لا أحد يدري كيف اقتلع الزمن تلك الأعمدة المصبوغة بالأحمر و الأبيض و التي وضعوها لتمنع المارة من عبور سكة القطار .. اقتلعوا حتى الحارس المكلف بإنزال الأعمدة و ساووا بنايته الصغيرة مع الأرض و بدؤوا في حفر النفق بديلا … لقد كان معبرا يختزل مجتمع مدينة بكامله .. يوم كان الإسبان يمدون خط سكك الحديد بجوار المدينة ، لم يخطر ببالهم أنهم بذلك يرسمون ” جدار برلين ” للمستقبل القادم بكل ” ياجوره ” بين ضفتي مدينة ترتبطان بباب السكة … المشهد السوريالي الذي كان يبتدئ بجرس إنذار قطار قادم … يسارع الحارس إلى ” رويضة ” معلقة يديرها عبر مقبض كبير فتنزل الأعمدة لقطع المعبر .. تتجمهر البشرية على الجانبين في انتظار مرور القطار .. اللامبالون و المسرعون ينحون تحت الأعمدة و يعبرون دون أن يلتفتوا جانبا .. بائع الزريعة السوداء اللذيذة يضع كيسه و يقف وسط السكة و يستمر في استلام الخمسين فرنكا و لي الكاغيط على سلعته و تسليمها للزبناء .. المنتظرون على الجانبين يتزايدون ليتحولوا إلى جيشين صغيرين يستعدان للإشتباك كما في الأفلام التاريخية .. يسمع منبه القطار البعيد القادم بكل جبروته يشق طريقه وسط مباني المدينة .. يقترب من باب السكة بمسافة قصيرة .. يحمل بائع الزريعة السوداء خنشته و يغادر مكانه مؤقتا ريثما يمر القطار … يمر القطار ليقف في المحطة القريبة ف ” تشيط ” له مقطورتان في الخلف و يستمر في إغلاق باب السكة .. يبدأ المنتظرون للعبور في صعود القطار و النزول من الجهة الأخرى و الذهاب إلى حال سبيلهم … يطلق ” مودا ” صفارته ليأذن للقطار بالإنصراف .. ينطلق القطار فيظهر ” الجيشان ” من جديد .. يرفع الحارس الأعمدة المخططة بالأبيض و الأحمر … يعود بائع الزريعة إلى وسط السكة .. يشتبك ” الجيشان ” و يعود المعبر إلى حالته فتبدأ السمفونية . البيض البيض البيض طوووووووووط زيدوا هنا الديسير ماركيز وينسطون ماربورو بيست شي جوج مسكات