الغليان إلى عاشتها مدينة بوذنيب وساكنتها في الآونة الأخيرة جراء الاعتقال الذي طال ثلاثة مواطنين،اتهمتهم السلطات بقطع الطريق العمومية. وبسرعة قياسية كسرعة البرق اكتملت عناصر القضية: من تحقيق أمام الضابطة القضائية، وعرض على وكيل الملك وتقديم للمحكمة في ظرف ثلاثة أيام، وكأن ملف إصلاح القضاء في المغرب قد طُوي محققا نتائج مبهرة ، وأصبح المغرب يحتل المراتب الأولى في سرعة البث في القضايا المعروضة على محاكمه.
ومعلوم أيضا لدى القاصي والداني أن سر هذا الاعتقال يعود إلى الاحتجاجات والوقفات التي نظمتها الساكنة، بسبب انقطاع مادة غاز البوطان لمدة شهر ونيف، وقد ذاق مواطنوا إقليم الرشيدية كافة مرارة المعاناة والحرمان ورجع أغلبهم إلى وسائل بدائية لإيقاد النار. إلا أنه يسجل لمدينة بوذنيب أنها الوحيدة التي انتفضت ضد هذا الظلم والقهر الاجتماعي المفروض والممنهج.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هنا هو: لماذا اختارت السلطات هؤلاء المواطنين لاعتقالهم؟ وما الرسائل التي تريد الدولة أن توجهها لبوذنيب مع اقتراب الذكرى السنوية لتقديم المذكرة المطلبية التي تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني للمسؤولين؟
بالمقابل كيف فهم المواطن البوذنيبي الرسالة ؟ وكيف رد عليها بلسان الحال لا بلسان المقال؟

من رسائل الدولة لبوذنيب:
- أن زمن إرخاء الحبل والتعامل بليونة ومرونة مع كل من تسول له نفسه المطالبة بحق من الحقوق والخروج في وقفات أو احتجاجات أو مظاهرات ولو حتى كانت سلمية قد انتهى. وجاء زمن الحزم والتطبيق الصارم للقانون. ولأن سجون البلد مكتظة عن آخرها فلابد من اختيار أكباش فداء وقرابين تقرب المسؤولين المحليين والإقليمين إلى أسيادهم زلفى .
- إن تدبير وتسيير ملفات إقليم مترامي الأطراف ،نائي ،متعدد المدن والقصور والمداشر، كثير الهموم والمشاكل ..كإقليم الرشيدية، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق قسم الاستعلامات والمخابرات.وأن ما يخطه ويرفعه مخبروا السلطة من تقارير هو الحق، لا ما يدعيه المواطنون ويطالبون به من مطالب . وأن زرع مزيد من المخبرين والضرب بيد من حديد أيسر وأسهل من الحديث عن دولة المواطنة ودولة الحق مقابل الواجب.
- أي حوار وطني عن دور المجتمع المدني من خلال ما جاء في الدستور الجديد ما هو إلا أكذوبة تبشر بها أبواق السلطة من قنوات وجرائد لا يصدقها إلا مغفل، هدفها تسويق صورة منمقة للمغرب لدى الخارج، وواقع الحال غير ذلك فهو يبرهن أن الدولة تتعامل مع الجمعيات بسياسة العصا والجزرة.
هذه بعض من الرسائل التي وجهتها الدولة للمواطن البوذنيبي علها تدفعه لكي ينسى أمر الحقوق التي يرفعها من خلال المذكرة المطلبية وقد قاربت ذكراها السنوية. لكن رد أهل بوذنيب كان أكثر حزما وصرامة وقد فاق كل التصورات والتوقعات.
- أن الدولة لا تعرف موقع بوذنيب إلا إذا تعلق الأمر بالضرائب والتبرعات وإمداد الأوراش والضيعات باليد العاملة البخسة الثمن والقوات المسلحة بالجنود. أما عندما يحتاج المواطن الدولة وقت الكوارث (فيضان وادي كير نموذجا) أو انقطاع المواد الأساسية للعيش (الدقيق قنينات الغاز نموذجا) فإنه يجدها أكبر غائب. بل ويتساءل البعض أين كانت الدولة يوم أن كان صاحب المعمل الوحيد لتزويد الرشيدية بالغاز يجمع قنينات الشركات المنافسة له مهيئا نفسه لاحتكار السوق. وأين كان مخبروا الدولة من هذا الفعل المخالف لكل القوانين أم هو التواطؤ المفضوح بين السلطة والمال؟
- إن جيل اليوم والأجيال القادمة غير ما كنتم تعرفون، فهؤلاء علمتهم الظروف القاسية التي يعيشون فيها فن الصبر وكيف يصيروا رجالا. وأن كرامتهم فوق كل شيء والحذر الحذر من الكريم إذا أهنته. واعتقال ثلاثة شبان كان أكبر إهانة توجهها السلطة لبوذنيب . ففي وقت كان الكل ينتظر رد السلطات على المذكرة المطلبية الموجهة إليها تجاوز الأمر تجاهلها وتعدى ذلك إلى فبركة ملفات للزج بالمناضلين الشرفاء في السجن ، وغض الطرف عن محاسبة السياسيين الفاسدين المحتكرين.
- أن يصل التفكير الجمعي البوذنيبي إلى تنفيذ عصيان مدني شل جميع مرافق الحياة في المدينة والمشاركة في مسيرات خرج فيها الآلاف من النساء والرجال والأطفال، وتحمل عناء ومصاريف التنقل إلى المحكمة بمدينة الرشيدية، رغم كل العراقيل التي وضعتها السلطات لمنع الناس من الذهاب إلى هناك.. كل هذا لم يكن وليد اللحظة بل إنه نتيجة مجهود سنوات من العمل التأطيري الثقافي والحقوقي داخل دار الشباب ومقرات الجمعيات ونواديها. أضف إلى ذلك الحرمان الذي طال المدينة لعقود وعقود .
- وأختم برسالة أعتبرها الأهم: هي التي وجهتها ساكنة بوذنيب إلى جمعيات وفعاليات المجتمع المدني والهيئات السياسية والنقابية، مفادها أنه لا مجال للتراجع قيد أنملة عن الدفاع والمرافعة عن الحقوق المشروعة للمدينة. فقد برهن المجتمع عن وعي كبير بكل ما يحاك ضد المناضلين من مؤامرات. وأن المجتمع متيقظ مستعد للتضحية بالغالي والنفيس حتى لا تهان كرامة مناضليه، وأن كرامته من كرامتهم.
إن عمر الظلم قصير ولابد للعدل أن يتحقق طال الزمن أم قصر وهذه سنة الله في الكون وأن أزهد ثمن تؤديه الدول لبقائها هو تحقيق العدالة الاجتماعية بين مواطنيها ومناطقها وأن الحكومات ذات التفكير الإستراتيجي تترك المجال للمقاربات التنموية مستبعدة المقاربات الأمنية التي لا تحل المشاكل بقدر ما تراكمها مثل كرة الثلج. يورد الدكتور خالص جلبي في إحدى مقالاته في جريدة الأهرام (عدد10594 بتاريخ 7يونيو 2004) قصة عن الحكيم كونفوشيوس أنه مر من جبل تاي فأبصر امرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة، فسارع المعلم إليها ، وبعث بتلميذه تسلي – لو يسألها : إنك لتبكين يا امرأة وكأنك احتملت الأحزان فوق الأحزان. فردت المرأة تقول:وكذاك الأمر، فقد قتل نمر من قبل والد زوجي في هذا الموقع. وقد قتل زوجي أيضا. وها هو ولدي قد مات الميتة نفسها. فقال المعلم: ولماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة. فقال المعلم آنذاك تذكروا قولها يا أولادي: إن الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.