أثار انتباهي صراخ خارج من فضاء المقهى المجاور .تكرر الصراخ وصحبه صفير وضرب على الطاولات .فسألت النادل ما الأمر؟ اليوم يوم خميس وبطولة المغرب تجرى عادة يوم الأحد، وليس في علمي إن كان المنتخب المغربي يواجه منتخبا آخر خاصة وأنه ما زال لم يفق بعد من صدمة كأس أفريقيا الأخير بل ما زل يبحث عن مدرب لأسوده؟ فأجابني النادل إنها مباراة في كرة القدم بين فريق من اسبانيا وآخر من ألمانيا والنتيجة لصالح الأسبان .زاد استغرابي وفضولي لأنني لم أفهم بعد العلاقة بين المقابلة لفريقين أجنبيين والحماس الشديد لجمهور المقهى الذي يتابع أطوار اللقاء بجميع جوارحه فيشجع فريقا دون الآخر وكأن الأمر يتعلق بمقابلة مصيرية لفريقنا الوطني أو إحدى الفرق المحلية التي تمثلنا في المحافل الرياضية الدولية . وحاولت إيجاد تفسير مقنع للمسألة وقلت ربما هذا نوع آخر من الحريك لهذا الجمهور المهووس بالهجرة إلى الضفة الأخرى حيث يعتقد العيش الرغيد و حياة الرفاه ،وانتبهت أن هذا الأمر يتكرر يوميا تقريبا تجد جمهورا من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية موظفون في أسلاك الوظيفة العمومية وسلك الأمن والسلطات المحلية والعاطلون والطلبة ..يأخذون أماكنهم أمام شاشات البلازما العملاقة لمتابعة مبارياتلاليكا الاسبانية والكالسيو الايطالية و البوندسليكا الألمانية يعرفون الفرق واللاعبين كما يعرفون أبناءهم يوضح النادل وهو يرسم ابتسامة ساخرة على شفتيه.فتساءلت ما الأمر إنهاحقا ظاهرة تستدعي دراسات متخصصة لعلماء الاجتماع والنفس ،فتذكرت استطلاع الرأي الذي أنجزه الإعلام لما نظمت الولاياتالمتحدة كاس العالم لما سألوا المواطنين الأمريكيين عن مدى معرفتهم كرة القدم فكان جواب العديد منهم أنهم يجهلون هذا النوع من الرياضة وكل ما يعرفونه هو الفوت بول اميركان فضربت الأخماس في الأسداس وحاولت إيجاد إجابة مؤقتة تدنو من الحقيقة في انتظار اهتمام علمائنا الأجلاء في النفس والاجتماع بهذه الظاهرة فهي واحدة ضمن ظواهر أخرى تتناسل في مجتمعنا دون أن تحضى بأي اهتمام لا رسمي ولا أكاديمي ولا حتى من الهواة ..فحاولت تحويل انطباع بداخلي وقلت لنبدأ بظاهر الأشياء على أن يتولى الراسخون في العلم الغوص في أعماقها. وقلت أولا ربما يثير هذا الجمهورالنقل التلفزي المحترف والتقنيات العالية للتصوير التي تبعد كل البعد عن نظيرها عند الزملاء في دار البريهي وأعطابها المتكررة الخارجة عن إرادة الجميع ،وقلت أيضا كيف لا يتحمسون لمتابعة المباريات إذ تكفي مشاهد هذه الملاعب وتناسق هندستها وجودة عشبها وحجم طاقة استيعابها لوحدها لأن يحشد جمهور عريض من المهتمين والمعجبين بعيدا عن ملاعبنا التي يدخلها اللاعب قويا كالحصان ويحرج منها في أحسن الأحوال بعاهة قد تلازمه طول حياته؟ وقلت كذلك كيف لا يهيم جمهور المقاهي بهذه البطولات الأجنبية، واللاعب الواحد أصبح ثمنه يساوي أو يفوق ميزانية جماعات محلية أو وزارات بأكملها ناهيك عن حقوقه وواجباته ونقابته ..كيف لا يدمن هذا الجمهورعن حب الفرق الأجنبية ويعانق المنتصر فيها ويواسي الخاسر دون جواز سفر؟ فاقتنعت مبدئيا أن هذا الجمهور هو جمهور ضالته الجودة، هو فقط جمهور بلا حدود.