عرفت مدينة القصر الكبير في عهد الحسن الثاني إصلاح المجلس الأعظم الذي لعب دورا طلائعيا في تاريخ منطقة " بلاد الهبط" على الخصوص و المغرب على العموم . و ذلك بمقتضى اتفاق بين المجلس البلدي و وزارة الشؤون الإسلامية . هذا الإصلاح الذي لقي دعما متواصلا ، سواء على المستوى المركزي أو الإقليمي أو المحلي " المتمثل في المجلس البلدي و اللجنة المحلية للمحسنين" و الذي أعطى أضواء جديدة على تاريخ المدينة و المنطقة ، و على الخصوص إثبات ان موقع أبيدوم نوفوم هو نفس موقع القصر الكبير الحالي من خلال المطفية التي تتواجد اسفل المسجد . إذا ما هي هذه المطفية؟ و ما هي ابعادها؟ و ماهي وظيفتها و تاريخها ؟ المطفية الأسطورة : لقد تعددت الأقوال حول ماهيتها و تاريخها و أبعادها و المحاولات التي بذلت من أجل إفراغها و ذلك بسبب إنعدام الوثائق و النصوص التاريخية حولها حتى أصبحت لغزا محيرا تضاربت حولها الأقوال و اختلطت الأسطورة بالحقيقة مضيفة إليها هالة من الغموض ظلت ترافقها عبر العصور هناك من يرجعها إلى العصور الرومانية رابطا إياها بدير لعبادة الشمس ، و هناك من يربطها بالديانة المسيحية جاعلا منها كنيسة تحت الجامع ، و هناك من يجعل منها مسجدا قديما تحت الجامع الحالي ، إضافة إلى أقوال أخرى حول مساحتها و أبعادها تجزم انها توجد أسفل الجامع الأعظم بأجمعه ، و أنها متصلة نهر اللوكوس ( الواد الجديد) على امتداد حوالي كيلومتر واحد ، مفسرين ذلك بكثرة المياه فيها خصوصا و أن مكانا في النهر على يسار القنطرة أثناء توجهنا إلى الرباط يطلق عليه " المحراب" ، كان سببا في غرق عدد ليس بالقليل من الشباب ، و في مخيلة الساكنة القصرية أن هذا المكان متصل بمطفية الجامع التي تحتوي على ضفاضع مخيفة و أسماك غريبة رابطين إياها بالأرواح الشريرة و العوالم الأخرى. دوافع الإستكشاف : لم تكن دوافع الإستكشاف مرتبطة بالبحث الأثري أو العلمي بل ان إستكشاف خباياها جاء نتيجة الإصلاح الذي قام به المجلس البلدي في هذا الجامع إطلاقا من المصلحة العامة حيث أصبح من الضروري معرفة مساحتها للأسباب الآتية : 1 أن الجامع كان مغطى بالخشب و التراب و القرميد ، و نظرا لطبيعة الإصلاحات الجذرية التي انتهت إلى تغطيته بالإسمنت المسلح مع إضافة بعض المصالح فوق بعض أجزائه الشيئ الذي سيؤدي حتما إلى زيادة الثقل فوقه ، و حيث أن مساحة المطفية كانت مجهولة ، و كانت الصورة المعروفة عليها آنذاك هي عبارة عن بحيرة تحت الجامع لهذا اصبح لزاما علينا معرفة أبعادها 2 حدوث تهدل في أرضية الجامع في الجهة اليمنى جنوب شرق المحراب : في الخمسينات و بقاء علامة هذه الحفرة إلى يوم بداية الإصلاح الشيئ الذي زاد في المخاوف و عزز فكرة معرفة أبعادها ، و حفاظا على المؤمنين المصلين ؛ و حتى لا نسقط في مكروه بدأت عملية الإكتشاف التي تمت على مرحلتين إثنتين هما : أ مرحلة الإستكشاف : - المرحلة الأولى : تميزت بالعمل المتقطع و بالحذر و الخوف أحيانا نظرا للحمولة و الغموض الذين صاحباتها عبر العصور علما ان ما كان يعرف عليها هو التنور المملوء بالمياه فقط ، و بما ان عملية الإفراغ قد فشلت في عهد الحماية و حيث أن الحاجة أصبحة ماسة لمعرفة أبعادها ؛ و نظرا لكوني كنت مكلفا من طرف السيد رئيس المجلس بالمراقبة بالمراقبة و الحفاظ على أصالة الجامع و معالمه التاريخية إلى جانب المهندس البلدي و اللجنة المكونة من بعض أعيان المدينة و منهم السادة الفضلاء : ج ادريس الطود رئيس اللجنة و ج عبد السلام اليعقوبي و الحاج خليل الطرنباطي و الحاج المرحوم محمد عدة و السيد عزيز المكزاري و الحاج محمد الحداد الذي شارك في كل الأعمال المتعلقة بالإصلاح و اكتشاف المطفية بالإضافة إلى السادة : نجيب أكني التقني بقسم الأشغال و مصطفى الدبدوبي المكلف بتزويد الجامع بالمواد . قمنا في البداية بالتعرف على عمق المطفية بواسطة قضيب من الحديد فتوصلنا إلى عمق يقدر بنحو 5.20 متر و كان هذا بداية لإزالة الخوف ، و كانت الأعمال متابعة من طرف المسؤولين و منهم : السيد عامل الإقليم مولودي بوسيف الذي رعى الأعمال من بدايتها إلى نهايتها و باشا المدينة السابق السيد محمد البقالي و السيد رئيس المجلس البلدي محمد الطويل ، و السيد الناظر عبد الرزاق الحمدوني الذي كان يتردد على الجامع . و بعد إذن السيد رئيس المجلس في 10 أكتوبر 1986 قمنا بإفراغ التنور بواسطة مضخة صغيرة في ملك المجلس البلدي إلى حدود حوالي 60 سم فظهرت فتحتان في الجهتين الشمالية و الشرقية فربطنا آلة التقاط الصور في عمود و أنزلناها في هذا الفراغ و بدأنا في إلتقاط الصور أوتوماتيكيا و بعد إخراج الصور ظهر لنا ما يلي : وجود فراغ من جهة الشرق فوقه قبو محدد مملوء بالمياه في أسفله يشبه سقف الحمام التقليدي ، فاعتقدنا ان المطفية عبارة عن هذا المكان و ربما ان العمق سيكون أكبر ، تم عاودنا المحاولة في 11 نونبر من نفس السنة لكنها باءت بالفشل لكون المضخة لم تخرج المياه المطلوبة فبدأت بعض الأقاويل تربط هذا الفشل بما هو موجود في المخيلة الشعبية لأن العمل كان على مرأى و مسمع من الجميع نظرا لكون الجامع كان دائما مملوء ا بالعمال و الزوار ، بل ان البعض من محبي هذا الجامع كان يقضي كل اليوم فيه كالمرحوم أحمد النخشى ؛ ثم أفرغ جزء منها بواسطة رجال الوقاية المدنية في مدة 50 دقيقة و ظهر فيها التراب و بعض الأحجار الصغيرة و قمنا بنفس عملية التصوير ، و بعد يوم تبين بعد إخراج الصور الثانية ان المطفية اكبر حجما مما كنا نتصوره و برزت كومة من التراب ذات سمك مرتفع في وسطها . - المرحلة الثانية : بدأت هذه المرحلة في 06/08/1987 بهدم جانب من التنور بجانب المطفية بحضور السيد رئيس المجلس البلدي وأعضاء من اللجنة الموقرة الحاج محمد الحداد ،والسيد مضطفى اليعقوبي ،ومحمد أخريف والمرحوم أحمد النخشى وأثناء الحفر وجدنا أربع مستويات الأول عمق 13 ستنمتر والثاني على عمق 85 سنتمتر المشرول والثالث على عمق 1.15 سنتمتر والرابع على عمق 1.53 سنتمتر وكان ذلك بتاريخ 15/08/1987 كما وجدا سورا من الحجر والجبر قياس بعض أحجاره ( 70على 50 23و 50 على 40 على 23 ) يمر بالزاوية الجنوبيةالغربية واخر في شمالها من الشرق الى الغرب .وتعرفنا على سور المطفية المبني بالأجور بالإضافة الى سور من الحجر عرضه 20 سنتمتر يحيط بها فيكون سور المطفية إضافة الى السور الملتصق بها هو 50 سنتمتر. وفي 17/08/1987 وقعت محاولة أخرى لإفراغها وفي هذه المرة ظهر القبو بأجمعه ،وبواسطة قضيب من الحديد حاولنا التعرف على يمين ويسار التنور فكانت المفاجأة التالية وهي دخول القضيب في كلا الإتجاهين ومنا لم نبقى أمام مطفية واحدة،بل هناك شيء آخر غير معروف . ووقع التفكير في إدخال حفارة البلدية (تراكس) الى داخل الجامع وفكرنا في المكان الذي ندخلها منه وأخيرا اهتدينا الى ادخالها من جهة الجنوب بعد حفر مستوى الممر تحت القوس ومرة أخرى تعرفنا على بئر عن طريق الصدفة مبني بالأجور والجير قياساته على الشكل التالي : من الخارج 1.40 متر 1.10 متر ومن الداخل 85 سنتمتر 60 سنتمتر أما العمق فحوالي خمسة أمتار وهو مملوء بالتراب وهكذا سيكون عاملا من عوامل تفسير وظيفة المطفية فيما بعد . وفي 26/08/1987 أدخل التراكس وحفرنا بجانب المطفية واكتشفنا قبو أخر يسار المطفية الأصلية لها تنور قياسه 50/35 سنتمتر ثم كشفنا النقاب عن قبو ثالث من جهة الشمال . وفي 27/08/1987 تعرفنا على القبو الرابع من جهة الجنوب وهو اخر قبو ثم العثور عليه،ثم حفرنا من جانبها فتأكدنا من أبعادها فكان هذا الإكتشاف حافزا على النزول اليها وإفراغها وأثناء الحفر وجدنا سورا من الحجر متجها من الشرق الى الغرب على بعد 1.55 سنتمتر . ثم قام المجلس البلدي بالإتفاق مع شركة الضخ والتطهير شارع الحسن الثاني فاس من أجل افراغها وبعد الإتفاق جاءت الشركة وبدأت في عملها بواسطة الشاحنة المضخة وقضت حوالي أربعة أيام من العمل أخرجت عددا هائلا من الطين ثم انسحبت تاركة نصف البناء المكتشف مملوأ بالطين والماء أخذة 20.000 درهما مدعية أنها وصلت الى مواد صلبة لا يمكن إخراجها بمضختها والواقع أنها ربما تخوفت من سقوط البناء بعد ظهور الأقبية الأربعة من الأسفل وظهور الأقواس والأعمدة واهم ما نتج عن هذه المرحلة بواسطة هذه الشركة هو إزالة التخوفات والشكوك بظهور البناء بأجمعه تاركة التراب على إرتفاع 40 2م فعزمنا على افراغها نهائيا والتعرف على الأماكن التي تأتي منها المياه وعلى أبوابها كانت لها أبواب . ووقع افنتظار الى سنة 1989 وفي 04/07/1989 بدأت الأعمال في إخراج الأتربة والطين والمياه بواسطة عمال من البلدية بطريقة تقليدية حيث أخرجت كمية مهمة من الأتربة والطين والأجور المكسر والأواني الفخارية المختلفة الأنواع والأحجام وبدأنا ننزل اليها كل مرة لمراقبة عملية الإفراغ كان ذلك 7/8/1989 وفي 10/10/1989 . وفي 21/10/1989 انتهت الأعمال ونزلنا للتأكد من ذلك مرة ثانية وأغرب ما وجد في هذا النزول الثالث من الجهة الجنوبية ومقابل البئر الذي وجدناه أثناء ادخال التراكس قادوس قطره 15 سنتمتر في قعر المطفية محاط بالرصاص الملتصق في جدارها بطريقة غريبة . وفي 26/10/1987 نزلنا جماعة السادة ممثل رئيس المجلس البلدي محمد أخريف مصطفى الدبدوبي المكلف بتزويد الجماعة بالمواد من طرف المجلس البلدي،أكنى نجيب المكلف بالمحافظة والمراقبة للهندسة المعمارية الحاج محمد الحداد عن اللجنة المحلية لبناء الجامع، مصحوبين بجهاز كاميرا الفيديو والعمال وقمنا جماعة بالبحث عن باب هذا البناء ولم نعثر بثاثا عم أي منفذ ثم قمنا بأخذ القياسات التي كانت على الشكل التالي : الطول العام للمطفية (10.80 م) من الشمال الى الجنوب الإرتفاع (4.9 م)زائد 2.30م بين ظهر المطفية وأرصية الجامع ، فيكون العمق العام للمطفية من أرض صحن المسجد الى قعرها (6.90م) . عرص المطفية (6.20م) وسورها 30 سنتمتر الإرتفاع من أرضيتها الى الأقواس الأولى (3 م) . تحتوي على أعمدة مربعة عمودية قياس كل عمود ( 63ء63 سنتمتر ) وإذا اتجهنا من الغرب الى الشرق نجد الفرق بين الأعمدة كالتالي 1.56 م ،1.60م ،1.56م ). ب - المعطيات العامة للمطفية : حينما زارت اللجنة الوطنية الفرنسية جامع الأعظم، وأطلعت على ما وجد فيه من أحجار ونقائش رومانية مكتوبة وأخرى غير مكتوبة ، ء صادفت افراغ المطفية ء برئاسة الأستاذين رينé ريبوف اختصاصي في قراءة الكتابة اللاتينية والأستاذ عمر أكزاز. أفادتنا هذه اللجنة أن المطفية ليست بناء رومانيا، وانما هي بناء اسلامي.بالإصافة الى احتوائها على ملاط من الرمل والجير برتقالي اللون موجود في كل جدران المطفية ، وحتى في ارضيتها ، والذي لا زال موجودا لحد الأن. ووجود قادوس صغير قطره( 15سنتمتر). بالإضافة الى علو بناء الذي يصل من أرضية المطفية الى سقفها 4.9 متر ، ووجود أجور مستعمل غريب الحجم ، يصل الى حوالي ( 60ء40ء5 سنتمتر) وهو أجور وان كان قد وجدنا أثناء الهدم مثله، فهو لايصل الى هذا الثياس . كما تحتوي المطفية على تلبيسة مكونة من الرمل والجير ذات اللون الأحمر ( البرتقالي ) . وجود قادوس منطلق من قعر المطفية ومتجه نحو الجنوب، أي نحو البئر الملغى ، وجود مساحة ملبسة بملاط من الرصاص شديدة الإلتصاق بالحائط الذي يتكون من الأجور ويحيط بالقادوس المشار اليه أعلاه على مساحة ( 70ء85 سنتمتر) . وتحتوي ارصية المطفية على رصيف صغير ( 10ء10 سنتمتر) يحيط بأرضيتها ، أما المطفية فتتميز على العموم بصلابة واللون الأحمر أو البرتقالي . تحتوي المطفية على أربع فتحات " تنانير" قديمة مربعة ،اثنان في الوسط واثنان في الجنوب ، منها ما هو مغطى بالأجور ، ومنها ما هو مغطى برحى من الحجر ، وتنور في جهة الغرب ( 53ء54 سنتمتر) ليس أصليا بل انها حفر على أعلى قبو المطفية هذا التنور كان أيضا غير معروف ولما حفرنا على المطفية من الأعلى وجدناه . كما أت تنور المستغل المستغل حاليا ليس أصليا . وجود فادوسين على شكل كوع من الفخار في أعلى جوانب المطفية من الجهة الشرقية أحدها يظهر أنه أضيف بعد البناء لأنه ليس ملبسا من الداخل بخلاف الأخر الذي هو في جهة محراب الجامع ، يلاحظ أن المطفية ملبسة بالجبر والرمل من الخارج أيضا وهي ظاهرة لا توجد في البناء القصري القديم . وهكذا نرى أنها مرة بعدة مراحل ، فقد كانت في البداية تستغل بواسطة التنانير الأربعة المربعة . توجد المطفية اليوم على عمق مترين من صحن الجامع ، والتراب الذي يوجد فوقها ليس أصليا، بل عبارة عن مواد مختلفة من الحجر والعظام وغيرها ، ونظرا لتوالي السنين أستطاع الماء ان يجد له منفذا للمطفية ، فبدأ يخرج من جدرانها في مناطق متعددة .