حوارات ثلاث مع رقية ومريم وعائشة الخطابي، والحديث هن عن كريمات الأمير المجاهد، عبد الكريم الخطابي، هو جديد العديد الثالث من مجلة "لكل النساء" الشهرية، في ما يعتبر سابقة إعلامية، لأنه عدا عائشة الخطابي حرم مصطفى بوجيبار التي سبق لها أن تحدثت لوسائل الإعلام المغربية لبضع مرات، فإن رقية ومريم تفتحن لأول مرة قلبهن للصحافة المغربية، بل وتسمحن بظهور صورهن كي يتعرف عليهن الرأي العام. واعتبرت الزميلة سهيلة الريكي، التي أجرت الحوارات، أن الحديث إلى بنات عبد الكريم الخطابي الثلاث حديث ذو شجون، على اعتبار أن السيدات الثلاث معين لا ينضب من الذكريات التي عشنها في كنف أب خُلّد اسمه في التاريخ بحروف من ذهب، مضيفة أن لغة الحديث توزعت أساسا على العربية بداية، قبل أن يتحول سريعا إلى الريفية، ومنها إلى اللهجة المصرية أو حتى الفرنسية، ليعود إلى الدارجة المغربية دون أن يشعر المرء أنه حصلت له نقلة هوياتية طوال مراحل اللقاء الذي استغرق ساعات. نقرأ في تقديم الحوارات أن بنات عبد الكريم مثقفات يتقن عدة لغات، ومع ذلك فهن بسيطات جدا وغير متكلفات، يُحبن الحياة لكنهن في نفس الوقت يتعايشن مع حزن دفين رافقهن طوال عقود من الزمن، بسبب كثرة النكبات ونوائب الدهر التي آلمت بالعائلة، وبسبب تساقط ورقات شجرة العائلة كما يحدث بفصل الخريف، كما تسترجع السيدات الثلاث اللواتي أصبحن جدات قصة حياتهن كما لو كان شريطا سينمائيا، فقد ولدن بالمنفى وكبرن وسط قصر باذخ لكنه كان كالقفص الذهبي، وعندما كبرن قليلا ركبن السفينة ووجدن أنفسهن ببورسعيد في بلد غريبة يجهلن عنها كل شيء، وكان عليهن أن يتعلمن العربية كأول طريق للتأقلم والاندماج في المجتمع المصري. بالطبع، وكما هو متوقع مع شخصية كاريزمية من طينة أسد الريف، المجاهد عبد الكريم الخطابي، فقد كانت وفاة الوالد المفاجئة فاجعة كبرى، ستُغير مصائر الجميع، ووحدها عائشة من حققت حلم الوالد ولو بعد وفاته، بالعودة إلى المغرب والاقتران بقريب لها، أما باقي البنات فتزوجن بمصريين وعِشن حياتهن مثلما قُدّر لهن ذلك. بعد سنوات، ستحذو مريم حذو عائشة وتختار اصطحاب ابنها والاستقرار بالدار البيضاء، ووحدهما من تحملان الجنسية المغربية، بينما تعيش رقية رفقة أسرتها بالقاهرة، ولا تزور المغرب إلا لماما، إلا أنها لا تزال حريصة على التشبث قدر مستطاعها ببعض ملامح التربية الريفية، وتفتخر أنها علمت أبناءها الريفية، بل وتفكر جديا في أن تطلب لهم الجنسية المغربية إضافة إلى جنسيتهم المصرية. لقاء الأخوات الثلاث بعد طول فراق كان مناسبة كي تثير معهم المجلة قضية حساسة تتعلق بموقفهن من نقل رفاة والدهن من القاهرة إلى مقبرة المجاهدين بأجدير، ومصير مذكرات والدهن بعد وفاة شقيقه سعيد الذي كان يُعتبر الحارس الأمين عليها، ولاحظنا أن أبناء عبد الكريم الخطابي مختلفون بهذا الشأن، فلكل منهم موقفه الخاص. فإذا كانت عائشة تُرحب بنقل رفاته وإقامة نصب تذكاري على قبره، وتُعرب عن أتم الاستعداد لتقديم متعلقاته الشخصية والكتب التي أُلّفت حوله إلى متحف الحسيمة، فإن رقية ترفض هذا الموضوع جملة وتفصيلا، ولا ترى داعيا لذلك، بل وتستشهد بعبارات لوالدها التي شَدّد فيها على ضرورة أن يدفن المرء في المكان الذي قبضت فيه روحه، ومعللة أن والدها لم يقم بما قام به من أجل مجد شخصي عابر، فيما تتفادى مريم الإدلاء برأي حاسم حول المسألة، وتكتفي بتتبع الجدال الحاصل بين أختيها حول هذا الموضوع دون أن تتدخل. يتكرّر نفس المشهد عند إثارة موضوع المذكرات، فيبدو أن الورثة أو من تبقى منهم لم يتخذوا قرارا بشأن نشرها من عدمه، فمنهم من يُعتبر أن الوقت غير مناسب لتعميم مضامينها كرقية مثلا، فيما تبدو عائشة متضايقة من التأجيل الذي طال لنصف قرن، ولا تفهم لم تم تقسيم المذكرات إلى جزءين بين أحفاد عبد الكريم الخطابي، جزء موجود بأوربا والجزء الآخر بالمغرب. كما تلح عائشة على الإسراع في قراءتها ونشرها، لأن العائلة إن لم تقم لذلك فان جهات أخرى قد تكون حصلت على أجزاء من هذه المذكرات، قد يقومون بنشرها تحت مسمى آخر غير المذكرات بالضرورة. موضع غلاف العدد، كما نقرأ في افتتاحيته بقلم الزميلة سهيلة، مديرة ورئيسة تحرير المجلة هو تكريم لرمز ريفي كبير، ومحاولة لإطلاع القراء على جانب من شخصية هذا الرجل الفذ من خلال ما تحتفظ به ذاكرة بناته الثلاث عنه، وفرصة للاطلاع على ما فعلته الحياة بذرية رجل ضحى باستقرار أسرته الصغيرة مقابل إحلال السلم بوطنه.