سوق "للا رقية" لا يبعد عن وسط مدينة القصر الكبير سوى ببضع مئاتٍ من الأمتار، لكنّه، وإن كان يوجد في قلب الوسط الحضري، إلا أنه أقربُ ما يكون إلى سوقٍ قروي يتخبّط في الفوضى والعشوائية، وتعجّ مرافقه البسيطة بالأزبال والنفايات، وتفوح منه الروائح الكريهة. في مدخل السوق ثمّة عربات تجرّها أحصنة يتخذها المتسوّقون القادمون من هوامش المدينة وسيلة نقلهم الوحيدة.. عربات تحملُ ما لا طاقة لها به، ويزدحم على متنها الرجال والنساء والأطفال وأمتعتهم، قبل أن تلفظهم عند مدخل السوق لينتشروا كلٌّ إلى سبيله. عند مدخل سوق "للا رقية" بالقصر الكبير يختلط الحضري بالقروي، فإلى جانب سكّة القطار التي لا يفصل بينها وبين السوق غير سُور قصير، تختلط العربات المجرورة بالأحصنة على قارعة الطريق بالسيارات والدراجات ثلاثية العجلات، والدراجات العادية. وأنت تقترب من السوق تلوح لك "أمارات" حاله في الداخل على بُعد عشرات الأمتار.. في جانبي الطريق بمحاذاة الرصيف أوْحال ذات لون أسود مترسّبة، تنبعث منها روائح كريهة، وعند المدخل على اليسار "ضاية" بها ماء راكد آسن، تتوسَّط الفضاء حيث تُباع الخضار والفواكه. عند السور الفاصل بين السوق وسكّة القطار تَعْرض سيّدة لبنا وبيضا، وإلى جانبها سيّدات أخريات يعرضن قطاني موضوعة على الأرض في أكياس بلاستيكية، لا تفصل بينها وبين كومة من روث الحمير غير سنتيمترات معدودات.. في هذا الفضاء لا مكان لشيء اسمه النظافة. ويخترق السور الفاصل بين سكة القطار والسوق ممرّ غير محروس له بابٌ صغير من حديد، يبقى مُشْرَعا طوال الوقت، والمارّة يعبرون السكة بلا مبالاة. تقول سيدة سألناها إن كان الباب يُغلق: "دبا البشر كْتر وما بقاش كايتسدّ"، قبل أن تضيف: "الحفيظ الله". في الجهة الخلفيّة للسور ثمّة ما يشبه "مرحاضا عموميا مفتوحا".. يأتي الرجال ويتبوّلون ثمّ ينصرفون دون أدنى حرج، ودون إيلاء أي اعتبار لمن يمرّ بمحاذاتهم. وفي مشهد معبّر عن عدم الاكتراث بالخطر الذي يشكله القطار على حياة المارة يجلس شيخ على حافة السكّة ويقضي حاجته الطبيعية، ثم يقوم ويغادر على مهل. وكلما "غاصَ" المرء في ممرات سوق "للا رقية" "يَصطدم" بمشاهدَ أكثر بشاعة من تلك التي شاهدها في المدخل؛ ففي الفضاء المخصص لبيع السمك يتوجب على المرء أن يمشي على أطراف أصابع رجليه حماية لحذائه من الأوحال التي تغطّي أرضية المكان، دون أن تجد من يزيحها. أما الرصيف المخصص لعرض السمك فيبدو في وضعية "يُرثى لها".. حَوافّه مهشّمة، وأعمدته تعلوها الطحالبُ الخضراء، وفي الوسط أكوام من أحشاء السمك، يقوم أحد الباعة بحملها بواسطة مجرفة ورميها في السطح لتصير وجبة لأسراب النورس التي تحوم حول المكان. لكنّ "بشاعة" هذا المشهد قد تبدو ألطف من "البشاعة" التي تستوطن أماكنَ أخرى داخل سوق "للا رقية" بالقصر الكبير، فغَيْر بعيد عن "الرّحبة"، حيث تباع الحبوب، ثمّة حوانيتُ صغيرة مخرّبة تحوّلت إلى مراحيض بكل ما للكلمة من معنى، ويستحيل على المرء عبورها دون إحكام إغلاق أنفه؛ أما أكوام الأزبال فحدّث عنها ولا حرج. ويظهر من خلال التجول في المكان أن عُمَّال النظافة لا يزورونه، فهناك أتربة وأزبال متراكمة، و"أخاديدُ" جارية من البول. يقول أحد الباعة لهسبريس: "هذا السوق مهمّش جدّا.. المجالس البلدية تتبدّل لكن لا أحد يهتمّ به"؛ ويضيف زميل له: "كيمَّا كاتشوف، هاد السوق مْهمّش مَرّة".