يوم أمس الأربعاء تم تكريم شخصيتين من مدينة القصر الكبير في حفل نظمته الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بالمدينة، يتعلق الأمر بالسيدين أحمد المودن ومحمد التيجاني عضوا الحزب بمدينة القصر الكبير، تم تكريمهما بعد إحالتهما على التقاعد الوظيفي في حين لا زالا يمارسان مهاما سياسيا في التنظيم الحزبي بالمدينة، كانت لحظات مؤثرة وكل منهما يستعرض مسار الأربعة عقود من العمل والنضال معا، كما عرف الحفل حضور مجموعة من شخصيات المدينة وخارجها احتفاء بالرجلين. حفلات التكريم دائما ما تكون لحظات ود وعرفان وامتنان وكل الكلمات التي تتلى فيها حافلة بالمعاني التي تذهب في نفس السياق، اعتبارا لمكانة المحتفى بهم على اختلاف انتماءاتهم ومناصبهم وتشعب علاقاتهم، لكن دعونا نقف قليلا أمام جانب آخر من جوانب حفل تكريم السيدين المودن والتيجاني. الكلمات التي تم إلقاؤها تضمنت بعض المعطيات المثيرة حول المدينة ومشهدها السياسي خلال فترات كانت فيها ممارسة السياسة بمعناها النظيف ضربا من المجازفة، سواء كان الممارس إسلاميا أو يساريا، ولا نتحدث هنا عن الذين كانوا يمارسون السياسة خوفا وطمعا وتواطؤا فهؤلاء يحتلون ركنا قصيا في التاريخ لا يلمحه أحد. كلمة رئيس المجلس البلدي سعيد خيرون تضمنت إشارة مثيرة لأحد المخاضات التي عاشتها الحركة الإسلامية في المدينة والتي كان محورها المشاركة السياسية خلال التسعينيات في ظل وجود نظام انتخابي كانت تخرج نتائجه من مطابخ البصري وزير الداخلية آنذاك، وكيف أن أعضاء التنظيم ذو المرجعية الإسلامية في القصر الكبير حسموا هذا النقاش عن طريق التصويت للمشاركة السياسية، وكان حينها المسؤول عن التنظيم هو الدكتور أحمد الريسوني. قد يبدو هذا المعطى استحضارا من خيرون لنوستالجيا سياسية شخصية، لكنه أبدا ليس كذلك من وجهة نظر التاريخ، فالمعطى دليل على أن المدينة كانت منخرطة بشكل كبير في النقاش السياسي الذي كان مطروحا في المغرب ككل، ودخول الحركة الإسلامية للعمل السياسي لم يأتي بالتصفيق، ومن نراهم اليوم مسؤولين عن تدبير الشأن المحلي لم يدخلوا غمار السياسة بدعوة مفتوحة وتزكيات الود والمجاملة، بل كان هناك نقاش ومخاض وتصويت ومعارضة وامتناع. الكلمات التي ألقيت في الحفل وغيرها تضمنت معطيات ستشكل بالنسبة للأجيال اللاحقة من الباحثين في تاريخ المدينة مادة خام لكتابة تاريخها، ولا شك أن كل من مارس السياسة الحقيقية في زمن الاستعصاء السياسي يتوفر على معطيات أكثر إثارة حول التاريخ السياسي للمدينة في مرحلة سنوات الرصاص، ولا ريب أن الكثيرين ممن يظهرون على أنهم شرفاء اليوم كانوا انتهازيين في زمن المواقف، ويمكن أن يؤدي صمت الشرفاء الحقيقيين عن كشف الحقائق التاريخية لأن يصبح انتهازيو اليوم شرفاء الغد، لذلك فالسياسيون في المدينة مدعوون لكتابة مذكراتهم، ليسوا ملزمين بنشرها وهم على قيد الحياة، فنحن نعلم أن شهامة البعض تمنعهم من تعرية وجوه الخصوم الحقيقية، لكن الشرفاء يمكنهم أن يكتبوا مذكراتهم ويتركونها هبة لذاكرة المدينة بعد وفاتهم، حتى لا يصبح الانتهازيون في المدينة اليوم أبطالا في عيون أبنائها غدا.