كان مفاجئا وصادما خبر رحيل السيدة مريم ابنة القائد المغربي والعربي والأممي الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي من زوجته للا تاميمونت. هذه المرأة المعروفة بلطفها الكبير وروح الدعابة التي تميزها، كم كانت الجلسة معها ممتعة، لم أرها يوما قلقة أو منزعجة، حتى في خضم تعبيرها عن وجهة نظر مخالفة مثلا لشقيقتها الصغرى عائشة التي لم تكن تفارقها إلا نادرا. حين كنت أزورها وشقيقتها عائشة، كانت تحكي عن الأخلاق العالية لوالدها الأمير في تعامله مع بناته (وحرصه على تعليمهن)، ومع مساعديه في البيت ومع زواره من مختلف مناطق العالم. وعن علاقته بطبيبه اليوناني "نيكولاي إليس" الذي كان يشرف على تطبيبه في بيت العائلة بالقاهرة. كانت تتكلم العربية والفرنسية وطبعا الريفية، لكنها إضافة لذلك كانت تتكلم لغة الكريول، اللغة السائدة في جزيرة لاريونيون التي تحتلها فرنسا، بحكم أنها وُلدت هناك سنة 1941 في مرحلة منفى الأمير، وهي لغة عبارة عن خليط بين اللغة المحلية والفرنسية لغة المحتل الفرنسي. وكم كانت تضحك من أعماق القلب حين كنتُ أمازحُها بخليط من الكلام غير المفهوم الذي غالبا ما كنت أستحضره من ذهني، فتقول لي ما هذه اللغة؟ فأرد عليها أنها لغة الكريول، فتستغرق في ضحكات مطولة. تماما مثلما كانت تحبذ مناداتها باسم "مَيْ" الذي كان اسم دلعها من طرف والدها الأمير، حين كانت طفلة صغيرة. كانت خفيفة الظل، مكانتها داخل الأسرة الكبرى محفوظة ومقدرة. حتى أن شقيقتها عائشة حكت لي عن عدم تَخيُّلها إمكانية العيش من دون شقيقتها مريم التي لم تكن تفارقها إلا للنوم حين تغادرها باتجاه بيتها، خاصة وأنها لم تكن تشكو من أي عارض طبي. رحلت السيدة مريم في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها مدينتها الحسيمة، والتي يبدو أنها آلمتها كثيرا، حيث كانت أحداث الحراك الشعبي فيها آخر ما تحدثت عنه مع مقربيها. رحم الله السيدة مريم وأسكنها فسيح جنانه، ورزق ذويها وأهلها الصبر والسلوان، وفي مقدمتهم ابنها أحمد خالد حسين صدقي الذي كان وحيدا من زوجها المصري الراحل، وشقيقتها الصغرى عائشة، وأختها الكبرى رقية المستقرة في القاهرة. ولكل آل الخطابي في مصر والمغرب.