يشكل المقهى، الفضاء الأثير لدى أدبائنا - كتاب القصة بالأخص- بمختلف أجيالهم.حيث لا تكاد تخلو مجموعة من مجاميعهم القصصية، من تناول هذا الفضاء وما يحبل به من وقائع ونزوات. هناك من يعتبر المقهى عالمه الأدبي، بحيث أنه لا يستطيع الكتابة عن شيء آخر، خارج هذا العالم بالذات. نلتقي هنا إذن، مع المقهى في مختلف تلاوينها ومسمياتها: الحانة، المقشدة، الكافتريا، المثلجات، المطعم، البوفيت، النادي الليلي..من هذه الفضاءات، ما هو وضيع، ومنها ما هو باذخ، أو حسب تعبير أحد الأدباء:»مكان نظيف وجيد الإضاءة». من هذه الفضاءات كذلك، ما هو محترم، ومنها ما يشكل بؤرة فساد. كل ذلك يجسد غنى وثراء لذخيرة السرد المغربي. *** - المكان: مقهى موحش في مكان منعزل يطل على أمواج المحيط. على امتداد أرضية المقهى تتوزع مناضد تحيط بها كراس من الخوص. في إحدى الزوايا، يقتعد الزبون كرسيا. أمامه على المنضدة كتب وجرائد وآلة التصوير. - الزمان : أصيل يوم خريفي. النادلة تلمح الزبون الجديد، تحمل صينية. تتقدم نحوه بخطوات رشيقة مبالغ فيها. تتوقف أمامه، وابتسامة رحبة تستلقي على شفتيها: ماذا تطلب سيدي؟ الزبون: قهوة سوداء من فضلك. النادلة: هل ترغب في أي شيء آخر بالإضافة إلى قهوتك السوداء؟ الزبون «مندهشاً» : ماذا تقصدين؟ النادلة: فقط كنت أتساءل إن كانت نفسك تشتهي أي شيء آخر؟ الزبون «في تبرم»: قلت لكِ قهوة سوداء، هل هذا لا يكفي؟ النادلة «تتسع ابتسامتها أكثر، محاولة أن تتخذ هيئة مغرية»: لا يا سيدي، القهوة تكفي. لكن ألا ترى معي أن تحملك كل هذه الطريق للوصول إلى هذا المكان النائي من أجل قهوة سوداء يعد ضرباً من الحمق؟ الزبون ..»يلتفت حوله ،فلا يرى أحدا. ينظر مليا إلى النادلة»: - في رأيك ماذا يمكنني أن أطلب أكثر؟ النادلة «بصوت متغنج»: أن ألتقط لك مثلاً صورة. أليس هذا المكان الجميل مغرياً بالتقاط الصور التذكارية؟ فخلفية البحر لا تعوض. الزبون «غاضبا»: وما دخلك أنتِ في هذا الأمر؟ أرجوك أحضري كأس القهوة بسرعة، وإلا شكوتك إلى صاحب المقهى. النادلة: أنا يا سيدي صاحبة المقهى. يبدو أنك غريب عن هذا المكان. بالطبع أنت غريب، فأنا أراك هنا للمرة الأولى. الزبون: يبدو أنني أسأت الاختيار، لا أرغب في أية قهوة. سأغادر حالاً. يحاول الزبون الوقوف، لكنه لا يستطيع ذلك. الكرسي يلتصق بظهره، يقوم بحركات اعتباطية، تشي بارتباكه وتضايقه. فيما تستغرق النادلة في قهقهة متواصلة، وهي تتطلع إليه بنظرات ساخرة. الزبون: ماذا يحدث؟ ما هذا المكان الغريب؟ كيف يلتصق هذا الكرسي اللعين بي؟ النادلة: ألم أقل لك بأنك غريب؟ لكي تتخلص من الكرسي لزاماً عليك أن تطيعني. الزبون «دهشته تتحول تدريجياً إلى خوف.يحملق في النادلة بوجل»: ماذا تريدين مني؟ بماذا تأمرينني؟ أرجوك أبعدي عني هذا الكرسي. - النادلة «تكاد تطير من الفرح. تضع الصينية جانباً». فجأة تنخرط في سورة من الغناء والابتهاج، وهي تردد: «لقد وقعت. لقد وقعت.» الزبون «يدور حول نفسه في وضع مزر. وهو لا يكاد يصدق مما يحدث شيئاً»: من أنتِ؟ وماذا تريدين مني؟ النادلة «بطريقة استعراضية تتخلص من ملابس النادلات. تصفف شعرها. تتناول مرآة وتشرع في تزيين وجهها»: إذا أردت أن أخلصك من الكرسي، سترقص معي. لقد مر زمن طويل دون أن يراقصني أحد. يبدو أن الجميع فطن إلى حيلتي، فلم أعد أحظى بفرصتي. لكنك وقعت بين يدي لأنك غريب، ولن أفلتك من قبضتي أبدا.