ما وقع بالدورة العادية لبلدية تنجداد يوم 28 اكتوبر 2010 , من تصويت للمعارضة ضد ميزانية 2011 , يدعونا للتساؤل حول الخلفية القانونية و السياسية و التنموية لذلك التصويت السلبي , خصوصا اذا علمنا ان التصويت السلبي يكون منطقيا من طرف المعارضة لانها اقلية عددية داخل المجلس, اما ان تتوفر المعارضة على اغلبية عددية و تصوت ضد الميزانية بدل ان تصوت لفائدة التعديلات التي اقترحتها فهذا امر يدعو الى الاستغراب ؟ اهمية هذا التساؤل يتجلى كذلك في كون دورة اكتوبر هي دورة الميزانية السنوية للجماعة . و هي الوثيقة التي تبين السياسة التنموية للجماعة على طول السنة . وما يميز ميزانية 2011 انها تصادف دخول المخطط الجماعي للتنمية حيز التنفيذ مما يعنيه ذلك من تحيين للبرمجة المتعددة السنوات. وتتضمن ايضا نفقات الموظفين الذين سيحذفون من السلاليم 1 الى 4 تطبيقا للمرسوم رقم 10.2.062 المتعلق بسن تدابير استثنائية للترقية في الدرجة لفائدة الموظفين المنتمين الى الدرجات المرتبة في سلالم الاجور من 1 الى 4 و كذا نفقات الموظفين الذين ترقوا عن طريق امتحانات الكفاءة المهنية او الاقدمية . المشرع وعيا منه باهمية دورة الميزانية باعتبارها , ام الدورات في البرمجة السنوية , لم يترك امرها بيد المجالس , التي تخضع لحرب المواقع السياسية و لو ضد المصلحة العامة, بل وضع بدائل تمكن من السير العادي للجماعة في حالة رفض الميزانية . في هذا السياق حدد القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها في بابه الثالث شروط وضع الميزانية و التصويت عليها و عرضها على المصادقة. حيث نصت المادة 19 منه على انه في حالة عدم التصويت على الميزانية في التاريخ المحدد في المادة 16 , اي 15 نونبر كحد اقصى , يدعى المجلس للاجتماع داخل اجل 15 يوما ابتداء من تاريخ الاجتماع الذي تم خلاله رفض الميزانية . و يدرس المجلس جميع الاقتراحات المتعلقة بتعديل الميزانية التي من شأنها تفادي اسباب رفضها .و يتعين على الامر بالصرف ان يوجه الى سلطة الوصاية في تاريخ اقصاه 15 دجنبر الميزانية المعتمدة و الا الميزانية غير المعتمدة مرفوقة بمحاضر مداولات المجلس. كما ان المادة 20 من نفس القانون تنص على انه بعد دراسة الميزانية غير المعتمدة و اسباب الرفض و مقترحات التعديلات المقدمة من لدن المجلس و كذا الاجوبة بشأنها المقدمة من لدن الرئيس , تقوم سلطة الوصاية بوضع ميزانية للتسيير على اساس اخر ميزانية مصادق عليها مع مراعاة تطور تحملات و موارد الجماعة المحلية و مجموعاتها . كما ان المادة 21 تنص على انه اذا لم يتم عرض الميزانية على المصادقة في الاجال المحددة , يمكن لسلطة الوصاية , بعد طلب استفسارات من الامر بالصرف , ان تقوم قبل فاتح يناير بوضع ميزانية تسيير الجماعة على اساس اخر ميزانية مصادق عليها مع مراعاة تطور تحملات و موارد الجماعة . و اذا كان من حق سلطة الوصاية وضع ميزانية للتسيير , فان الاشكال يتعلق ببرمجة الفائض التقديري للسنة الجارية خصوصا اذا كانت البلدية تتوفر على مخطط جماعي للتنمية الذي سيدخل حيز التنفيذ في سنة 2011 و كذا وضع بيان عن البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات . و ما دام ان المعارضة ببلدية تنجداد تتوفر على اغلبية عددية مكنتها من التصويت السلبي على الميزانية, فان ذلك يعني انه كان بمقدورها ان تتقدم بتعديلات على فصول الميزانية و تصوت عليها بالاغلبية و بذلك يكون الرئيس و اقليته ملزمون بقوة القانون بتنفيذ الميزانية التي عدلتها المعارضة الاغلبية خصوصا و انها تتوفر على الوقت الكافي لذلك حيث ان المادة 58 من الميثاق الجماعي تجعل الدورة مفتوحة لمدة 15 يوما متتالية من ايام العمل . و حتى لا تتحول الميزانية الى اداة لحرب المواقع السياسية , فانه كان على المعارضة الا تحول دورة الميزانية الى دورة للحساب الاداري خصوصا ان الاسباب المعتمدة في رفض التصويت الايجابي على الميزانية , ترتبط بجلسة المحاسبة السنوية للرئيس على طريقة تسييره الاداري للبلدية و لا علاقة لها بفصول الميزانية التي كانت المعارضة تتوفر على العدد الكافي من الاصوات لتمرير تعديلاتها على الميزانية. و الدليل على الخلفية السياسية للتصويت السلبي ملتمس احاطة المجلس علما الذي تقدمت به المستشارتان , و كاننا في مجلس المستشارين الذي تنظم مادته 128 مسطرة احاطة المجلس علما , رغم انها نقطة غير مدرجة بجدول الاعمال و يحق للرئيس او السلطة الادارية المحلية التي حضرت الدورة الاعتراض على مناقشة تلك النقطة . و ما دام ان سلطة الوصاية في حالة استمرار رفض الميزانية في القراءة الثانية ستقوم باعتماد ميزانية 2010 فانه كان على المعارضة ان تأجل محاسبتها للرئيس و اقليته الى دورة فبراير حيث ان التصويت السلبي على الحساب الاداري تسري عليه مقتضيات المادة 71 من الميثاق الجماعي و يحال مباشرة على المجلس الجهوي للحسابات . و في حالة استمرارحرب المواقع السياسية ببلدية تنجداد, فان ذلك يعتبر تهديدا حقيقيا لمصالح الجماعة, الشيء الذي يمكن ان يكون مبررا لتدخل وزارة الداخلية لتطبيق مقتضيات المادة 25 التي تنص على انه اذا كانت مصالح الجماعة مهددة لاسباب تمس بحسن سير المجلس الجماعي ,جاز حل المجلس بمرسوم معلل ينشر بالجريدة الرسمية , و في حالة الاستعجال يمكن توقيف المجلس بقرار معلل يصدره وزير الداخلية و ينشر بالجريدة الرسمية , و لا يمكن ان تتجاوز مدة التوقيف ثلاثة اشهر. ان مسلسل التنمية ببلدية تنجداد يعيش مأزقا حقيقيا نتيجة صعوبة حل المعادلة التي يعيشها المجلس المتكون من مكتب مسير بدون اغلبية و معارضة تتوفر على اغلبية عددية تفكر بمنطق سياسوي و عاجزة في نفس الوقت عن اسقاط الرئيس لان ولايته تمتد ست سنوات , حيث ان المادة 6 من الميثاق تنص على ان اعضاء المكتب ينتخبون لمدة انتداب المجلس الجماعي . و بذلك فان مصالح ساكنة تنجداد ستبقى رهينة صراع ملوك الطوائف السياسية المستعدون للتضحية بالمصلحة العامة من اجل اشباع نزواتهم السياسية التي تنتمي الى زمن اجمع المغاربة على طي صفحته . و بالتالي فانه في زمن التاسيس لسياسة الحكامة الجيدة , التدبير التشاركي للمجال , ادارة القرب من المواطنين , التداول على السلطة و دخول المخطط الجماعي للتنمية حيز التنفيذ ليس من المستساغ سياسيا استغلال المؤسسات للاساءة الى الديمقراطية لان ذلك يعتبر اساءة للوطن و للمواطنين. و لذلك فان على كل الاحزاب السياسية بتنجداد ان تتحمل مسؤوليتها التاريخية و الدستورية و الوطنية للخروج من هذا المأزق التنموي , وكفى من الانانية السياسية و ارحموا ساكنة تنجداد من هاته الحروب القزمية و لا تجعلوا من الديمقراطية ميدانا صوريا لحرب المواقع السياسية . ان ما تعيشه بلدية تنجداد من مشاكل على مستوى التسيير تتقاسمه معها مجموعة اخرى من المجالس , تعيش ركودا على مستوى القوة الاقتراحية للمشاريع , و عجزا في تنفيذ المشاريع المبرمجة , و تلكئا للرؤساء في تنفيذ مقررات المجالس , و تدخلا مباشرا للاجهزة المساعدة في اختصاصات المكتب , و عدم تفعيل دور اللجان التي يستفيد بعض اعضائها دون وجه حق من هواتف محمولة على حساب الجماعة و كأن لهم الحق في التسيير اليومي لشؤون الجماعة . بالاضافة الى ذلك فان بعض المجالس لم تأسس بعد لجنة المساواة و تكافؤ الفرص و حتى ان تم تا سيسها تبقى دون فعالية تذكر,ناهيك عن وجود لجان محلية للتنمية البشرية لم تعقد اجتماعاتها العادية خلال هاته السنة بل ان منها من أغلق مكتب فريق التنشيط و حوله الى مسجد للصلاة . انها ضريبة الديمقراطية في مجتمع تطغى عليه الامية السياسية و لا تقوم فيه الاحزاب السياسية بادوارها الدستورية في تاطير منتخبيها و تزكي من هب ودب لتسيير الشأن العام دون ان ننسى النتائج العكسية المتجلية في عدم استقرارالمجالس التي سببها حرمان المشرع للمجالس من حقها في اقالة الرؤساء و تحويل الجماعات الى نظام رئاسي مطلق . و في الختام نؤكد على حقيقة جوهرية و هي ان الانتماء الى الاغلبية المسيرة لا يعني دائما التصفيق لسياسة الرئيس , كما ان الانتماء الى المعارضة ليس معناه السير دائما في الاتجاه المعاكس للرئيس , و هذه هي المعادلة الصعبة التي لا يمكن للتنمية ان تنجح بدونها .