- مرحبا بالشاعرة الدكتورة بشرى سعيدي في موقع قصر السوق، بداية مفتاح السيرة من هي بشرى سعيدي الإنسانة ثم الشاعرة؟ بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، في البداية أود أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى موقع قصر السوق الذي بادر بنشر تعليق عن ديواني "أرخبيل الأحلام" فور خروجه إلى الأسواق، كما أتقدم بخالص امتناني لاستضافتكم لي في هذا المنبر الجميل والذي عهدناه يتتبع باهتمام كل الإبداعات المحلية. كما آمل أن أكون ضيفة خفيفة الظل على الرواد الأعزاء. ج.1- بشرى سعيدي ابنة الرشيدية ولدت وترعرعت بين أحضانها إلى أن حصلت على شهادة الباكالوريا، تابعت دراستي المهنية في التعليم بالإقليم، وبالموازاة مع ذلك تابعت دراستي الجامعية إلى أن حصلت على الإجازة في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، ثم دبلوم الدراسات العليا المعمقة وشهادة الدكتوراه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس. بشرى إنسانة بسيطة بساطة أهل منطقتها، سريعة التأثر بالأحداث تنقل إحساساتها على صفحات الورق لأنها سلواي. 2- كيف كانت بدايتك الشعرية وهل تأثرت بشعراء آخرين؟ ج.2- لا أستطيع أن اجزم مثلما يقوله الكثيرون "تعلمت الشعر منذ نعومة أظافري"، ولكني كنت منذ المرحلة الابتدائية شغوفة بالقراءة إلى حد كبير، أقرأ بنهم كل ما أجده أمامي، فلازلت اذكر أنني كنت أطلع على كتب تفوق مستواي، وكنت استمتع بذلك خصوصا الروايات والقصص، فقضيت سنين طوال وأنا التهم الكتب (إن صح التعبير) وفي كل الأجناس، مما كون لدي رصيدا لا بأس به، كما أنني كنت هاوية للمسرح وقد مثلت مسرحيات عديدة بالمدرسة الابتدائية والإعدادية في احتفالات عيد العرش. والفضل يعود لأساتذتي الذين كانوا يشجعونني ويثنون على موهبتي، أما فيما يخص الشعر، فقد كنت أميل منذ الصغر إلى حفظ الأمثال الشعبية، فاكتسبت مهارة الحديث المسجوع، آنذاك وجدت لذة في ترديد عبارات تتشابه أواخر كلماتها، لكن بصراحة لم أكن أدري أنها بداية شعر. وفي المرحلة الإعدادية كنت أعجب بالقصائد المقررة فأحفظها عن ظهر قلب، مما وَلَّدَ لدي إحساسا غريبا، ينتابني مع قراءة كل قصيدة على حدة. فكانت أول قصيدة كتبتها بعنوان "ليلة" واذكر أنني نشرتها بالمجلة الحائطية "لثانوية سجلماسة" ونالت إعجاب الزملاء والأساتذة، فكانت بمثابة الشرارة الأولى التي أذكت في الحماس لكتابة قصائد أخرى، بعد ذلك بدأت أصقل تلك الموهبة بالقراءة المتمعنة لمجموعة من الشعراء. وككل مهتم بالشعر، لابد أن نعود إلى الأصول فقد درست الشعر الجاهلي، ووجدت ضالتي في الدراسة الجامعية حيث عمقت البحث فيه وأعجبت بتفاصيل هذا النوع فكنت أميل كثيرا لشعر امرئ القيس، طرفة بن العبد، عمر بن كلثوم، وكعب بن زهير، ولعل غرابة اللفظ وبداوة المعنى هي التي كانت تستثيرني، فكنت أبحث في المعاجم عن معاني الكلمات الصعبة لأجد لذة في التنقيب عن ذلك، ومن النساء الشاعرات كنت معجبة "بالخنساء" و"جليلة" وهي زوجة أخ المهلهل بن ربيعة وتحضرني أبيات لها تعبر عن صدق المرأة البدوية. يا نسائي دونكن اليوم قد * خصني الدهر برزء معضل خصني قتل كليب بلظى * من ورائي ولظى مستقبلي ليس من يبكي ليومين كمن * إنما يبكي ليوم ينجلي ولعل الذي يجمعني بالخنساء وجليلة هو أن كلاهما قد فقدت عزيزا أو أعزاء، فجليلة قد فقدت كليبا والخسناء فقدت أبنائها وبالنسبة لي فقد فقدت أخا غاليا "رحمة الله عليه" والذي أهديت الديوان إلى روحه الطاهرة، فأثر ذلك في نفسي بالغ الأثر، وأدمى قلبي مما جعل الموهبة تتفتق في المرحلة الثانوية. لذلك جاء معظم شعري في بداياته بنبرة حزينة فكتبت العديد من القصائد التي نشرتها في جرائد متفرقة، أما بالنسبة للشعراء الجدد فقد تأثرت بالمجاطي وبمحمود درويش وسميح القاسم وخصوصا طريقة إلقاء هذا الأخير لقصائده. وأحببت شعر فيكتور هوجو في الكتابة الأجنبية، إذ يعد ابرز أدباء الحقبة الرومانسية في فرنسا، فشعره بالإضافة إلى صوره البليغة كان ينم عن حكمة وذكاء متقدين، ومن أقواله التي تظل راسخة بذهني: "لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء". 3- ماذا تمثل بالنسبة لك الكتابة الشعرية؟ ج.3- الكتابة الشعرية مكاشفة وجدانية ترحل بي في أعماق الكلم، تجعلني اقبض الزئبق بين أصابعي. تفتح لي أبوابا مغلقة بالواقع. وحينما نتحدث عن الشعر لابد أن نستحضر المعايير الأساسية التي تجعل من الكتابة الشعرية قولا شعريا يختزل فهمنا للأشياء وإدراكنا للشعر باعتباره تشكيلا لغويا متميزا. يطفح فيه الخيال الأخاذ والصور الجامحة والإيقاع الشغوف، ويعتقد البعض أن الكتابة في شعر التفعلة أو القصيدة الحداثية هو امتطاء لصهوة منحنية بحيث الكتابة العمودية هي التي تعد الشعر الحقيقي، لكن أؤكد على أننا في زمن يجب أن نساير فيه الركب وما دام الشعر "ديوان العرب" فلابد أن يكون هذا الديوان مناسبا للسياق. الكتابة الشعرية بالنسبة لي هي حفر ديالكتيك نفسيتي، فيها أحاول المسك باللحظة الجمالية والفنية، اختياري لهذا النمط هو نوع من المشاكسة الأنثوية التي لا ترغب الدوران في فلك الآخرين، بل اخلق حركة استيطيقية من خلال تفاعل ذاتي مع الوجود لأجد متعتي في الحلم الشعري الذي لا يتلاشى عبر الاشتغال الخلاق والتوليد الجمالي للصور حتى لو كانت مباشرة. 4- ما هي موضوعاتك المنتقاة في قصائدك؟ ج.4. قد يلاحظ المتصفح لديواني أنني اهتم بالجانب الثوري في قصائدي فأنا أفضل الكتابة عن العروبة، فلسطين الحراك الشعبي في الدول العربية والموت ولا يمكنني أن أقول أنني انتقي هاته التيمات وإنما هي التي تفرض نفسها علي فرضا، حيث أجد نفسي منساقة للكتابة عنها، ولاشك أن أي شاعر عربي لا يمكنه أن يكتب شعرا دون أن تجود قريحته بقصيدة عن فلسطين أو العراق. الدم العربي المراق عاد رخيصا، من ثمة آآسف بالفعل لا يحدث في كل بقع التوتر في العالم العربي ولا أجد سلاحا سوى قلمي الذي ينصاع لمشاعري، فأفرغ حزني وتأثري على صفحات أوراقي رغبة في الوصول إلى معنى للحياة والذي لا يتحقق إلا بالغوص في بحر الأحلام، فبين إنسيابية الماء وصفاء الحلم أحاول القبض على لحظات جمالية تؤرخ لكتابة تبحث عن هوية. 5- أن تكتب شاعرة وتصدر ديوان في منطقة يشح فيها الإبداع النسوي ألا يسبب لك بعض الإحراج؟ ج.5- ركوب قوارب الشعر محفوفة بالكثير من المخاطر، لكني آمل أن أصل شط النجاة بأمان. فأنا لم أكتب شيئا مخجلا ولا محرما، وإنما طرقت بابا كان موصدا على حواء في منطقتي. هناك إبداع نسوي، لكن ربما في أجناس أخرى، وحتى التي صدرت تكون لأدبيات لا يعشن بالمنطقة، وبالعكس أفخر بتجربتي هاته وآمل أن يتذوقها القارئ المحلي بالخصوص، ويتجاوب معها، وكلي صدر رحب لكل نقد بناء وهادف يساهم في إثراء تجربتي. 6- هل للشاعرة اهتمامات في كتابة أجناس أدبية أخرى؟ ج.6- في الحقيقة، وفي بداية مسيرتي كنت مهتمة بكتابة القصص القصيرة لأنني كنت شغوفة بقراءة القصص والروايات، ولي فيها بعض المساهمات المتواضعة إلا أنني لم أقم بنشرها لأنها بحاجة إلى تنقيح وقد كتبتها في مرحلة لم أكن فيها مستوعبة لأصول الكتابة القصصية. لذلك احتفظت بها لنفسي، رغم أن الحنين يشدني دائما إلى الكتابة في هذا الجنس الأدبي وآمل أن أجد الوقت لإرضاء هاته الرغبة الملحة. 7- كيف تنظرين إلى التجارب الشعرية بجهتنا ومنطقة تافيلالت؟ ج.7- منطقتنا غنية ولله الحمد بزخم من الشعراء الجادين سواء على مستوى كتابة الملحون أو على مستوى الشعر العربي أو الأمازيغي، فهناك الأستاذ لحسن عايي الذي يشرف المنطقة بإنتاجاته العذبة والذي فاجأنا بديوانه الجميل"كوكب الربيع" وهناك الأستاذ عمر الطاووس وهو شاعر أمازيغي مثل المنطقة في ملتقيات محلية ودولية وقد عرفته عن قرب وعاينت إنتاجه الغزير ومن قصائده المفضلة لدي (اوت اوت ايا انزار) أسقط أسقط يا مطر. وهناك العديد من شعراء الزجل بالمنطقة، وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة حبلى بالكثير من الطلبة والتلاميذ والذين يملكون أقلاما ذهبية في كتابة الشعر إلا أنهم بحاجة إلى التشجيع والاحتضان من اجل الرقي بالذوق الشعري على مستوى منطقتنا. وأكيد أن البيئة الني نعيش فيها لها اليد الفضلى في إبداعاتنا. 8- "أرخبيل الأحلام" عنوان ديوانك الأول ممكن أن تقربيه أكثر للقراء؟ وما هي الموضوعات التي نالت من اهتمامك؟ ج.8- "ارخبيل الأحلام" اسم على مسمى يضم بين ثناياه أحلاما والتي تمنيت أن أحققها بواقعي إلا أن سلطان الكلمة حقق ذلك بعد أن أخفقت في الواقع. ومعلوم أن الأدب والحلم مرتبطان، فالنص كثيرا ما يبدو لغة لوصف (لغة) اللاشعور كما يؤكد سيغموند فرويد، وأحلام اليقظة هاته التي يضمها الديوان هي مكابدة لتحولات عشتها فأسقطت فيها استيهاماتي محاولة أن أخلق واقعا يليق بي ويحتضن آلامي وآمالي. فسبرت أغوار المعاني فجاء ديواني كما شعرت به، لم أنقحه بل جل القصائد كتبتها كما جادت بها قريحتي ولم أغير شيئا منها وفق ضوابط ما. حتى الموضوعات الأخيرة والتي ارتبطت بالحراك الشعبي في تونس ومصر، كتبتها مثلما تفاعلت مع تلك الثورات، فهناك قصائد مؤيدة وقصائد معارضة، وقد يعتقد البعض أن هناك تناقض في المواضيع إلا أنني كنت متضامنة مع كل ثائر يبحث عن العيش بكرامة كما كنت رافضة للتخريب وأعمال اللصوصية وكل من يمتطي صهوة الثورات من اجل تحقيق مآربه الشخصية أو نيل شهرة ما. 9- كيف ترين مسألة تسويق الكتب وعلاقتها بإقبال المهتمين وعزوف القراء؟ ج.9- والله إن مسألة التسويق هي آخر شيء يخطر ببالي، لأن المهم بالنسبة لي في الفترة الآنية هو أن أنشر أفكاري وأحاسيسي اتجاه مواضيع معينة، أعلم بمدى العزوف عن الكتاب خصوصا في وقت غزت فيه المعلومة الالكترونية كل بيت، فهجر الناس الكتب واستعاضوا بالانترنيت عنها، إلا أنني مؤمنة بأن هناك أشخاص مثلي لازالوا يؤمنون بالثقافة الورقية، وبأن الكتاب هو الوسيلة الوحيدة التي ترسخ المعلومات بالذهن، وآمل أن يتفاعل الجمهور معه والله المستعان. 10- ما هي مشروعاتك المستقبلية في مجال الكتابة؟ ج.10- سيصدر لي قريبا إنشاء الله دراسة حول "أدب السجون" فالكتاب قيد الطبع. ورغم كونه دراسة إلا أنه يكمل الجانب الإبداعي لذي، بحيث يعبر عن المعاناة التي يعانيها السجين في الدول العربية وذلك من خلال الرواية كوسيط ينقل ذلك لجماهير القراء، ثم لدي بعض المسودات في مجال القصة القصيرة كما ذكرت، لكن احتاج إلى الوقت لتنقيحها وربما قد ترى النور – إن كتب لها - في النهاية أود أن أتقدم بالشكر إلى محاوري الأخ ع - لحسن على رحابة صدره والذي أعادني إلى مرافئ ذكرى جميلة وأحيا في الحنين إلى مواضيع عذبة، كما أتقدم بالشكر إلى موقع قصر السوق على استضافته لي. ولا تفوتني الفرصة في تقديم امتناني للأستاذين لحسن عايي واحمد الطايع على دعمها المتواصل لي ولكل من قدم لي يد العون من أجل أن يرى ديواني النور. تشكراتي لكل المشرفين على هذا الموقع الرائع، وتحياتي لرواده الأعزاء. وأشد على أياديكم وفقكم الله لما فيه خير المنطقة ودمتم في رعاية المولى.