"ليلة وفاته كنت بجانب أخي إدريس، الذي نبهني قائلا: ها لاحظت عيني أبي؟ أجبته: نعم أشاهد فيهما حزما كبيرا. تأثرنا كثيرا لرؤيته على ذلك النحو. وقلت لأخي: من الآن فصاعدا سأسمع كلامه. وعندما سينادي علي في المرة القادمة سألبي ندائه بسرعة. لمنه توفي في تلك الليلة الرمضانية". كانت هذه شهادة مريم الخطابي، الابنة الثالثة للزعيم الريفي عبد الكريم الخطابي، وهي تتحدث عن آخر لحظة من حياة والدها التي توفي قبل 50 سنة منفيا بالقاهرة في مصر. مريم ورقية وعائشة هن آخر ثلاث بنات للخطابي ما زلن علي قيد الحياة وقد تحدثن عن حياة والدهن في المنفى من جزيرة "لارينيون" حتى مستقره الأخير بالقاهرة. شهادة بنات الخطابي الثلاث جاءت في حوارات أنجرتها معهم الصحافية سهيلة الريكي، ونشرت في المجلة النسائية التي تشرف عليها سهيلة، "لكل النساء"، وصدرت في عددها الموجود حاليا بالأسواق. وفي تلك الحوارات تتذكر عائشة، وهي آخر العنقود، ليلة وفاة والدها قائلة "كان لدينا تقليد يقضي بأن يرافق والدنا كل يوم واحد من أبنائه وبناته غلى فراشه. وكان دوري ليلة وفاته. رافقته وتناول حبة الدواء التي كان يضعها تحت لسانه. خلع نضارته كالعادة. واستلقى على فراشه يحادثني قليلا قبل النوم. أوى الجميع غلى فراشهم. وكان من عادة والدتي عند استيقاظها للسحور أن لاتشعل ضوء الغرفة حتى لاتزعجه، وليلتها ولسبب لانعرفه أشعلت الضوء، وانتبهت إلى أن وجهه أصفر لمسته وصعقت لبرودته، وطبعا استفقنا جميعا على وقع الفاجعة". أما رقية الخطابي فتعود بها الذاكرة إلى المنفى بجزيرة "لارينيون" حيث تقول أن "المستعمر كان يسعى لأن ينسي والدي كفاحه من أجل تحرير بلده، ولدلك ربما حاول إسكانه في ظروف باذخة حتى ينصرف اهتمامه لأشياء أخرى غير الثورة والمقاومة، ونكبر في أجواء بعيدة عن البيئة الريفية المغربية". وتتذكر شقيقتها مريم القصر الذي كبرن فيه قائلة : "كبرنا في قصر بلارينيون يضم هكتارات من الأراضي الفلاحية التي زرعت بها كل أنواع الفواكه، وخصص الفرنسيون لآل الخطابي راتبا شهريا محترما، لكن والدي أرجع لهم نصف قيمته وقال لهم هذا يكفي. وبهذا المال اشترى ضيعة تضم ثلاثة أحواض مائية، وكان ينزهنا بها ونتسلق الجبال معه، كنا المغاربة الوحيدين بالمنطقة وكانوا يحترموننا جدا، وعشنا أياما جميلة هناك".