دُعاء، وَليد، آية، فاطمة الزهراء..صِبْية تتراوح أعمارهم بين 3 و9 سنوات، وُلدوا في كَنف أسرة ربَّتُها متحدّرة من البهاليل، بإقليمصفرو، تعاني من اضطرابات عقلية، وربُّها لم يدّخرْ غير الإهمال واللامُبالاة، إذْ تركهم لمصيرهم في دوار لْكروطة، بريصانة الشمالية، إقليمالعرائش، حيث وُلدوا، وسافرَ ليعيش في مدينة أصيلة، ولا يزورهم إلا لِماما. في بيْت أشبهَ بكوخ يعيش الصِّبية الأربعة؛ وقبْل أيام ازدادَ عددهم وصاروا خمسة، لكنّ الصبيّ الخامس سُرعان ما غادر الحياة، وكأنّه استشعر المأساة التي تنتظره لو بقيَ على قيْدها؛ فقد كانت التباشير الأولى لقدومه إليها تُنبئ بذلك، حينَ وضعتْه أمّه المريضة نفسيّا على قارعة الطريق، عشيّة يوم أحدٍ من أيّام يناير، تحتَ رحمة برْد الشمال القارس. وعلى قارعة الطريق ظلَّت الأمُّ ورضيعها إلى أنْ مرَّ عابرُ سبيل فاتصل بسيارة إسعاف حملتها إلى المركز الصحي بريصانة، حيث عاينت الطبيبة حالتَها، ثمَّ عادتْ إلي بيتها بعد قطع الحبْل السُّري الذي كان يربطها برضيعها، وفي صباح اليوم الموالي غادرتْ إلى المدينة تاركة إيّاه وحيدا، يتجرّع مرارة المأساة، ولمْ تَعدْ إلا مساء، ولمْ يكدْ يمرّ اليوم التاسع من قدومه إلى الحياة حتّى غادرها. تحْكي سيّدة من دوار لكروطة بريصانة الشمالية، حيثُ وُلد الصبي الذي اختيرَ له من الأسماء محمد، بناء على أقوال أمّه، أنَّه رفض أن يرضع ثديها، فكانت تُطعمه ماء وسكّرا، أمّا أخته ذات الأعوام التسعة فقالت إنَّ أختها الأصغر منها كانتْ تُطعمه خُبْزا! فكانَ أنْ أسْلَم الروح لبارئها، بعْد إطلالة قصيرة على الحياة الكئيبة، وكأنّه يحتجُّ على الإهمال الذي قُوبل به من طرف مَن أنجبه، وظُلْم المجتمع. أمّا إخوةُ محمد الأربعة، فمصيرهُم أضحى في كفِّ عفريت؛ دعاء ووليد يتابعان دراستهما في مدرسة الدوار، والاثنان الآخران تصحبُهما أمّهما إلى المدينة، تتسوَّل بهما، وفي مرّات أخرى تتركهما لوحدهما في الدوار.. "دبَا تّْعلّمو السعاية والكلام القْبيح واخا مازالين صْغارين فالعمر، حيتْ أغلبية الوقت كيدوزوه فالسوق"، تقول السيدة التي تحدثت لهسبريس. قبْل أيّام بادرتْ مجموعة من نساء الدوار إلى القيام بعملية تنظيف "البيت" الذي تأوي جُدرانُه الطينية الصِّبْية الأربعة، وطلائها بالجير، لإضفاء مُسحة من البياض على سوادها الداخلي، واقتناء موادَّ غذائية لهم، وتنظيف ملابسهم. تقول السيدة المشار إليها: "الدار ما تقدرش تدخلها بالخنز..كان ذلك يوم خميس، ويوم السبت وْلّات الدار حالْتها حالة، حيتْ السيّدة مريضة، وما كاتسوّق لتّا حاجة، وتمارة كلها اللي ضربنا مشات باطل". "خاصّكْ تشوف وْلادها شحال أذكياء، وْحْدة من البنات اللي كتقرا فالمدرسة جاتْ هي الأولى فالقسم ديالها، ولكن مؤخّرا ولّات كتْأتّر بماماها، وولّاتك تدير شي تصرفات غير طبيعية"، تقول سيدة أخرى، مُضيفة أنَّ الحلّ الوحيد لإنقاذ الصبية الأربعة من الضياع هو مُعالجة أمهم من مرضها النفسي، أوْ إبعادُهم عنها، والتكفّل بهم من طرف جهة ما. وفي انتظار أن يتحقق ذلك، يقضي الصبية الصغار سحابة يومهم مشردين في دروب دوار لكروطة، وحينَ يُسْدل الليل ستائره يطرقون أبواب بيوت أهل الدوار، حين لا تكون أمهم حاضرة، علّهم يظفرون بمن يأويهم إلى غاية الصباح. ومرّة، تحكي السيدة التي تحدثت لهسبريس، قضت دعاء ذات السنوات التسع، وأخوها الأصغر، الليل في بيتهم الأشبه بكوخ لوحدهما، واستطردت: "الدار حالْتها حالة، يْجيك فيها الخُوف بالنهار، أُوعاد هوما ما عندهومش الضوّ، قْطعوه لهم حيت ميكخلّصوش، ومع ذلك عايشين فيها، وما كايجي عندهوم حتا واحد"، وأضافت أن "أفراد عائلة المعنية لمْ يوافقوا على زواجها من الشخص الذي أنجبت معه الصبية الأربعة، فقاطعوها بعد أن تزوّجتْ به، وتخلّوا عنها، لتتخلى بدورها، هي وزوجها، عن الأطفال الأربعة".