تعتبر القصر الكبير من المدن التي أغنت الرصيد الثقافي الوطني، من خلال مساهمة مجموعة من أبنائها في مختلف المجالات الإبداعية، وعلى رأسها الشعر والموسيقى. إذ لا يمكن أن تذكر الأغنية المغربية دون الوقوف عند " عبد السلام عامر ". أو التطرق إلى الشعر المغربي الحديث، دون العودة إلى " محمد الخمار الكنوني "... كما احتضنت المدينة عبر تاريخها مجموعة من النشاطات الثقافية الكبرى، وذلك بفضل وجود البنيات الثقافية – الموروثة عن الاستعمار الإسباني – التي كانت تلبي إلى حد ما الحاجيات الثقافية للساكنة. ولازالت المدينة تقدم أسماء في مختلف المجالات الثقافية، بالرغم من وجود مجموعة من المعيقات والإكراهات، مثل تقلص حجم الفضاءات الثقافية أمام ارتفاع عدد السكان، إذ توقفت القاعات السينمائية عن مزاولة نشاطها، وتم تفويت المسرح البلدي إلى القطاع الخاص وتحويله إلى مشروع تجاري وإتلاف الأرشيف البلدي...، إلا أن أخطر المعيقات في نظرنا، تتجلى في غياب سياسة النهوض بهذا الحقل لدى المسؤولين على الشأن المحلي، وهذا ما سجلناه أثناء تتبعنا للدورة المالية المنعقدة في دجنبر 2009 . إذ تم تحويل ميزانية مرصودة لبناء مكتبة بلدية إلى شأن آخر، كان من المفروض أن تخصص له ميزانية أخرى. لم نستغرب للمعيقات الإدارية التي حالت دون إنجاز المشروع، ولكن استغرابنا كان بخصوص تحويل ميزانية مخصصة لغرض ثقافي إلى وجهة أخرى، مما دفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات حول هذا القرار. فهل يوجد بالمدينة ما يكفي من المكتبات العمومية؟ إذا كان الأمر كذلك. ألم يكن من المفروض أن تسخر الميزانية المرصودة في نفس الهدف (تجهيزات، كتب...)؟ أم أن للعزوفعن القراءة دور في اتخاذ هذا القرار؟ أن الشأن الثقافي لايعني المجلس البلدي في شيء؟. يبدو أن المسألة الثقافية غائبة لدى مسيري الشأن العام بالمدينة، وربما يعتبرونهاغير ذات جدوى، متناسين بأن التنمية الحقيقية ترتكز على أساس الاستثمار في العنصر البشري، بواسطة نشر التعليم وتسييد ثقافة القراءة، وذلك بإحداث فضاءات وبنيات ثقافية تفتقر إليها المدينة، وتمكين الخزانة البلدية من دعم مالي قصد إقامة الأنشطة الثقافية. إن مدينة القصر الكبير التي يتعدى عدد سكانها 150 ألف نسمة، لايوجد بها سوى ثلاث (مكتبات عمومية) في حالة مزرية، في ظل غياب تام للمكتبات الخاصة، كما هو الحال في بعض المدن الأخرى، مثل مكتبة "محمد داوود" بتطوان، ومكتبة "عبد الله كنون " بطنجة، ومكتبة الصبيحي بسلا.... إن مكتباتنا العمومية تفتقر إلى أبسط التجهيزات الأساسية، التي تساعد على القراءة والتحصيل المعرفي، لكن يبقى هذا العامل غير ذي أهمية أمام غياب العامل الرئيسي في القراءة، ألا وهو الكتاب، حيث تعرف خزاناتنا البلدية خصاصا كبيرا في عناوين الكتب، بمختلف تخصصاتها، مع غياب تام للمخطوطات، وفقرا كبيرا في الكتب المصدرية، وما تبقى منها فهو مضر بصحة القراء، أما الإصدارات الجديدة سواء من حيث الكتب أو النشرات والدوريات وغيرها، فحدث عن غيابها ولا حرج، وللإشارة فإن المكتبات العمومية بالمدينةلم تتوصل من المجلس البلدي بأي مدخرات ثقافية مند عدة عقود. إن الوضع مثل هذا يتحمل يتحمل فيه النصيب الأكبر من المسؤولية أصحاب القرار المذكور، نظرا لتوابعه الخطيرة على مستوى تشكيل الوعي لدى الساكنة، من جهة: فضعف القراءة يؤدي إلى عدم القدرة على مواجهة كل أشكال الاستلاب الثقافي، والحد من انتشار الفكر الغيبي،وبتالي الدفع بالفئات المحرومة من التثقيف ومن الفضاءات الثقافية إلى انحرافات اجتماعية خطيرة، لها تأثيرها السلبي على المجتمع (الجريمة، المخدرات، الرشوة...). من جهة أخرى: فغياب الفضاءات الثقافية وعلى رأسها المكتبات العمومية، يعتبر حرمانا لفئة واسعة من أبناء المدينة من حقهم في الوصول إلى مصدر المعلومة، وبشكل خاص ذوي الدخل المحدود والمعطلين والطلبة غير القادرين على شراء الكتب، ومضاعفات الأعباء أمامهم (مادية، نفسية...) خاصة في الطلبة والباحثين مما يؤثر على المردود العلمي، وحرمان نسبة كبيرة من أبناء الشعب من متابعة البحث والدراسة. بالمقابل نجد فئة محظوظة قادرة على الوصول إلى مصدر المعلومة، بأقل جهد ممكن، تقدم نتائج أفضل، وبالتالي حظوظ وفرص أوفر. إن هذا القرار الذي يضرب في العمق حق الفرد في الوصول إلى مصدر المعلومة، يسمح لنا بالقول: بأن المجلس البلدي غير عابئ بالتحولات التي تعرفها المدينة على مستوى توسع قاعدة الطلبة المقيمين بها، نتيجة لفتح الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش، وما يتطلبه ذلك من تأهيل البنيات الثقافية، وتوفير شروط التحصيل العلمي لساكنتها، وفي نفس الآن يمكننا أن نعتبر أن المجلس البلدي لايراهن على الفئة المثقفة لأنها لاتدخل ضمن حساباته الانتخابية، لذلك وجه اهتمامه صوب فئات أخرى، بل يمكننا القول أيضا بأن أصحاب القرار انسجموا مع الشطر الأول من المثل الصيني القائل: " إذا أردت محصول عام فاحرث الأرض، وإذا أردت محصول قرن فعلم الشعب " لذلك تم تحويل ميزانية مخصصة لغرض ثقافي إلى مشروع آخر مدر للدخل، ويعفي مالية البلدية من أعباء إضافية... أمام واقع كهذا، لايمكننا إلا أن نستغرب صمت المجتمع المدني عن تدني الخدمات الثقافية بالمدينة. إذا كان من المفروض أن يكون سباقا للدفاع عن مثل هذه الخدمة العمومية، والمطالبة بتحديثها وتطويرها وفق متطلبات الساكنة، أو على الأقل الدفع باتجاه تفعيل القرار البلدي لسنة 1971 ، والذي خصص ميزانية سنوية لتزويد المكتبة البلدية بالكتب. إن تقييد الفكر وتوجيهه لخدمة مشروع معين المستفيدين من الوضع الحالي عن طريق الحظر على الكتب (المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء 2010)، وتدني الخدمات الثقافية العمومية، يبطل مقولة العزوف عن القراءة وعن الكتاب، ويؤكد بأن هذا العزوف ما هو إلا نتاج لسياسة أرادت له أن يكون.