يشكل المقهى، الفضاء الأثير لدى أدبائنا - كتاب القصة بالأخص- بمختلف أجيالهم.حيث لا تكاد تخلو مجموعة من مجاميعهم القصصية،من تناول هذا الفضاء وما يحبل به من وقائع ونزوات. هناك من يعتبر المقهى عالمه الأدبي، بحيث أنه لا يستطيع الكتابة عن شيء آخر، خارج هذا العالم بالذات. نلتقي هنا إذن، مع المقهى في مختلف تلاوينها ومسمياتها: الحانة، المقشدة، الكافتريا، المثلجات، المطعم، البوفيت، النادي الليلي..من هذه الفضاءات، ما هو وضيع، ومنها ما هو باذخ، أو حسب تعبير أحد الأدباء:»مكان نظيف وجيد الإضاءة». من هذه الفضاءات كذلك، ما هو محترم، ومنها ما يشكل بؤرة فساد. كل ذلك يجسد غنى وثراء لذخيرة السرد المغربي. *** الزبون: إذا كان الأمر يتعلق بالرقص، فيمكن أن أستجيب لطلبك دون هذا الكرسي، أبعديه عني، وسأراقصك حتى الصبح، فأنا أحب الرقص. النادلة: لا أبدا. أنا لا أصدقك. بل لا أصدق أحدا. كل الرجال كذابون وخائنون. ما إن أخلصك من الكرسي، حتى تهرب مني، أنا أعرفكم جيدا. «تنخرط في البكاء بصوت مرتفع». الزبون «تظهر على ملامحه سيماء التفكير». ولكن كيف سأرقص وأنا على هذه الحال؟ النادلة «تضحك فجأة»: إنك تستدرجني. اعترف. الزبون: لا أبداً. أنا فقط أرغب في تلبية طلبك بشكل سليم. النادلة «علامات الغضب تبدو على ملامحها. تتناول سوطاً، وتضرب الرجل»: أنت تكذب. كلكم كذلك. كذابون وخائنون. الزبون «متألماً»: أي. ما هذا. أنا لا أكذب. النادلة «تضربه مرة أخرى»: اعترف وإلا أشبعتك ضرباً. الزبون: بماذا أعترف؟ النادلة: بأنك تكذب. الزبون «متألماً»: أي أي. يكفي. يكفي. نعم نعم أكذب. النادلة: وأخيراً اعترفت. «ترقص فرحاً. تتوجه نحوه. الرجل يرتعد خوفا»: كلكم هكذا. أنا أعرفكم جيداً. «فجأة تكف عن ضربه. ثم تنخرط في بكاء مرير.» الزبون: ولكن يا سيدتي كيف سأرقص والكرسي يلتصق هكذا بظهري؟ النادلة: أنا بالضبط أريدك هكذا. أريد أن أراك ترقص على هذا الشكل. سأمتع نفسي بمنظر رجل مضحك. الزبون: ولكن يا سيدتي. أنا لم أخطئ في حقك، فلم تعاقبينني هذا العقاب القاسي؟ النادلة «حزينة»: لو كنت مكانه، لما تورعت عن معاملتي كما عاملني ذلك الخائن. الزبون «يظهر علامات التعاطف»: ماذا فعل بك سيدتي؟ النادلة «تشعر بنوع من الاسترخاء»: لقد أهانني ثم هجرني. الزبون: لم لا تحكين لي قصتك، أنا مستعد للاستماع. النادلة «يومض في عينيها الفرح. تدنو منه بخطوات هادئة وكأنها مستلبة» : إنها حكاية طويلة. الزبون «ما إن تصبح النادلة في متناول يده، حتى يرتمي عليها. يمسكها من شعرها بقوة»: الآن وقعت في يدي. النادلة «باكية»: أرجوك أرجوك لا تؤذيني. الزبون: خلصيني من الكرسي، وإلا لن أفلت شعرك من قبضتي. النادلة «باكية»: كيف سأخلصك منه، وأنت تمسكني من شعري. أي أي. إنك تؤلمني. الزبون: أبداً لن أتركك قبل أن أتخلص من هذا الكرسي اللعين. «يدور حول نفسه، والنادلة تدور معه وهي تبكي» فجأة يتعثر الزبون. يسقط أرضاً. يتخلص من الكرسي. تقف النادلة أمامه في وضع بئيس، وهي تصرخ مستعطفة: أرجوك لا تعاقبني. انتظر انتظر، سأحضر لك القهوة حالاً. تركض خارجة من باب المقهى. منذهلاً يقف الزبون في مكانه يشيعها بنظرات شاردة. ودون وعي منه يتقدم بخطوات متعبة نحو الكرسي. يجلس. فجأة وكأنه يستفيق من حلم عميق، ينتفض، يحاول الوقوف للانصراف. فيكتشف أنه عالق في الكرسي من جديد!