تواجه دول العالم المختلفة ، وخاصة الدول النامية في العصر الحديث ، تحديات أساسية تدور كلها حول كيفية تحقيق مستويات عالية من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لأبنائها والحفاظ على مركزها في مجتمع الدول وهو رهان لا يتأتى كسبه إلا من خلال التعلم والتربية ، لأنهما المسلك الوحيد لصناعة الإنسان والرأسمال الحقيقي للمجتمع ، فالثورة العلمية والمعرفية والتكنولوجية في هذا العصر وما يصاحبها من التفجر السكاني والحراك الاجتماعي ، والتغير الاجتماعي في المجالات المتعددة وما يسوده من انفتاح على العالم جعل من التعلم والتربية والثقافة وسيلة للتسابق والتنافس وبذل الجهود الحثيثة لمواكبة المستجدات وبالتالي ، فإن كل الجهات المسؤولة عن هذه الوسيلة ، كان لا بد من تحديثها ، حتى تتسنى لها مجاراة الإيقاع الكوني المتطور والمتجدد باستمرار . وذلك من خلال تأهيل بنياتها المادية والبشرية للرفع من وتيرة وجودة إنتاجيتها وتطوير أداء عنصرها البشري . وبما أن مؤسسات التربية والتعليم ، هي الفضاء الرسمي لممارسة الفعل التربوي التعليمي فهي قطب من الأقطاب المهمة لإرساء قواعد مبادرات تنمية الأمة وتطويرها . ولعل هيآت الإدارة التي تتحمل مسؤولية تسيير هذه المؤسسات ، هي الراعية المباشرة لشتى مراحل تحميل الفرد محتويات الحقن الإيديولوجية وبنائه عقليا ووجدانيا ، وتنفيذ العملية التربوية على أكمل وجه . لذلك ، كان لا بد لهذه الهيآت أن تستأثر بالاهتمام ، وتصبح مسألة تطويرها من أهداف الاستراتيجية العامة للبلاد . الإدارة التربوية من الغاية إلى الوسيلة : منذ فجر الاستقلال ، اعتبرت الإدارة التربوية بمثابة حضور للمخزن داخل مؤسسات التربية والتعليم ، وذلك من خلال المشرفين عليها شكلا وأداء ، فالإداري أو المرشد التربوي ، لم يكن أكثر من منفذ لتوجيهات وأوامر مملاة من فوق ، معتنقا في كل ممارساته التدبيرية التشريعات والقوانين المنظمة للعمل والعلاقات ، والتي غالبا ما كان شغلها الشاغل هو الانضباط على مستوى المواظبة أو الضوابط المهنية من جهة ، وحماية المؤسسة ومراقبتها من أي اختراق للممارسة النقابية أو السياسية أو غيرها من جهة ثانية . ولأن هذه النظرة التشريعية للإدارة التربوية هي التي زكتها اختيارات الدولة في بادئ الأمر ، فإننا إثر الجرد الكرونولوجي لمختلف محطات الإصلاح التربوي ببلادنا ، نلاحظ كمهتمين وممارسين ، أن الاهتمام انصب على « الممارسات البيداغوجية الحاصلة خاصة بين المدرس والمتعلم وأغفل جوانب أخرى فاعلة ومؤطرة لفعلي التعليم والتعلم ، خاصة الإدارة التربوية عل صعيد المؤسسة « غير مستحضر أن الإدارة التربوية تنخرط في علاقة عميقة وجدلية بكل أساسيات العملية التعليمية التعلمية ، انطلاقا من المتعلم فالأستاذ فالطرائق والمناهج والبرامج وغيرها وكل ذلك في إطار الاستراتيجية العامة للبلاد . لقد كرس هذا التقصير في إبراز أهمية الدور الذي يمكن أن تنهض به الإدارة التربوية خارج النظرة التشريعية الجافة اعتقادات تبنتها أجيال كثيرة من الإداريين والمسؤولين وغيرهم تؤمن أن « الإدارة التربوية ، هي غاية في حد ذاتها وليست وسيلة ، بل هي عملية روتينية تستهدف تسيير الشأن التربوي للمؤسسة وفق تشريعات مملاة من فوق ، أو نوع من التقاعد المبكر أو مغادرة طوعية قبل الأوان للهروب من المسؤوليات الجسيمة للقسم والتحول من موقع المرؤوس إلى موقع الرئيس» . هكذا ، كان لابد لمبادرة الإصلاح الأخيرة ، والتي أسفرت عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، أن تعترف في مجال التسيير والتدبير العامة أن نظام التربية والتكوين ، لابد أن ينظر إليه «كبنيان يشد بعضه بعضا ، حيث تترابط هياكله ومستوياته وأنماطه في نسق متماسك ودائم التفاعل والتلاؤم مع محيطه الاجتماعي والمهني والعلمي والثقافي ، وبالتالي فإن الاهتمام لابد وأن ينصب على كل لبنات هذا البنيان ، ومنها الإدارة التربوية ، وأن يؤهلها لتكون قوية ، وذلك بالتكوين والتأطير والتأهيل في مجال الإدارة التربوية ، ليجعلها وسيلة لتبليغ الرسالة الإنسانية للفعل التربوي تشارك في صناعة الإنسان المحب والمنتمي للوطن ، وتنمي لديه المهارات والخبرات التي يحتاجها لخدمة نفسه ووطنه . الإدارة التربوية بوابة الإصلاح : هكذا إذا ، لم تعد الإدارة التربوية غاية في حد ذاتها ، بل أصبحت وسيلة إلى غاية هدفها تحقيق العملية التعليمية التعلمية في مغزى اجتماعي وإنساني محض ، لكن هذا المعطى الجديد ، وجد أمام ترسبات قديمة من الصعب التخلص منها ، وهي في غالبيتها مرتبطة بشخص الإداري ، ومدى كفاءته المهنية واستعداده للتغيير ، إضافة إلى براثن البيروقراطية التي لم تؤكد له جدوى هذا التحول و مبتغاه ، بل كرست وتكرس سياسة الأوامر والإملاءات الفوقية المطوقة للعمل الإداري بانشغالات ثانوية لا تخدم مشروع الإصلاح الكبير . لذلك ، فإن العمل على صقل شخصية الإداري وإثراء مؤهلاته ، هو المدخل الرئيسي للخروج بالممارسة الإدارية إلى دائرة الضوء ، وبالتالي الانتقال من مرحلة الإدارة الكلاسيكية ، إلى المرحلة الحداثية المستمدة روحها من تجليات مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تقطعها البلاد ، بمعنى تحديث الإدارة ودمقرطة أساليبها وانفتاحها على الآخر ، وهو انتقال رهين بإعادة النظر في الوظيفة نفسها ، وذلك بتطوير نظم داعمة للقرار التربوي وتعزيز القدرة في مجال التسيير والتدبير والتخطيط والمراقبة التربوية أيضا ، عبر إرساء ثقافة جمع المعلومات الصحيحة ومعالجتها وتحليلها ثم استخدامها في عملية صنع القرار وعبر إرساء ثقافة التشاور والتشارك والمبادرة ، ولعل التكوين الذي بادرت إليه الوزارة في إطار التعاون المغربي الكندي «بروكاديم» مشروع دعم القدرات المؤسستية في تدبير الشأن التربوي وتفعيل اللامركزية واللاتركيز في النظام التربوي المغربي ، والذي استفاد منه عدد من الإداريات والإداريين في مختلف مناطق التراب الوطني ، قد قرب الجميع من قواعد التدبير التشاركي الذي ينشده الإصلاح ، وأوضح كيف يمكن للإدارة أن تبث الفكر التشاركي في الحياة المدرسية وتشرك الفاعلين من باب التآزر لا من باب المفاضلة والتجاذبات المجانية ، فكيف يمكن للإدارة إذا ، أن تلعب هذا الدور ، وعلى أي مستوى تستطيع ذلك ؟ دور الإدارة التربوية في إرساء قواعد التدبير التشاركي : على المستوى الاستراتيجي : لا شك أن المؤسسة التعليمية في إطارها الحالي ، المستمد من روح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومقتضياته ، باتت فضاء لتوقيع تغيرات جذرية في الممارسات اليومية لمختلف الفاعلين في المشروع التربوي على كل المستويات ، وبات التدبير للشأن التربوي من جهته سلسلة عمليات متفاعلة بإيجابية مع الحياة المدرسية وكل من يؤثر فيها ، وذلك وفقا لاستراتيجية عامة تسطرها الدولة بما يتماشى والمشروع المجتمعي الكبير ، وهي الاستراتيجية التي لا بد أن تمتح منها الإدارة التربوية في كل عمليات التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة والتقويم لما يتم إنجازه محليا . وبما أن سياسة اللامركزية واللاتمركز ، تقضي بتفويض صلاحيات للإدارة التربوية في إطار تبني نهج التدبير عن قرب وبما أنه لا مؤسسة تعليمية بدون تخطيط استراتيجي وبدون ميثاق أو مشروع تربوي ،فإن الإدارة التربوية مدعوة لاتخاذ المبادرة على قاعدة مفهوم القيادة التشاركية ، لأن الإدارة مسؤولية جماعية لا يستطيع أن يتحملها شخص واحد وإنما تضافر جهود كل الفاعلين من داخل وخارج المؤسسة ، وبالتالي ، فإن برنامجا مشتركا متكاملا ومقنعا ومثيرا للاهتمام وتصورا واضحا لخطط العمل المحتملة والممكنة وضبط الحيثيات من أهداف ووسائل وغلاف زمني ومتدخلين وفاعلين والمحتمل من النتائج والخطط الوقائية والبديلة ، وقدرات تواصلية نافذة لإقناع الآخر وتعبئته وإثارة التزامه ومسؤوليته... كلها مهام تندرج ضمن استراتيجية العمل على قاعدة تشاركية تعاونية من شأنها أن تحرر القوة الإبداعية للفاعلين وتحسن أداءهم . والإدارة التربوية كآلية لتحسين الأداء في شموليته ، مدعوة لبث قيم التشارك وتحسيس الآخر بالانتماء عبر زرع الثقة وثقافة المؤازرة والتكامل والانسجام فيما بين كل الفاعلين من ممثلين في مختلف المجالس وعلى رأسها مجلس التدبير إضافة لجمعية الآباء والأولياء والمنتخبين وقدماء التلاميذ ومختلف فعاليات المجتمع المدني ... على المستوى التنظيمي : إن الإطار العام للاشتغال على قاعدة تدبير تشاركي ، يملي هيكلة مدروسة لفرق العمل ، فرق يحكمها بقدر كبير تصور موحد وقيم مشتركة تضمن التزام الفاعلين وإخلاصهم ، إذ يتحملون جزءا من المسؤولية وينخرطون بصورة مباشرة في اتخاذ القرار ويؤثرون فيه ويسهرون على تنفيذ الموفق منه . إن مطالعتنا للتعريف الذي تتبناه الجهات الرسمية للتدبير التشاركي ، تؤكد أن هناك قناعة بضرورة الاعتراف بالآخر ، وأن القرار النابع من التشاور والتشارك ميزته الاحتمالات الضعيفة للوقوع في الخطأ وتوافر الثقة بين المدبرين والمتدخلين والفاعلين ، ونجاعة تواصلية وحكامة جيدة ، وبالتالي فإن الأداء التنظيمي بشكل عام يكون أحسن ، فالتدبير التشاركي حسب التعريف هو» أسلوب تدبير يسمح باستثمار القدرة الإبداعية لمختلف الفاعلين في مختلف مراحل اتخاذ القرار بهدف التوصل للنتائج المنتظرة في مختلف مجالات عمل المؤسسة « إنه أسلوب حداثي في ممارسة المسؤولية التربوية التي ترمي أولا وأخيرا إلى صناعة المواطن العارف الصالح لنفسه ولوطنه ، وترمي كذلك إلى تحمل المجتمع مسؤولية بناء نفسه بمعية المؤسسة التعليمية التي هي منه وإليه ، ومن ثمة ، فالمهام تقتسم فيما بين المتدخلين سواء الأساتذة أو التلاميذ أو نساء ورجال الإدارة أو مجلس التدبير أو جمعية آباء وأولياء التلاميذ أو السلطة أو الجماعات المحلية أو فعاليات أخرى من المجتمع المدني، و نفس الشيء بالنسبة لوسائل العمل والبنيات كما توضح المسؤوليات والوظائف وتنظم الموارد الممكنة في إطار خطة عمل مشتركة أساسها الإصغاء والتفهم والثقة والتعاون والواقعية والاعتراف والإنصاف . على المستوى الإجرائي : إن الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التنفيذ ، عملية تتطلب من الإدارة التربوية وضع برنامج تنشيطي لاستنفار الجهود ، أساسه تفعيل نظام إشراف ومراقبة لخط العمل المرسوم لتحقيق الأهداف المنشودة ، وذلك باستعمال كل المحفزات الممكنة وتبني سياسة التشاور في كل مراحل الإنجاز ، مع إيلاء الكفاءة والخبرة والفعالية والتمثيلية للجنسين ما تستحقه من اهتمام ، على اعتبار أن المقاربة التشاركية تعتمد نبذ البيروقراطية وتتجاوز الاتكالية وتقوم على الأخذ والعطاء والإسهام الفعال لكل الأطراف ومصاحبة المدبر للشأن التربوي ودعمه فيما يخدم مصلحة المؤسسة . ليس نظام المراقبة في المقاربة التشاركية ، بمثابة وصاية تلغي الآخر وتسن الطروحات الجاهزة ، بل هو استحضار واع لمحدودية الجهد البشري وطاقته ، ومعاينة بناءة لممارسة الفاعلين ونظرة نقدية أساسها تقدير الجهود والتساؤل بمرونة حول النتائج الملحوظة بالمقارنة مع الأهداف المسطرة ، كما أنها مجال لطلب آراء المعنيين بالقرارات المهمة وأخذها بعين الاعتبار مع مراعاة متطلبات المؤسسة . إن نجاح أي مشروع على المستوى الإجرائي ، رهين بمدى فاعلية آليات التنفيذ لما سبقت برمجته ، ولكنه وبدرجة أكثر أهمية رهين بأسلوب الإدارة التربوية في استنهاض الهمم وتحسيسها بالانتماء والجدوى ، فهل يا ترى يتأتى لها ذلك ؟ أم أن هناك إكراهات تجعلها كثور المصارعة ، ما إن يلج حلبة الصراع ويهفو صادقا لإثبات ذاته ، حتى ينغرز قرناه في ملاءة حمراء تحجب الفراغ . التدبير التشاركي بين الإطار المرجعي وإكراهات التحقق : إن التدبير التشاركي كاختيار ، معناه ممارسة المسؤولية في مفهومها الجديد ، المبني أساسا على قيم الإنصات والانفتاح على الواقع ، والحوار مع مختلف الفاعلين والإبداع والاجتهاد في ابتكار الحلول الناجعة للقضايا والإكراهات المطروحة ، لكن ، هل هذه الممارسة تستطيع أن تمضي في أجرأة ما جاء به الإطار المرجعي دون أن تصطدم بعراقيل وإكراهات تتجاوز إمكانات الإدارة التربوية وتقف حجر عثرة أمام مساعيها للإصلاح المنشود ؟ بالطبع لا ، فهناك إكراهات كثيرة سواء على المستوى المادي أو المعنوي نذكر منها : بعض الإكراهات المادية : إن البنيات التحتية لمؤسساتنا التعليمية ، بنيات في غالبيتها لا تتماشى ومضمون الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة 16 الخاصة بتحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر ، فالمادة 159 تقول « يشترط في كل البنيات والتهيئات الجديدة على جميع مستويات التربية والتكوين ، أن تستجيب لمعايير جديدة محينة ومتكيفة لتلائم خصائص كل وسط من النواحي البيئية والمناخية والاجتماعية والثقافية . ويتم لهذا الغرض إعادة النظر في معايير المؤسسات ومستلزماتها الوظيفية ، ومواد البناء والتجهيز المستعملة وتقدير مدة الاستعمال المحتملة على أساس التوقعات المتعلقة بالنمو الديموغرافي واتجاهات الهجرة ، لكن وللأسف ، فالمؤسسات القديمة تفتقر لكل المقومات التي تجعلها فضاء صحيا للإصلاح المنشود ، بل إن اهتراء المرافق وتقادم التجهيزات إن لم تنعدم بمعظمها وخاصة في العالم القروي ، تزيح عنها كل تجليات الحرمة والاعتبار ، . ثم إن غموض الدور الذي يمكن أن تلعبه الإدارة التربوية في هذه الوضعيات في غياب توفرها على مرجعية تشريعية من جهة وتكوينية من جهة ثانية يجعلها مهيأة قبل غيرها للتردد والإحجام . إن هزالة التعويض وانعدام المحفزات الإدارية والمادية وكثرة المهام وتعدد المسؤوليات دون ضمانات وظيفية تجعل الإدارة التربوية في لبس حول حدود دورها الحقيقي ، أين يبدأ وأين ينتهي ؟ من جهة أخرى ، يبقى الجانب المادي الآخر المتعلق بالسيولة ، رهين بمدى جاهزية الفاعلين للانخراط والمبادرة ، على اعتبار أن المداخيل التي تتحصلها التعاونيات لا ترقى إلى مستوى تغطية مشاريع كاملة الأركان ، وعلى اعتبار أن السؤال الذي تواجه الإدارة التربوية في بحثها عن الموارد ، هو ، ما هو المقابل الذي تمنحه المؤسسة التعليمية لشركائها في مجالات الدعم المادي ؟ في ظل الواقع المعيش الذي بات يتهمها بتغذية البطالة وتعطيل التفكير في بناء المستقبل عبر قنوات لا مدرسية. وتجدر الإشارة هنا ، إلى القنوات المتواجدة فعلا في الساحة التربوية ، كجمعيات الآباء ومجلس التدبير والجماعات المحلية وهي كلها قنوات لم تستطع لحد الآن ، الاندماج بشكل صريح وكلي في المنظومة أو السعي لمأسسة التعاون المشترك ضمن مشاريع للتنمية المندمجة ، بل إن بعضها يشكل إكراها في حد ذاته ويقف حجر عثرة أكثر مما يفيد . وتبقى المساهمات المادية في مشاريع التربية والتعليم مرتبطة بالميولات والخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تحكم الجهة المبادرة ، بل إن الطابع التسولي الذي يطغى على مساعي الإدارة التربوية في خلق واستكشاف الموارد ، يسيء لموقع المؤسسة التعليمية في وجدان المجتمع ويجعلها تحيد عن الهالة المعنوية التي كانت لها في الذاكرة الشعبية . وتجدر الإشارة كذلك لنظام SEGMA المقرر للثانويات ، والذي وإن كانت هيئة الإدارة التربوية تثمنه ، إلا أنها تلتمس توضيحه وتعميمه على باقي المؤسسات بمختلف الأسلاك وتدعو إلى مصاحبته بتكوين إداري ومالي مواز. بعض الإكراهات المعنوية : لا شك أن الوضع الاقتصادي للأسرة المغربية ، وتدني الدخل وانتشار الفقر والبطالة بنوعيها وضيق الآفاق وأمور أخرى لا يتسع المجال لسردها ، انعكست سلبا على المناخ السوسيو ثقافي ، ومن ثمة إلى المنابر الرسمية لتصدير المعرفة التي تمثل – شاءت أم أبت- واجهة النظام الذي يدبر شؤون البلاد ، وبالتالي ، فإن عملية إسقاط للغضب المجتمعي على الأنظمة تتم دائما من خلال إيذاء مؤسساتها القريبة والسهلة المنال ، فالتخريب والتطاول وعدم الاحترام الذي يطال غالب المؤسسات ، وذلك في غياب سياسة أمنية مندمجة ، يجعل الإدارة التربوية في عزلة تامة أمام الآخر، هذا الآخر يتخبط في الأمية والفراغ المعرفي وغياب ثقافة التشارك من منظومة السلوكات السائدة بل غيابها حتى من المقررات التعليمية التي لا تزال ترتكز على هدف رئيسي واحد ، هو تمكين المتعلم من النجاح في الامتحانات ، وهذه الامتحانات بقيت بصورة عامة محور النشاط التربوي بعيدة عن جوهر الحياة خارج المدرسة ، ونفس الشيء بالنسبة للأساتذة الذين في غياب التكوين والتحفيز والاعتراف يعتبرون أن حدود مشاركتهم في العملية التعليمية التعلمية لا تتجاوز جدران فصولهم ، حتى إذا بادروا ، كان ذلك باحتشام ، واكتنفت مبادراتهم تأويلات سلبية . إن أخطر ما تواجهه الإدارة التربوية في ممارستها اليومية ، هو تناقص الإحساس بالانتماء لدى معظم الشركاء المفترضين والمحيط ، وهي ظاهرة خطيرة لها انعكاسات سلبية على كل مبادرات التنمية ، بل إنها تتجاوز التشويش على برامج المؤسسة التعليمية إلى المؤسسة الأسمى وهي الوطن . بالمقابل تقف سلطات الوصاية موقف المنظر الذي يحس به الممارسون في كثير من الأحيان ، وكأنه يستقي أفكاره وطروحاته من كوكب آخر لا يمت لواقعهم بأية صلة ، بل إنه غالبا ما ينهى عن أمور و يأتي بمثلها ، ولعل منتديات الإصلاح في شكلها الحالي ، خير مثال على هذا النهج ، بحيث تفترض المشاكل وتفرض طرائق مناقشتها من القمة على القاعدة ، والأولى أن يتم تجميع المشاكل مصنفة من لدن القاعدة التي تعايشها ميدانيا لعرضها على القمة قصد التباحث في حلولها الممكنة ، وبالتالي فإن التدبير التشاركي بدوره وفي غياب مشروع واضح وملزم للتنمية المندمجة ، يبقى حبيس إطاره المرجعي ما دامت الأرضية غير مهيأة شكلا ومعنى .