المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجلس البلدي للدريوش في قفص الاتهام
نشر في أريفينو يوم 19 - 05 - 2010


توطئة:
حينما ابتكر العقل البشري الديمقراطية نظاما للحكم، والتدبير المحلي لشؤون المواطنين أسلوبا من أساليب تنزيل ذلك النظام على أرض الواقع، فقد كان يتوخى من وراء ذلك – ولا شك – تيسير السبل لإرساء الحكامة الجيدة والتدبير السليم لشؤون الناس بما يكفل تجويد ظروف عيشهم وتوفير الشروط الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية.
غير أن تجربة الجماعات المحلية التي نهجها المغرب في العقود الماضية فشلت في الوفاء بالالتزامات التي نشأت من أجلها، ولم تفلح سوى في تحقيق إنجازات جزئية، بالنظر إلى حجم الاختلالات الهيكلية التي تعرفها الحواضر والبوادي على مستوى تدبير المجال. وهي اختلالات اتخذت صورا متعددة من قبيل استفحال التفاوتات المجالية وضعف البنيات التحتية، وتلوث البيئة، وشيوع السكن العشوائي وغير اللائق، ناهيك عن غياب تصورات ومخططات تنموية بعيدة أو متوسطة المدى، وغيرها من الظواهر المشينة التي خلفت تراكمات كثيرة يصعب تداركها في وقت وجيز.
ولا شك أن إخفاق التجربة الوطنية في مجال الديمقراطية المحلية تفسره عوامل متعددة ومتشابكة قانونية واقتصادية وسوسيوثقافية، بيد أنه بأي حال من الأحوال لا أحد ينكر أن العامل البشري يقع في صلب تلك العوامل. فمهما كانت النواقص والثقوب التي تعتري الإطار القانوني المنظم لتدخل الفاعلين المحليين في تحقيق التنمية المحلية، والمحدد لمجال تدخلاتهم واختصاصاتهم، فإنها لا يمكن أن تكون مشجبا تعلق عليه النخب المحلية فشلها في تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع المحلي. وفي تقديري، يرجع ذلك إلى عاملين أساسيين: يتعلق الأول بإفراز النظام السياسي المغربي الهش والملتبس لنخب ضعيفة مجردة من قدرات القيادة ومقومات التسيير السليم، وغير قادرة على إنتاج الأفكار واتخاذ المبادرات الشجاعة والحاسمة. أما العامل الثاني فيتمثل في فساد تلك النخب وتحولها إلى لوبيات تسخر سلطة القرار المحلي لتحقيق مصالح ضيقة ذات طابع شخصي أو قبلي أو فئوي.
وقد شاء قدر سكان بلدية الدريوش، بل شاء سلوكهم الانتخابي أن يجعل مصير هذه المدينة أو القرية الكبيرة، سمها ما شئت، في أيدي “نخبة” محلية جمعت بين “الحسنيين”.وهذا ما يعني أن المسؤولية مشتركة يقتسمها منتخبون غير مؤهلين وناخبون غير ناضجين يتصرفون خلاف ما يقتضيه موقعهم الاجتماعي ومصالحهم العميقة.
وكي لا يكون هذا الكلام من باب التحليل النظري المجرد، فإنني سأوضح بعض جوانبه بالملموس من خلال إنجاز قراءة عميقة لسير أشغال الدورة العادية لشهر أبريل الأخير الخاصة بالمجلس البلدي للدريوش، وما تمخضت عنه من قرارات مصيرية  تهم جوانب هامة من حياة المواطن في ما يستقبل من الأيام، مع تسليط الأضواء عليها لمحاولة فهمها من خلال إنجاز قراءة موازية لسير أشغال دورة أبريل الخاصة بمجلس جماعة امطالسة.
وهذه القراءة المزدوجة والمتزامنة تبقى ضرورية على اعتبار أن المدينة وأحوازها تعرف وضعا انتقاليا بعد التقسيم الجماعي الأخير، وما تلاه من مستجدات بعد اختيار مدينة الدريوش لتكون عاصمة للإقليم الجديد المحدث بالريف الشرقي ( وليس الريف الأوسط  كما قرأنا في بعض الكتابات المنشورة بهذا المنبر وغيره، فالريف الأوسط يطلق على القبائل التابعة حاليا لإقليم الحسيمة ( لمزيد من التوضيحات يمكن مراجعة العددين 1و2 من مجلة حوليات الريف)
عقد المجلس البلدي للدريوش دورته العادية لشهر أبريل يوم الجمعة 23/04/2010 برئاسة السيد رئيس المجلس وحضور 13 عضوا من أعضائه الخمسة عشر،علاوة على ممثل السلطة المحلية ورئيس المكتب التقني بالبلدية وممثلي بعض المصالح المعنية بالنقط المدرجة في جدول الأعمال الذي كان على الشكل الآتي.
1- الموافقة على إحداث مجموعة الجماعات المحلية “التضامن والبيئة” من أجل خلق مطرح مشترك لتدبير النفايات بين ثلاث جماعات حضرية وخمس جماعات قروية بإقليم الدريوش.
2- الموافقة على توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش بإضافة 200 هكتار من الأراضي الواقعة غربا، كما اقترح الرئيس، مع رفض ملتمسات بتوسيع المجال شرقا.
3- توجيه طلب إلى الجهات المختصة بتحيين تصميم التهيئة لمدينة الدريوش وتوسيعه، تماشيا مع المستجدات والمتغيرات المشار إليها.
4- تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى “سكريتا” والواقع بنفوذ جماعة امطالسة.
5- الموافقة على تفويت قطاع الإنارة العمومية إلى المكتب الوطني للكهرباء.
6- تحويل مبلغ 307.800,00 من الفصل 33/30 .21/30.20 المتعلق بالمسالك والممرات الجماعية المرصودة بالجزء الثاني لإصلاح طريق بني وكيل لفائدة ميزانية جماعة امطالسة.
وقد تمت المصادقة على كل النقط بالإجماع في ظرف قياسي لا يتجاوز ساعتين، وفي غياب نقاش حقيقي وجدي يتناسب وأهمية بعض تلك النقط ذات الأهمية البالغة على مستقبل المدينة، نظير توسيع المجال الحضري وتحويل موقع السوق الأسبوعي وتفويت الإنارة العمومية للمكتب الوطني للكهرباء إلخ… وهذا يبقى منطقيا ومفهوما بالنظر إلى أن الأمور قد حسمت يوم الانتخابات حينما تم قطع الطريق على كل الأصوات المتعلمة والنزيهة التي كان من شأنها أن تسبب إزعاجا حقيقيا للمجلس العائلي البلدي،الذي نجح في تهريب المجلس، بتوظيف شتى الوسائل بدءا من المال الحرام ومرورا باستغلال انحياز السلطة( خاصة أعوان السلطة) وانتهاء بأساليب الترهيب والترغيب. أما انتخاب بعض الأعضاء ضمن مكتب المجلس من خارج العائلة الحاكمة فهو من باب ذر الرماد في العيون، لتقديم صورة مزيفة إلى المسؤولين والرأي العام عن المجلس باعتباره مجلسا يضم جميع الأطياف.
ولعل من العلامات التي تبين انفراد الرئيس ومن معه باتخاذ القرارات وطبخها تهميش اللجان وعدم عرض النقط المدرجة في جدول الأعمال عليها لمناقشتها قبل عرضها على الجلسة العامة طبقا للمادة 14 من الميثاق الجماعي. كما لا يحتاج المتتبع إلى كثير من الذكاء ليكتشف أن بعض أعضاء المكتب أنفسهم لا يتم إشراكهم حتى في صياغة جدول الأعمال،حينما يرى تدخلاتهم تصب في اتجاه مناقض لمقترح الرئيس. ومن الشواهد على سوريالية مجلسنا الموقر كذلك أن تصويت المنتخبين يكون دائما بالموافقة وبالإجماع، حتى وإن كانت الآراء التي يعبر عنها بعضهم  في مداخلاتهم المحتشمة والنادرة عكس اتجاه الرياح. وأحب في هذه الورقة أن أقف عند نقطتين اثنتين بالنظر إلى ردود الفعل السلبية التي نتجت عنهما، والاستياء العميق الذي خلفتاه في نفوس فئات عريضة من المواطنين، وإن كانت الجرأة تخونهم للتعبير عن ذلك الاستياء بأشكال ملموسة.
1.    توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش: الحقيقة الغائبة:
فرضت المستجدات المتعلقة  بإحداث عمالة الدريوش توسيع المجال الحضري التابع لبلدية الدريوش،قصد توفير الوعاء العقاري الضروري لاستيعاب مختلف المصالح الخارجية، وكذلك النمو السكاني المتوقع نتيجة لذلك. بيد أن اقتصار عملية التوسيع على الجهة الغربية من المدينة فقط (في اتجاه الحسيمة) ورفض اقتراحات بأن يشمل أيضا المنطقة الجنوبية (باتجاه الناظور) يطرح أكثر من علامة استفهام، ويدفع إلى التساؤل عن الأسباب الخفية التي تقف وراء ذلك، خصوصا وأن المبررات التي قدمها الرئيس تبدو غير مقنعة. فقد تحدث في هذا السياق أن هذا القرار تحكمت فيه مسوغات تتعلق بالوضعية القانونية للأراضي المشمولة بالتوسيع (أراضي محفظة) وطبيعتها الجغرافية (أراضي منبسطة) ومن ثم فهي لا يمكن أن تكلف كثيرا على مستوى تجهيزها وإعدادها للتعمير خلافا للأراضي الواقعة جنوبا المتسمة ببعض الارتفاع.
لكن هذه التفسيرات تبدو غير مقنعة لأسباب كثيرة: فالوضعية العقارية لم تكن أبدا عائقا أمام التعمير والدليل هو أن المساحة الأكبر من مدينة الدريوش غير محفظة (وهذا موضوع يطول الحديث عنه في كل المنطقة الخليفية التي كانت خاضعة للحماية الاسبانية)، ثم متى كانت المناطق غير المنبسطة غير مؤهلة للتعمير؟؟؟ والأمثلة على ذلك كثيرة فمدن الشمال المغربي كلها تقريبا تقع في مناطق مرتفعة (الحسيمة،تطاوين، طنجة…)، وهناك أيضا مدن عالمية مشهورة شيدت على مناطق أكثر ارتفاعا مثل مدينتي مارسيليا وروما التي تتربع على سبع هضاب،ولم يقل أحد بأنها تشكل عائقا أمام تجهيزها.
وإذا تحدثنا بمعايير التعمير وقوانينه فالمناطق المعنية بالتوسيع غير مؤهلة للتعمير من زاويتين:أولا لكونها مناطق منبسطة  فيضية مهددة بالفيضانات، وثانيا لكونها عبارة عن ضيعات فلاحية مسقية بفرشة مائية قريبة (على عمق حوالي 30متر) وتعد سلة غذاء حقيقية للمنطقة بما تتوفر عليه من أشجار مثمرة ومساحات تزرع بالخضراوات والفواكه والأعلاف.وهذا ما أكد عليه ممثل الوكالة الحضرية لإقليمي الناظور والدريوش حين نبه المجلس إلى ضرورة موافقة وزارتي الفلاحة والتجهيز وكذلك وكالة حوض ملوية، لكن الرئيس صم أذانه عن ذلك حينما زعم أن تلك الأراضي غير مسقية لأنها لا تتوفر على تجهيزات هيدروفلاحية، وكأنه يتعمد صرف الأنظار عن السقي ذي المصادر الجوفية لتسريع المسألة. لذلك على الجهات المذكورة أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن لتطبيق القوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد والتي تحرم البناء في المناطق الفلاحية.
كل هذه المعطيات تكشف أن الدوافع الحقيقية التي جعلت المجموعة المتحكمة في المجلس تتخذ هذا القرار لها امتدادات قبلية ومصلحية ، فهي تشكل إقصاء للمناطق التابعة لمشيخة أولاد سالم،بسبب الصراعات القبلية الدفينة، على اعتبار أن هذا القرار يعني تجميد التعمير في المناطق الجنوبية حتى سنة 2014 تاريخ انجاز تصميم التهيئة الجديد. وفي مقابل ذلك يتيح الفرصة لمناطق مشيخة أولاد حمو لتستفيد خاصة على مستوى تثمين الوعاء العقاري، خاصة وأن هذه المناطق استفادت من التحفيظ العقاري مجانا بقرار اتخذه المجلس القروي السابق الذي يعد هذا المجلس البلدي امتدادا له.
وقد بدأت آثار هذا القرار تظهر سريعا حيث قفز سعر العقار في هذه المناطق وكذا المناطق المجاورة لها بشكل صاروخي. وتتحدث بعض “ألسنة السوء” أن سبب الحماسة التي انتابت المجلس لطبخ هذا القرار المهم هو إصرار أعضاء نافذين فيه على الاستفادة من الوضع على اعتبار أنهم يملكون مساحات عقارية مهمة في هذه المنطقة. ومن ثم فهم يودون اغتنام الفرصة و”ضرب الحديد ما حدو سخون” من باب “الساقي يسقي راسو” و”الصدقة في المقربين أولى”.
2.    تحويل السوق الأسبوعي وفضيحة الجهل بالقانون:
يكشف إدراج هذه النقطة بالصيغة التي وضعت بها في جدول الأعمال:   “الموافقة على  تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى سكريتا”  جهلا فضيعا بالقانون، فقد مرت مرور الكرام وصوت عليها المجلس بالإجماع- طبعا- ولم تتدخل سلطة الوصاية لتنبيه المجلس وإعادة الأمور إلى نصابها دون أن ينتبه أحد إلى عيب التطاول على اختصاص الغير الذي يشوبها .فإذا كان المجلس يريد أن يغير موقع السوق داخل دائرة نفوذه إلى مكان آخر فذلك من حقه ولاشك، ولكن ما دام المجلس يريد تفويت السوق إلى اختصاص جماعة امطالسة فليس من حقه قطعا أن يحدد الموقع في (ضيعة سكريتا) أو غيرها من الأماكن، لأن ذلك يعتبر تطاولا على اختصاص جماعة أخرى. مما يجعل المصادقة على هذه النقطة باطلا من الناحية القانونية لأنه مشوب بعيب عدم الاختصاص، ومن ثم يلزم سلطة الوصاية بإلغاء العمل بها وإرجاعها إلى المجلس للتداول فيها من جديد طبقا للقانون.
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظة الشكلية الصرفة وركزنا على القرار في جوهره، سيتضح لنا أن القرار من حيث المبدأ (تحويل السوق بعيدا عن وسط المدينة) يبقى وجيها، ولكن التبريرات التي قدمت حول أسباب التحويل(عدم القدرة على مواجهة مخلفات السوق على مستوى النظافة) تبقى غير مقبولة لكونها تعبر عن عجز المجلس على التسيير وتملصه من أداء واجباته، فربط الرغبة في تحويل السوق بما يسببه من تلوث يوحي وكأن المدينة ليس فيها من مصادر التلوث سوى السوق الأسبوعي، مع أن الواقع يِؤكد أن المدينة تعرف كل أشكال التلوث، وهذا منطقي للغاية بحكم إهمال المجلس وعجزه ،وخير دليل على ذلك أن المدينة لا تتوفر ولو على صندوق واحد لجمع القمامة  .
وقد كان موضوع اختيار الموقع الجديد للسوق الأسبوعي في البداية يبدو بريئا ، بيد أن مناقشة النقطة ذاتها في  دورة ماي الخاصة بمجلس جماعة امطالسة كشف المستور وبين أن وراء الأكمة ما وراءها. فقد عرفت مناقشة هذه النقطة جدلا واسعا حيث انقسم الأعضاء بين مؤيد للموقع الذي وقع عليه الاختيار ومعارض له،وهنا مرة أخرى طفت الخلافات القبلية( أولاد حمو،أولاد سالم) على السطح مما حدا بالرئيس إلى اقتراح تأجيل البث فيها.
وقد تساءل بعض الأعضاء بقوة عن السر الذي جعل المجلسين معا (البلدي والقروي) يتغاضيان عن اقتراح ضيعة غارسيا لاحتضان الموقع الجديد للسوق، وهي في موقع أقرب ، على اعتبار أنها تعتبر بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-73-213 الصادر في 26محرم 1393 الموافق ل 2مارس 1973 والصادر في الجريدة عدد 3203 بتاريخ 25صفر1394 الموافق ل 20 /03/1974 من الأراضي المسترجعة التي تنتقل ملكيتها للدولة. وقد أبدوا عدم اقتناعهم بالدفوعات التي تقدم بها الرئيس وكذلك ممثل سلطة الوصاية. فإذا كان نزع ملكية ضيعة غارسيا سيستغرق مدة طويلة على اعتبار أنها موضوع نزاع قضائي بين المتصرف فيها حاليا والمسمى أشلحي شعيب وإدارة الأملاك المخزنية، وجهات أخرى لا صلة لها بالموضوع ودخلت على الخط ربما طمعا في نصيب من الكعكة، فلماذا وقع الاختيار على مكان يسري عليه نفس الوضع القانوني أي ضيعة سكريتا؟ ثم لنفهم الأمر بشكل جيد أو بالأحرى لنستفسر عن الدوافع الحقيقية بشكل أوضح: لماذا تهرب رئيس المجلس البلدي من اقتراح أحد المستشارين إدراج ضيعة غارسيا ضمن المجال المشمول بتوسيع المجال الحضري المشار إليه سابقا حينما زعم أن المجلس البلدي يريد شراء هذه الضيعة؟ وهل امتلاك ضيعة غارسيا – على فرض شرائها -  يتيح للمجلس البلدي فرض سلطاته الإدارية عليها في ظل وجودها ضمن نفوذ جماعة أخرى؟ إن إجابة الرئيس تعني أحد أمرين: فهم إما يجهل القانون وإما يضحك على الذقون؟
إن الأمر- بلا ريب –  لا يتعلق بطلاسم سحرية يجب فكها، وإنما بأسرار وخبايا لا يعرفها سوى الراسخون في العقار والمتمكنون من أساليب الاغتناء في خمسة أيام بدون معلم ، مادام عامة الناس في “دار غفلون” ولا يبالون بالشأن العام وما يحاك ضد مستقبل أبنائهم، وكيف يتنبهون إلى ذلك وأغلبهم نائمون لا يستيقظون إلا مرة كل خمس سنين ليقبضوا الثمن المسموم ثم يعودون إلى النوم المعلوم. وهنا مرة أخرى تتحدث “بعض ألسنة السوء” عن طبخة تسوى لتنضج على نار هادئة وصفقة تحاك خيوطها بليل.
من شأن التوضيحات والملاحظات السابقة أن تكشف بدون شك أي نوع من المجالس المنتخبة تسير الشأن العام. فعلاوة على الجهل بالمقتضيات القانونية، ثمة حرص كبير على تحقيق المصالح الذاتية والفئوية الضيقة ،وعلى تفويت اختصاصات المجالس للمؤسسات والشركات في إطار التدبير المفوض ، ليكتفي السادة المستشارون المحترمون بالتوقيع على الوثائق الإدارية نظير شواهد العزوبة وعقود الازدياد والمصادقة على الإمضاءات…أما مصالح المواطنين فلتذهب إلى الجحيم، ولتتبخر مع تبخر الوعود الانتخابية. طفرناه بكري مع هاذ المنتخبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.