باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجلس البلدي للدريوش في قفص الاتهام
نشر في أريفينو يوم 19 - 05 - 2010


توطئة:
حينما ابتكر العقل البشري الديمقراطية نظاما للحكم، والتدبير المحلي لشؤون المواطنين أسلوبا من أساليب تنزيل ذلك النظام على أرض الواقع، فقد كان يتوخى من وراء ذلك – ولا شك – تيسير السبل لإرساء الحكامة الجيدة والتدبير السليم لشؤون الناس بما يكفل تجويد ظروف عيشهم وتوفير الشروط الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية.
غير أن تجربة الجماعات المحلية التي نهجها المغرب في العقود الماضية فشلت في الوفاء بالالتزامات التي نشأت من أجلها، ولم تفلح سوى في تحقيق إنجازات جزئية، بالنظر إلى حجم الاختلالات الهيكلية التي تعرفها الحواضر والبوادي على مستوى تدبير المجال. وهي اختلالات اتخذت صورا متعددة من قبيل استفحال التفاوتات المجالية وضعف البنيات التحتية، وتلوث البيئة، وشيوع السكن العشوائي وغير اللائق، ناهيك عن غياب تصورات ومخططات تنموية بعيدة أو متوسطة المدى، وغيرها من الظواهر المشينة التي خلفت تراكمات كثيرة يصعب تداركها في وقت وجيز.
ولا شك أن إخفاق التجربة الوطنية في مجال الديمقراطية المحلية تفسره عوامل متعددة ومتشابكة قانونية واقتصادية وسوسيوثقافية، بيد أنه بأي حال من الأحوال لا أحد ينكر أن العامل البشري يقع في صلب تلك العوامل. فمهما كانت النواقص والثقوب التي تعتري الإطار القانوني المنظم لتدخل الفاعلين المحليين في تحقيق التنمية المحلية، والمحدد لمجال تدخلاتهم واختصاصاتهم، فإنها لا يمكن أن تكون مشجبا تعلق عليه النخب المحلية فشلها في تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع المحلي. وفي تقديري، يرجع ذلك إلى عاملين أساسيين: يتعلق الأول بإفراز النظام السياسي المغربي الهش والملتبس لنخب ضعيفة مجردة من قدرات القيادة ومقومات التسيير السليم، وغير قادرة على إنتاج الأفكار واتخاذ المبادرات الشجاعة والحاسمة. أما العامل الثاني فيتمثل في فساد تلك النخب وتحولها إلى لوبيات تسخر سلطة القرار المحلي لتحقيق مصالح ضيقة ذات طابع شخصي أو قبلي أو فئوي.
وقد شاء قدر سكان بلدية الدريوش، بل شاء سلوكهم الانتخابي أن يجعل مصير هذه المدينة أو القرية الكبيرة، سمها ما شئت، في أيدي “نخبة” محلية جمعت بين “الحسنيين”.وهذا ما يعني أن المسؤولية مشتركة يقتسمها منتخبون غير مؤهلين وناخبون غير ناضجين يتصرفون خلاف ما يقتضيه موقعهم الاجتماعي ومصالحهم العميقة.
وكي لا يكون هذا الكلام من باب التحليل النظري المجرد، فإنني سأوضح بعض جوانبه بالملموس من خلال إنجاز قراءة عميقة لسير أشغال الدورة العادية لشهر أبريل الأخير الخاصة بالمجلس البلدي للدريوش، وما تمخضت عنه من قرارات مصيرية  تهم جوانب هامة من حياة المواطن في ما يستقبل من الأيام، مع تسليط الأضواء عليها لمحاولة فهمها من خلال إنجاز قراءة موازية لسير أشغال دورة أبريل الخاصة بمجلس جماعة امطالسة.
وهذه القراءة المزدوجة والمتزامنة تبقى ضرورية على اعتبار أن المدينة وأحوازها تعرف وضعا انتقاليا بعد التقسيم الجماعي الأخير، وما تلاه من مستجدات بعد اختيار مدينة الدريوش لتكون عاصمة للإقليم الجديد المحدث بالريف الشرقي ( وليس الريف الأوسط  كما قرأنا في بعض الكتابات المنشورة بهذا المنبر وغيره، فالريف الأوسط يطلق على القبائل التابعة حاليا لإقليم الحسيمة ( لمزيد من التوضيحات يمكن مراجعة العددين 1و2 من مجلة حوليات الريف)
عقد المجلس البلدي للدريوش دورته العادية لشهر أبريل يوم الجمعة 23/04/2010 برئاسة السيد رئيس المجلس وحضور 13 عضوا من أعضائه الخمسة عشر،علاوة على ممثل السلطة المحلية ورئيس المكتب التقني بالبلدية وممثلي بعض المصالح المعنية بالنقط المدرجة في جدول الأعمال الذي كان على الشكل الآتي.
1- الموافقة على إحداث مجموعة الجماعات المحلية “التضامن والبيئة” من أجل خلق مطرح مشترك لتدبير النفايات بين ثلاث جماعات حضرية وخمس جماعات قروية بإقليم الدريوش.
2- الموافقة على توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش بإضافة 200 هكتار من الأراضي الواقعة غربا، كما اقترح الرئيس، مع رفض ملتمسات بتوسيع المجال شرقا.
3- توجيه طلب إلى الجهات المختصة بتحيين تصميم التهيئة لمدينة الدريوش وتوسيعه، تماشيا مع المستجدات والمتغيرات المشار إليها.
4- تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى “سكريتا” والواقع بنفوذ جماعة امطالسة.
5- الموافقة على تفويت قطاع الإنارة العمومية إلى المكتب الوطني للكهرباء.
6- تحويل مبلغ 307.800,00 من الفصل 33/30 .21/30.20 المتعلق بالمسالك والممرات الجماعية المرصودة بالجزء الثاني لإصلاح طريق بني وكيل لفائدة ميزانية جماعة امطالسة.
وقد تمت المصادقة على كل النقط بالإجماع في ظرف قياسي لا يتجاوز ساعتين، وفي غياب نقاش حقيقي وجدي يتناسب وأهمية بعض تلك النقط ذات الأهمية البالغة على مستقبل المدينة، نظير توسيع المجال الحضري وتحويل موقع السوق الأسبوعي وتفويت الإنارة العمومية للمكتب الوطني للكهرباء إلخ… وهذا يبقى منطقيا ومفهوما بالنظر إلى أن الأمور قد حسمت يوم الانتخابات حينما تم قطع الطريق على كل الأصوات المتعلمة والنزيهة التي كان من شأنها أن تسبب إزعاجا حقيقيا للمجلس العائلي البلدي،الذي نجح في تهريب المجلس، بتوظيف شتى الوسائل بدءا من المال الحرام ومرورا باستغلال انحياز السلطة( خاصة أعوان السلطة) وانتهاء بأساليب الترهيب والترغيب. أما انتخاب بعض الأعضاء ضمن مكتب المجلس من خارج العائلة الحاكمة فهو من باب ذر الرماد في العيون، لتقديم صورة مزيفة إلى المسؤولين والرأي العام عن المجلس باعتباره مجلسا يضم جميع الأطياف.
ولعل من العلامات التي تبين انفراد الرئيس ومن معه باتخاذ القرارات وطبخها تهميش اللجان وعدم عرض النقط المدرجة في جدول الأعمال عليها لمناقشتها قبل عرضها على الجلسة العامة طبقا للمادة 14 من الميثاق الجماعي. كما لا يحتاج المتتبع إلى كثير من الذكاء ليكتشف أن بعض أعضاء المكتب أنفسهم لا يتم إشراكهم حتى في صياغة جدول الأعمال،حينما يرى تدخلاتهم تصب في اتجاه مناقض لمقترح الرئيس. ومن الشواهد على سوريالية مجلسنا الموقر كذلك أن تصويت المنتخبين يكون دائما بالموافقة وبالإجماع، حتى وإن كانت الآراء التي يعبر عنها بعضهم  في مداخلاتهم المحتشمة والنادرة عكس اتجاه الرياح. وأحب في هذه الورقة أن أقف عند نقطتين اثنتين بالنظر إلى ردود الفعل السلبية التي نتجت عنهما، والاستياء العميق الذي خلفتاه في نفوس فئات عريضة من المواطنين، وإن كانت الجرأة تخونهم للتعبير عن ذلك الاستياء بأشكال ملموسة.
1.    توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش: الحقيقة الغائبة:
فرضت المستجدات المتعلقة  بإحداث عمالة الدريوش توسيع المجال الحضري التابع لبلدية الدريوش،قصد توفير الوعاء العقاري الضروري لاستيعاب مختلف المصالح الخارجية، وكذلك النمو السكاني المتوقع نتيجة لذلك. بيد أن اقتصار عملية التوسيع على الجهة الغربية من المدينة فقط (في اتجاه الحسيمة) ورفض اقتراحات بأن يشمل أيضا المنطقة الجنوبية (باتجاه الناظور) يطرح أكثر من علامة استفهام، ويدفع إلى التساؤل عن الأسباب الخفية التي تقف وراء ذلك، خصوصا وأن المبررات التي قدمها الرئيس تبدو غير مقنعة. فقد تحدث في هذا السياق أن هذا القرار تحكمت فيه مسوغات تتعلق بالوضعية القانونية للأراضي المشمولة بالتوسيع (أراضي محفظة) وطبيعتها الجغرافية (أراضي منبسطة) ومن ثم فهي لا يمكن أن تكلف كثيرا على مستوى تجهيزها وإعدادها للتعمير خلافا للأراضي الواقعة جنوبا المتسمة ببعض الارتفاع.
لكن هذه التفسيرات تبدو غير مقنعة لأسباب كثيرة: فالوضعية العقارية لم تكن أبدا عائقا أمام التعمير والدليل هو أن المساحة الأكبر من مدينة الدريوش غير محفظة (وهذا موضوع يطول الحديث عنه في كل المنطقة الخليفية التي كانت خاضعة للحماية الاسبانية)، ثم متى كانت المناطق غير المنبسطة غير مؤهلة للتعمير؟؟؟ والأمثلة على ذلك كثيرة فمدن الشمال المغربي كلها تقريبا تقع في مناطق مرتفعة (الحسيمة،تطاوين، طنجة…)، وهناك أيضا مدن عالمية مشهورة شيدت على مناطق أكثر ارتفاعا مثل مدينتي مارسيليا وروما التي تتربع على سبع هضاب،ولم يقل أحد بأنها تشكل عائقا أمام تجهيزها.
وإذا تحدثنا بمعايير التعمير وقوانينه فالمناطق المعنية بالتوسيع غير مؤهلة للتعمير من زاويتين:أولا لكونها مناطق منبسطة  فيضية مهددة بالفيضانات، وثانيا لكونها عبارة عن ضيعات فلاحية مسقية بفرشة مائية قريبة (على عمق حوالي 30متر) وتعد سلة غذاء حقيقية للمنطقة بما تتوفر عليه من أشجار مثمرة ومساحات تزرع بالخضراوات والفواكه والأعلاف.وهذا ما أكد عليه ممثل الوكالة الحضرية لإقليمي الناظور والدريوش حين نبه المجلس إلى ضرورة موافقة وزارتي الفلاحة والتجهيز وكذلك وكالة حوض ملوية، لكن الرئيس صم أذانه عن ذلك حينما زعم أن تلك الأراضي غير مسقية لأنها لا تتوفر على تجهيزات هيدروفلاحية، وكأنه يتعمد صرف الأنظار عن السقي ذي المصادر الجوفية لتسريع المسألة. لذلك على الجهات المذكورة أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن لتطبيق القوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد والتي تحرم البناء في المناطق الفلاحية.
كل هذه المعطيات تكشف أن الدوافع الحقيقية التي جعلت المجموعة المتحكمة في المجلس تتخذ هذا القرار لها امتدادات قبلية ومصلحية ، فهي تشكل إقصاء للمناطق التابعة لمشيخة أولاد سالم،بسبب الصراعات القبلية الدفينة، على اعتبار أن هذا القرار يعني تجميد التعمير في المناطق الجنوبية حتى سنة 2014 تاريخ انجاز تصميم التهيئة الجديد. وفي مقابل ذلك يتيح الفرصة لمناطق مشيخة أولاد حمو لتستفيد خاصة على مستوى تثمين الوعاء العقاري، خاصة وأن هذه المناطق استفادت من التحفيظ العقاري مجانا بقرار اتخذه المجلس القروي السابق الذي يعد هذا المجلس البلدي امتدادا له.
وقد بدأت آثار هذا القرار تظهر سريعا حيث قفز سعر العقار في هذه المناطق وكذا المناطق المجاورة لها بشكل صاروخي. وتتحدث بعض “ألسنة السوء” أن سبب الحماسة التي انتابت المجلس لطبخ هذا القرار المهم هو إصرار أعضاء نافذين فيه على الاستفادة من الوضع على اعتبار أنهم يملكون مساحات عقارية مهمة في هذه المنطقة. ومن ثم فهم يودون اغتنام الفرصة و”ضرب الحديد ما حدو سخون” من باب “الساقي يسقي راسو” و”الصدقة في المقربين أولى”.
2.    تحويل السوق الأسبوعي وفضيحة الجهل بالقانون:
يكشف إدراج هذه النقطة بالصيغة التي وضعت بها في جدول الأعمال:   “الموافقة على  تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى سكريتا”  جهلا فضيعا بالقانون، فقد مرت مرور الكرام وصوت عليها المجلس بالإجماع- طبعا- ولم تتدخل سلطة الوصاية لتنبيه المجلس وإعادة الأمور إلى نصابها دون أن ينتبه أحد إلى عيب التطاول على اختصاص الغير الذي يشوبها .فإذا كان المجلس يريد أن يغير موقع السوق داخل دائرة نفوذه إلى مكان آخر فذلك من حقه ولاشك، ولكن ما دام المجلس يريد تفويت السوق إلى اختصاص جماعة امطالسة فليس من حقه قطعا أن يحدد الموقع في (ضيعة سكريتا) أو غيرها من الأماكن، لأن ذلك يعتبر تطاولا على اختصاص جماعة أخرى. مما يجعل المصادقة على هذه النقطة باطلا من الناحية القانونية لأنه مشوب بعيب عدم الاختصاص، ومن ثم يلزم سلطة الوصاية بإلغاء العمل بها وإرجاعها إلى المجلس للتداول فيها من جديد طبقا للقانون.
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظة الشكلية الصرفة وركزنا على القرار في جوهره، سيتضح لنا أن القرار من حيث المبدأ (تحويل السوق بعيدا عن وسط المدينة) يبقى وجيها، ولكن التبريرات التي قدمت حول أسباب التحويل(عدم القدرة على مواجهة مخلفات السوق على مستوى النظافة) تبقى غير مقبولة لكونها تعبر عن عجز المجلس على التسيير وتملصه من أداء واجباته، فربط الرغبة في تحويل السوق بما يسببه من تلوث يوحي وكأن المدينة ليس فيها من مصادر التلوث سوى السوق الأسبوعي، مع أن الواقع يِؤكد أن المدينة تعرف كل أشكال التلوث، وهذا منطقي للغاية بحكم إهمال المجلس وعجزه ،وخير دليل على ذلك أن المدينة لا تتوفر ولو على صندوق واحد لجمع القمامة  .
وقد كان موضوع اختيار الموقع الجديد للسوق الأسبوعي في البداية يبدو بريئا ، بيد أن مناقشة النقطة ذاتها في  دورة ماي الخاصة بمجلس جماعة امطالسة كشف المستور وبين أن وراء الأكمة ما وراءها. فقد عرفت مناقشة هذه النقطة جدلا واسعا حيث انقسم الأعضاء بين مؤيد للموقع الذي وقع عليه الاختيار ومعارض له،وهنا مرة أخرى طفت الخلافات القبلية( أولاد حمو،أولاد سالم) على السطح مما حدا بالرئيس إلى اقتراح تأجيل البث فيها.
وقد تساءل بعض الأعضاء بقوة عن السر الذي جعل المجلسين معا (البلدي والقروي) يتغاضيان عن اقتراح ضيعة غارسيا لاحتضان الموقع الجديد للسوق، وهي في موقع أقرب ، على اعتبار أنها تعتبر بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-73-213 الصادر في 26محرم 1393 الموافق ل 2مارس 1973 والصادر في الجريدة عدد 3203 بتاريخ 25صفر1394 الموافق ل 20 /03/1974 من الأراضي المسترجعة التي تنتقل ملكيتها للدولة. وقد أبدوا عدم اقتناعهم بالدفوعات التي تقدم بها الرئيس وكذلك ممثل سلطة الوصاية. فإذا كان نزع ملكية ضيعة غارسيا سيستغرق مدة طويلة على اعتبار أنها موضوع نزاع قضائي بين المتصرف فيها حاليا والمسمى أشلحي شعيب وإدارة الأملاك المخزنية، وجهات أخرى لا صلة لها بالموضوع ودخلت على الخط ربما طمعا في نصيب من الكعكة، فلماذا وقع الاختيار على مكان يسري عليه نفس الوضع القانوني أي ضيعة سكريتا؟ ثم لنفهم الأمر بشكل جيد أو بالأحرى لنستفسر عن الدوافع الحقيقية بشكل أوضح: لماذا تهرب رئيس المجلس البلدي من اقتراح أحد المستشارين إدراج ضيعة غارسيا ضمن المجال المشمول بتوسيع المجال الحضري المشار إليه سابقا حينما زعم أن المجلس البلدي يريد شراء هذه الضيعة؟ وهل امتلاك ضيعة غارسيا – على فرض شرائها -  يتيح للمجلس البلدي فرض سلطاته الإدارية عليها في ظل وجودها ضمن نفوذ جماعة أخرى؟ إن إجابة الرئيس تعني أحد أمرين: فهم إما يجهل القانون وإما يضحك على الذقون؟
إن الأمر- بلا ريب –  لا يتعلق بطلاسم سحرية يجب فكها، وإنما بأسرار وخبايا لا يعرفها سوى الراسخون في العقار والمتمكنون من أساليب الاغتناء في خمسة أيام بدون معلم ، مادام عامة الناس في “دار غفلون” ولا يبالون بالشأن العام وما يحاك ضد مستقبل أبنائهم، وكيف يتنبهون إلى ذلك وأغلبهم نائمون لا يستيقظون إلا مرة كل خمس سنين ليقبضوا الثمن المسموم ثم يعودون إلى النوم المعلوم. وهنا مرة أخرى تتحدث “بعض ألسنة السوء” عن طبخة تسوى لتنضج على نار هادئة وصفقة تحاك خيوطها بليل.
من شأن التوضيحات والملاحظات السابقة أن تكشف بدون شك أي نوع من المجالس المنتخبة تسير الشأن العام. فعلاوة على الجهل بالمقتضيات القانونية، ثمة حرص كبير على تحقيق المصالح الذاتية والفئوية الضيقة ،وعلى تفويت اختصاصات المجالس للمؤسسات والشركات في إطار التدبير المفوض ، ليكتفي السادة المستشارون المحترمون بالتوقيع على الوثائق الإدارية نظير شواهد العزوبة وعقود الازدياد والمصادقة على الإمضاءات…أما مصالح المواطنين فلتذهب إلى الجحيم، ولتتبخر مع تبخر الوعود الانتخابية. طفرناه بكري مع هاذ المنتخبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.