عرفت الإدارة المدرسية تطورا على مستوى الأداء، حيث انتقلت من مرحلة التسيير الإداري المرتكز على الزعامة والسلطوية وتنفيذ القرارات، إلى مرحلة التدبير التربوي الذي يعتمد التدبير التشاركي كمقاربة تراهن على تعبئة وانخراط مختلف الفاعلين من أجل المشاركة في اتخاذ القرار وتنفيذ الاستراتيجيات. إذ لم تعد الإدارة المدرسية تقتصر على تسيير شؤون المؤسسة بالأسلوب القديم، الذي يتجلى في المحافظة على النظام في المدرسة والتحقق من سيرها وفق نظام معين، ومراقبة حضور المدرسين والتلاميذ وتغيباتهم، بل أصبح اهتمام الإدارة مركزا على المتعلم والسعي إلى توفير الظروف والإمكانات التي تساعد على توجيه نموه العقلي والوجداني والاجتماعي، ليصبح مواطنا صالحا. حيث"أصبح تحقيق الأغراض التربوية والاجتماعية حجر الأساس في الإدارة المدرسية بعد أن كان يضيع فيما مضى وسط الاهتمام بالنواحي الإدارية"[1]، ولا يعني هذا التحول في اهتمامات الإدارة المدرسية التقليل من شأن الجانب الإداري بل يعني أن الإدارة المدرسية أصبحت تؤمن بأولوية العملية التربوية الاجتماعية وتوجيه الوظائف الإدارية لخدمة هذه العملية الرئيسية. هذا التطور في أداء الإدارة المدرسية جاء نتيجة تغيير النظرة نحو العملية التربوية ككل، فتغيير هذه النظرة نتج عنه تغيير في الاتجاه نحو الإدارة المدرسية، ذلك أن البحوث النفسية والتربوية الحديثة كشفت عن أهمية الطفل كفرد، وأهمية الفروق الفردية، وأصبحت العملية التربوية تهتم بنمو شخصية الطفل في جميع نواحيها، وتأخذ بعين الاعتباراستعدادته وميولاته وحاجياته ، مع إبراز دور الأستاذ(ة) في توجيهه لبناء تعلماته. مما فرض على الإدارة المدرسية تطوير أدائها والخروج من الاهتمام المطلق بالأعمال الإدارية الروتينية إلى تركيز اهتمامها على الطفل بشكل عام والمتعلم بشكل خاص. كما أن عناية المدرسة بتفعيل الحياة المدرسية بكل تجلياتها، وانفتاحها على المجتمع، وباعتبار التربية ميدانا تطبيقيا لتخصصات علوم التربية، ومن ضمنها علم الاجتماع التربوي كعلم يختص بدراسة مختلف مظاهر وظواهر الحياة الاجتماعية ومؤسساتها، ويعتبر التربية عملية اجتماعية ثقافية، مما جعل المدرسة تعنى بدراسة المجتمع والمساهمة في حل مشاكله والعمل على تحقيق أهدافه، بالإضافة إلى الاهتمام بنقل تراثه الثقافي، وتوفير كل الظروف المساعدة لإبراز ذاتية ومؤهلات متعلميها. مما انعكس على طريقة أداء الإدارة المدرسية، وأدى إلى ظهور مفهوم جديد لها يستحضر المدرسة في قلب المجتمع. ومن جانبها لم تكن الإدارة المدرسية المغربية استثناء لهذا التطور، حيث عرفت مجموعة من التحولات ارتبطت بالإصلاحات الكبرى والمتتالية التي عرفتها المنظومة التربوية ، فمنذ فجر الاستقلال اعتبرت الإدارة التربوية امتدادا للإدارة العامة داخل مؤسسات التربية والتعليم وذلك من خلال المشرفين عليها شكلا وأداء، فالإداري أو المرشد التربوي لم يكن أكثر من منفذ لتوجيهات مملاة من فوق، منفذا في كل ممارساته التدبيرية للتشريعات والقوانين المنظمة للعمل والعلاقات، والتي غالبا ما كان شغلها الشاغل هو الانضباط على مستوى المواظبة أو الضوابط المهنية من جهة، وحماية المؤسسة ومراقبتها من جهة أخرى. إن الاهتمام انصب - خلال محطات الإصلاح التربوي ببلادنا- على الممارسات البيداغوجية الحاصلة خاصة بين المدرس والمتعلم وأغفل الإدارة المدرسية على صعيد المؤسسة، غير مستحضر أن الإدارة المدرسية تنخرط في علاقة عميقة وجدلية بكل مكونات العملية التعليمية التعلمية، انطلاقا من المتعلم فالأستاذ فالطرائق والمناهج والبرامج وغيرها وكل ذلك في إطار الاستراتيجية العامة للبلاد. لقد كرس هذا التقصير في إبراز أهمية الدور الذي يمكن أن تنهضه الإدارة التربوية خارج النظرة التشريعية الجافة اعتقادات تبنتها أجيال كثيرة من الإداريين والمسؤولين تؤمن أن الإدارة التربوية، هي غاية في حد ذاتها وليست وسيلة، بل هي عملية روتينية تستهدف تسيير الشأن التربوي للمؤسسة وفق تشريعات مملاة من فوق، أو نوع من التقاعد المبكر أو مغادرة طوعية قبل الأوان للهروب من المسؤوليات الجسيمة للقسم والتحول من موقع المرؤوس إلى موقع الرئيس. هكذا، كان لابد لمبادرة الإصلاح الأخيرة، والتي أسفرت عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين،أن تعترف في مجال التسيير والتدبير أن نظام التربية والتكوين، لابد أن ينظر إليه كبنيان يشد بعضه بعضا، حيث تترابط هياكله ومستوياته وأنماطه في نسق متماسك ودائم التفاعل والتلاؤم مع محيطه الاجتماعي والمهني والعلمي والثقافي، وبالتالي فإن الاهتمام لابد وأن ينصب على كل لبنات هذا البنيان، ومنها الإدارة التربوية،وأن يؤهلها لتكون قوية، وذلك بالتكوين والتأطير والتأهيل في مجال الإدارة التربوية، ليجعلها وسيلة لتبليغ رسالة الفعل التربوي المتمثلة في تكوين الإنسان المواطن، وتنمي لديه المهارات والخبرات التي يحتاجها لخدمة نفسه ووطنه.[2] هكذا إذا، لم تعد الإدارة التربوية غاية في حد ذاتها، بل أصبحت بوابة للإصلاح ووسيلة هدفها تحقيق العملية التعليمية التعلمية في مغزى اجتماعي وإنساني محض، لذلك كان العمل على صقل شخصية الإداري وإثراء مؤهلاته هو المدخل الرئيسي للخروج بالممارسة الإدارية إلى دائرة الضوء، وبالتالي الانتقال من مرحلة الإدارة ذات التسيير الكلاسيكي، إلى مرحلة الإدارة الحديثة المرتكزة على التدبير التربوي، عن طريق تحديث الإدارة ودمقرطة أساليبها وانفتاحها على ألآخر، وهو انتقال رهين بإعادة النظر في الوظيفة نفسها وفي المقاربات التدبيرية التي تعتمدها. مصطفى بتي مفتش تربوي- أزيلال - 1حسن مصطفى وآخرون، اتجاهات جديدة في الإدارة المدرسية،القاهرة، دار الجيل للطباعة ،ط.2، 1965،ص.3 2-"المواصفات المهنية لمدير المدرسة الابتدائية العمومية بين الواقع ورهان الإصلاح"، بحث تربوي لنيل دبلوم مركز مفتشي التعليم، من إنجاز مصطفى بتي وعبد الهادي بوخاري، تحت إشراف الأستاذ المصطفى حمدي، 2011