كان "عادل" يشعر بضيق شديد بسبب تصرفات صديقه "يوسف" الصبيانية، و ذهابه نهاية كل أسبوع إلى طنجة، و "الغرق" في حفرها و الانغماس في ملذاتها، فكان يخاطبه مؤنبا: -على الأقل راعِ سنك و الشيب الذي اشتعل في شعر رأسك، و احفظ حقوق زوجتك و أبنائك و أنت ترمي "رزقهم" تحت أرجل الساقطات… و ما كان يغيظه أكثر أن يوسف لا يبدي أي نوع من أنواع الأسف أو الندم على انفلاته، حيث كان يجيبه: -ما بهم أولادي؟ هل هم جياع أو عراة؟ أنا لا أبخل عليهم بشيء، أما زوجتي.. فهناك اتفاق ضمني بيننا على أن تتركني أفعل ما أريد إن وفرت لها ما تحتحته، و تدعني أنطلق كما أشاء على شرط أن تحظى وحدها بلقب "الزوجة"… يصعق عادل من الاتفاق الغريب، فيواصل الصديق: -تريد من الجميع أن يكونوا مثلك… عبيدا لزوجاتهم. الكل يعرف أن لا تستطيع أن تعطس إن لم تأخذ الإذن من "لالاك". يرد عادل بعصبية: -أنا لا أخشاها… بل أحترم نفسي و أخلص لمبادئي… -هراء !! أنت كاذب… هل تريد أن تقنعني أنك جربت سحر عالم الليل و زهدت فيه؟ هل تريد أن تفهمني أن الجلوس مع زوجتك و متابعة الفيلم الهندي أكثر إمتاعا من السهر بين الحسناوات… صمت عادل و كأنه يستجمع قواه للرد على هجمة صديقه الشرسة فقال: – مع زوجتي أنا مستغن عن نساء العالمين…. قهقه يوسف عاليا فتابع عادل: -زنديق مثلك لا يستطيع فهم معنى قيم الوفاء و الاخلاص… صمت يوسف و قال: -أَثبت لي! -كيف؟؟ – تذهب معي للسهر ليلة واحدة في طنجة.. و لنر هل ستغير رأيك! -مستحيل!! -ألم أقل لك أنك جبان؟ -ليست مسألة خوف. بل…. قاطعه يوسف: -بل ماذا؟.. المال؟ أنا متكلف بكل مصاريف السهرة… ماذا قلت؟ أحس عادل أن صديقه الشقي قد حشره في الزاوية، فلم يجد بدا من الموافقة، علا السرور وجه يوسف و قال: -موعدنا مساء السبت القادم، و تذكر أن هذه الليلة ستغير حياتك إلى الأبد… عندما افترقا، أحس عادل بهول المطب الذي أوقع نفسه فيه، و ندم على إبداء الموافقة على المقترح المخزي، و شعر بالعار كون محاولاته انتشال صديقه انتهت بارتمائه إلى جانبه في الوحل، فكر في الاتصال به و إلغاء الموعد، لكنه عرف أنه إن فعل فسيكرس صورة "عبد زوجته" عند أصدقائه… فقرر الذهاب في التحدي إلى آخره. فكر عادل مفاتحة زوجته في موضوع التحدي، لكنه خشي أن يفتح عليه أبواب الجحيم، أي امرأة ستوافق على ذهاب زوجها للمرقص من أجل التحدي و الوعظ، فلم يجد بدا من فبركة قصة ستجعله يبيت خارج البيت دون مشاكل، ففي يوم الجمعة ادعى أن والد أحد أعز أصدقائه قد مات، و أن الأصدقاء اتفقوا على الانتقال إلى منزل الفقيد في البادية البعيدة قصد تقديم واجب العزاء، و "ربما" يضطرون للمبيت…. تفحصت "ليلى" وجه زوجها مليا، و قالت: -لا مشكلة… المهم أن تتصل بي بين الفينة و الأخرى لأطمئن عليك! كان يعرف أن الهاتف هو العائق الأكبر في مغامرته، فقال: -سأحاول… أتمنى أن تسعفني الشبكة.. تعرفين أن الاتصالات متعثرة في المدينة، فكيف ستكون في "قرون" الجبال؟ في مساء الغد -اليوم المعلوم- لبس عادل ملابس أنيقة، و هم بالخروج، لكن زوجته ليلى قالت: -كل هذا التأنق من أجل عزاء…؟ و في البادية؟؟ تلعثم عادل و قال: -هل تريدين أن أبدوَ -ككل مرة- أقل أصدقائي أناقة…و غادر.. و قبل المغادرة لمح في عيني زوجته نظرة خاصة.. هي مزيج من التفحص و الريبة و التوجس… فكر في العدول عن مغامرته، لكنه علم أن ذلك سيزيد الشكوك و ربما سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. انتظر قليل في مقهى في الشارع الرئيسي. و ما هي إلا لحظات حتى توقفت سيارة الصديق، ركبها بسرعة و نظر إلى يوسف بحقد و قال: -الدعوة بيك لله! قهقه يوسف و قال: -شيخنا الجليل عادل في طريقه لتحرير طنجة من أوثانها و رجسها… و انطلقت السيارة مسرعة، و ما هي إلا ساعة كانت تجوب شوارع طنجة. و بحركة لا إرادية، كان عادل يغطي وجهه، فانتبه يوسف الى ذلك و انفجر ضاحكا، فقال عادل: -"البلاء مصادف"… تعرف أن نصف سكان مدينتنا انتقلوا إلى طنجة… دخل الصديقان مطعم أسماك، و تناولا عشاءهما فيه، ثم عرجا على مقهى أنيقة شربا فيها مشروبات مرطبة… أحس عادل أنه بدأ يتحمس للسهرة خاصة أنه لم ير حتى الآن ما يشين، عندما عادا إلى السيارة اتصل بزوجته ليخبرها بقرب الوصول و ضعف شبكة الاتصال.. و أطفأ الهاتف. في منتصف الليل تماما كانا على باب مرقص يقع بشارع كبير، فدخله يوسف دخول الفاتحين مرحبا به من طرف "العملاقة" الذين يحرسونه، بينما تفحصوا عادل بازدراء قبل أن يسمحوا له بالدخول، واضح أن قدماه ما كانتا لتطآ المكان لولا "شفاعة" يوسف، أحس عادل بالدوار بسبب الموسيقى الصاخبة و الأضواء المتراقصة، و كولد مطيع تبع صديقه إلى مائدة بها صديقان آخران ليوسف، جاءت نادلة بملابس "كاشفة" تسألهم ماذا يشربون، طلبوا جعة.. الكثير من الجعة. و قنينة ويسكي، بينما طلب عادل "شايا معشبا" فدخل الأصدقاء و معهم النادلة في ضحك هستيري… قبل أن يطلب أي شيء "حلال"، فواصل الأصدقاء ضحكهم، بينما انسحبت النادلة لإحضار الطلبات، فزع عادل من عدد الموجودات و ملابسهن الفاضحة المثيرة… كان يتأمل أفخاضهن المتلألئة و نهودهن النافرة عندما قال له يوسف: -سبحان الله آلفقيه! حاول عادل الرد، غير أن دفاعه ضاع بين الضحكات الصاخبة لمجالسيه. بعد فترة جاءت النادلة بالطلبات، و وضعت أمام عادل عصيرا لم يتبين مكوناته، بينما بدأ البقية في اجتراع كؤوسهم بوثيرة سرعت ظهور علامات السكر عليهم، ثم نهضوا للرقص تاركين عادلا "يقتات" على الصحون الصغيرة التي تضم بعضا من السمك و المملحات، و عندما عاد الأصدقاء بدأت الفتيات يحمن حول السكارى الثلاث محجمات احجاما تاما عن الصاحي الوحيد على المائدة… عند الرابعة و النصف قال عادل يوسف: -لنغادر! أجابه يوسف و علامات السكر بادية عليه: -السهرة في بدايتها… عيش آبنادم.. عيييييش! حاول عادل عبثا إقناع صديقه بالمغادرة، و عندما فشل خرج وحده، أنعشه الهواء النقي في الخارج و إن أحس بالبرد يتسلل إلى أضلعه، اشتم ملابسه فوجدها "معتقة" برائحة الدخان و الشراب. قرر أن يتمشى على طول الكورنيش حتى يصل محطة القطار، كان عدد المسافرين في قطار الخامسة و النصف قليلا بشكل غريب، افتنى تذكرة، و دخل مقصورة فارغة و تمدد، فجأة فُتح الباب و دخل رجل في حالة سكر متقدمة انزعج عادل عندما وجد أنه من معارفه، عانقه السكران و قال له: -لم أكن أعرف أنك مولع بليل طنجة آسي عادل! حاول عادل الدفاع عن نفسه، لكنه أحس بلا جدوى مناقشة شخص في حالة سكر طافح، فأغمض و استسلم لنوم قصير، ليستيقظ عند وصوله الى مدينته، غادر القطار مبتعدا عن السكران المزعج، ثم ذهب إلى مقهاه ليشرب قهوته و يزيل ما تبقى من روائح عالقة بملابسه، ثم ذهب إلى منزله ليرتاح، و على عكس المتوقع وجد زوجته صاحية، بادرته: -الله يعشر الخطوات قال بصوت متعب: -آمين… كانت لا تزال واقفة تنظر إليه نظرة غريبة. -ما بك حبيبتي؟ ناولته هاتفها، نظر فوجد صورة له على الفايسبوك و هو نائم في القطار و فوقها تعليق: -صدفة جميلة أن ألتقي صديقي عادل على متن القطار، هو نائم الآن بعد غزوة مظفرة في مراقص طنجة "العز للرجال"… تعجب كيف لسكران أن يضع هذا المنشور في الفايسبوك و يحرص على إضافته، تأمل البركان الذي يستعد لطرح حممه عليه، و تذكر كلام يوسف -بعد لعنه-: -ستغير هذه الليلة حياتك للأبد.