مع اقتراب موعد اللقاء الكلاسيكي بين الغريمين التقليديين الريال مدريد و البرصا حتى تشحذ الألسنة و تبدأ الحرب الكلامية تستعر بين مشجعي الفريقين ، كل يمني نفسه بانتصار فريقه المفضل على الآخر و الفوز بكأس البطولة . إلى هنا الأمر عادي جدا و لا يثير أي مشكلة ، لكن الأمر في مدينتنا يتجاوز حدود مقابلة في كرة القدم لبلد أجنبي و يصبح سلوكا أقل ما يقال عنه أنه صبياني تقوم به بعض الأطرف من بعض مشجعي الفريقين، فهذا الذي يصرخ داخل المقهى بشكل هستيري بعد تضييع اللاعب لفرصة سانحة و ذلك الذي يرقص كأبله في زفة بعد إحراز فريقه لهدف، و أخر يقوم بتوزيع تين جاف –كأنه في جنازة- تعبيرا عن شماتته من الفريق الخصم المنهزم، و كلمات نابية هنا و هناك تصدر من أناس تلقاهم قبل المقابلة في زي العقلاء ، و بعدها في شكل معتوهين. ذات مساء ألح على صديق مرافقته إلى أحد مقاهي المدينة المجاورة لمقهى روزاليس قصد مشاهدة مقابلة في الكرة القدم تجمع أحد الفريقان اللذان ذكرتهم سابقا و فريقا أخر من البطولة الإسبانية، و حيث أنني لست من هواه مشاهدة هذا النوع من المباريات داخل أروقة المقاهي لكثرة الضجيج و دخان السجائر التي ينفثها مدخنون محترفون فقد ذهبت على مضض و أنا أمني نفسي بالانسحاب في أقرب فرصة . ما إن وصلنا و حجزنا مقعدين حتى جاء نادل و سألنا بفضاضة عن طلباتنا، كعادتي طلبت كأس شاي بالنعناع أما صديقي فقد طلب كأس قهوة، ذهب النادل ورجع بسرعة يحمل كأسين باردين كأنهما أعدا سلفا ، و بدون أن يعري أي اهتمام لنا طلب منا و بطريقة فظة تأدية ثمنهما و كأننا سنهرب بمجرد الانتهاء من احتسائهما، تفهمت مطلبه و قلت في نفسي :أمري لله. إلى هنا الأمور تمشي بصورة طبيعية، فجأة جلس بجواري شخص خمسيني العمر وقور يرتدي طقما كلاسيكيا بربطة عنق جميلة ، و يبدو من شكله أن شخص محترم . رن هاتفه المحمول فأجاب مخاطبه بأدب جام و بعبارات منتقاة، فقلت في نفسي على الأقل سنسعد بالجلوس أمام شخص متزن وقور لن يزعجنا طيلة مدة المقابلة . مرت دقائق امتلأت المقهى عن أخرها بزبناء من كافة الأعمار و الأشكال، و مباشرة بعد أعلن حكم المقابلة بداية المقابلة حتى أخرج مجاوري الوقور من جيبه مذياعا صغيرا و ضبطه على إذاعة أسبانية حتى يستمع إلى المعلق الرياضي الأسباني لتلك المباراة، فجأة و بعد توالي محاولة فريقه المفضل حتى "طارت" رزانته و ضاعت هيبته و صار يصرخ يمينا و شمالا عن تعبيرا عم امتعاضه من "فرصة ضائعة" و يتلفظ مع مجاوريه بألفاظ سوقية مستعملا تارة الدارجة و تارة أخرى عبارات أسبانية رديئة يندى لها الجبين، وبصاق يتطاير هنا و هناك، تكرار عبارة "نحن سوف نفعل لكم.....و أنتم ....."، بالإضافة إلى حركات جنسية مسخة، حيث اضطرني في نهاية الأمر إلى مغادرة المقهى بعد نصف ساعة من بداية المقابلة. حقيقة تساءلت في نفسي عن أي جنس ينتمي إليه هذا "المشجع"، و هل لمباراة عادية أن تجعل سلوكه بشعا مقززا تقشعر له الأبدان، و ينقلب فجأة 180 درجة من رجل رزين إلى آخر متصبين ، ثم لماذا يستعمل بحماسة زائدة عبارة"نحن"؟ هل يعتقد أنه أسباني الدم أو الأرض؟ ثم ما سيستفيد بعد نهاية المقابلة، هل ستمنح له جائزة أحسن مشجع ؟ و ماذا عن فريق المدينة المغلوب على أمره الذي لا يجد أحيانا النقود حتى لشراء الوقود من أجل التنقل للعب في مدينة العرائش ؟هل سوف نحل مشاكل مدينتا بالحديث اليومي عن اللقاء الكلاسيكي؟ . *العاصمة ملابو، جمهورية غينيا الاستوائية. شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com