قررت أخيرا أن أعتنق منهج ديكارت وأن أشك في الشك نفسه ولن أجعل أحدا يمرر عليا شيأ لا أقتنع به وليست له واقعية حتمية في حياتي .
هته الكلمات الأخيرة التي نطق به أحد أصدقائي القدامى إستمتعت كثيرا وضحكت كثيرا لم أمنع نفسي من النظر والتأمل في كلامه العميق وسؤاله أيظا عن سر هذا التغيير المفاجئ . في الأمس تعتنق الماركسية وفي نفس اليوم تنحو منحى هيجل وأخر الليل تتبنى الوهم والخيال وفي مجالستك لطائفة المثقفين توجه إنتقاداتك السامة لعدم وجود جادبية في شاشاتنا وما يعرض فيها , أهي موضة العصر . نظر إلي نظرة ملؤها الإستغراب والشك في ما أقول ورد علي قائلا : ألست أنت الفصول الأربعة, تناقش مليون مشكل ولا ترسى على منهج محدد, بالأمس كنت تود أن تكون ذلك الطامح الجامح لمعانقة الوجودية كنت تتمنى لو جالست جون بول سارتر ألم تكن ذلك المستبد المتحدث عن طموح لم يكتب له الوجود , ألست القائل أن الوقت حان للوقوف أمام الأفكار والبرامج التى تنمو مثل الطحالب في مستنقع متسخ , ألست أنت من شك في معقولية الخطابات الموسمية , ألم تقول لي أنك تعيش ضمن عقلية القطيع وأنك أصبحت تتماهى كليا مع أول بشارة خير تبزغ مع أي موجة جديدة . ردود صديقي جعلتنى أسترجع ذكريات ماتت موتا شنيعا يوم كنت أستمع إلى موسيقى كناوة فأحس أن الكون قد إنبنى على مصداقية كل ما يقال لنا, فكنت منبهر أمام أشخاص يتكلمون وفي كلامهم دبدبات منومة , مغناطيس جبار يجعلك تتيه ضمن القطيع الذي غسل ذماغه .
إن صديقي عندما إنتابه الشعور في معانقة الشك الدكارتي لم يكن مقصده دكارت أو أي منهج أخر لكن اراد الهروب من واقع الوعود المتراكمة والتجارب الغير الناجحة , إن هروبه من الوقائع المحيطة به لم تكن نتاج الفشل أو قلة الخبرة أو ضعف الإمكانات لكن فقط ليصبح موقعه موقع المتفرج المشاهد المنتقد . من حقه أن يصبح ما شاء. لن يكون فاعلا في أي شيء لكنه سينجح في الإنتقاد لأنني أعرفه مثلما أعرف أن الخبز ضروري للوليمة . بعد برهة ساد صمت يحمل في طياته جملة من المعاني ملؤها التفكر في كل ماقيل بيننا , ونحن في لحضات صوفية قاطعنا أحد الأصدقاء قد وصل تاوا لم يعرف ما سبب الصمت الرهيب لكنه قال شيئا جعلنا نخرج من شرنقة ذلك التصوف الكلامي . قال : أصدقائي لم تعد هناك مظاهر البهجة أليس من الغريب أن تصبح أيامنا كلها تعاسة لقد أصبحت أبحث عن لاشئ أليس هذا غريبا . نطق صديقي صاحب المذهب الشكي في رد غير مسبوق وغير منتظر ملؤهه السودوية والسديمية قائلا : لن تحضى بفرصة الفرح مادام أن الكل فقد بوصلة الواقع . ضحكت ضحكتا صاخبة فقلت لهم : الأمل غير مفقود ووجود السلبي دليل على بزوغ الإجابي كلماتي وضعت الحد لهذا الموضوع فرجعنا برغم كل شئ إلى الواقع نتذكر الأيام الخوالي .