أيام قليلة و ستنطلق هستيريا الانتخابات الجماعية والجهوية والغرفة الثانية في المغرب المقرر انطلاقها يوم الرابع من سبتمبر المقبل، مع ما تحمله من حرج و مرج و تطبيل و تزمير و شهادات زور متبلة بالقسم و البوس يقودها بعض ضعاف النفوس بمقابل مادي أو وعدي، و أحيانا بدونهما ، للتصويت على مجموعة من الأوباش و الأرذال الذين تمخضت بهم الانتخابات الماضية فحصلوا على ثقة منتخبيهم ( بكسر الخاء) خطأ أو طمعا أو بواسطة مقابل مادي من مال مشبوه من مصادر قذرة معلومة أو مجهولة ، خصوصا بعدما أضناهم البحث عن بديل ينعش آمالهم في تحقيق متطلباتهم البسيطة ليصطدموا بلصوص من الدرجة الممتازة لا هم لهم سوى الاغتناء الفاحش على حساب هموم المستضعفين و المقهورين من أبناء دوائرهم الذي تم امتطاؤهم لتحقيق الهدف ، ليستمر مسلسل تنزيل برنامج الأكاذيب الانتخابية عبر محطات لئيمة بدرجات تقزز تتواضع شيئا فشيئا مع اقتراب موسم الإنت- خبث الموالي. هذا النموذج من المرشحين للأسف الشديد هو الأكثر انتشارا في جل مجالسنا الانتخابية بالمغرب عاثوا فيها فسادا و نشروا بين سكانها الحقد و الضغينة و التفرقة و التطاحنات العشائرية و القبلية و العائلية، و التلاسن بين الأقطاب المناصرة و المناهضة للفساد و المفسدين، مع العلم أن بلدنا يعج بالشرفاء و الحكماء، المتصفين بالصدق والأمانة ، و المعروفين بالصلاح و الفلاح والوفاء بالوعود و العهود، و يحملون في جماجمهم عقولا كبيرة و و بين أضلاعهم قلوبا رحيمة بالعباد تتسع لحب جميع الناس، و يتمتعون بخبرات عظيمة و ضمائر حية ، لا يحتاجون قط لدعاية انتخابية أو حملة مسعورة لأن تاريخهم يتحدث عنهم بما لا يستطيع أحد أن ينكر، يكفي أن يعبروا عن رغبتهم في تحمل المسؤولية و قبولهم بالتكليف... أمام هذا التقابل اللامنطقي بين تسابق أباطرة الفساد الانتخابي للظفر بمقاعد التسيير الجماعي بالبلديات و الأقاليم و الجهات و تراجع شرفاء هذا البلد لتتبع المشهد المريب من الخلف، يبقى المواطن المغربي تائها مشدوها محتارا ، تتناسل في ذهنه العديد من التساؤلات المشروعة ، محاولا بعناء إيجاد إجابات معقولة لها: شكون اللي ترشح؟ (من سيترشح ؟ ) - و علاش ترشح ( ولماذا سيترشح ؟ ) - ؟ و على من غادي نصوت ؟ ( على من سأصوت ؟) - و علاش نصوت ؟ (و لماذا ساصوت ؟) ، قبل أن يعلن انضمامه إلى الغالبية العظمى من المغاربة رافعا شعار المقاطعة و معانقا الكفر بالسياسة و معلنا العداء المطلق للسياسيين الذي أصبحوا مرادفا للصوص و "الشفارا" في قاموس الانتكاسات الاجتماعية المتتالية . و بالعودة أياما قليلة إلى الخلف، كانت الساحة السياسية أشبه بقطعة شطرنج تتسابق البيادق فيها للتموقع في رقعة اللعبة لتأخذ لها مكانا تضمن من خلاله المشاركة في النزال، حيث من لم يجد له مكانا في هذه الرقعة سواء في الصف الخلفي حيث كبار القطع و أهمها أو في الصف الأمامي حيث الطبقة الأقل شأنا من المشاة و الحماة ، فإنه يبحث له عن رقعة أخرى ربما يجد له فيها موطئ قدم. إن رقعة الشطرنج هذه أقصد بها الأحزاب السياسية التي عرفت خلال الأيام الأخيرة حراكا غير مسبوق لتنقل المرشحين بينها للحصول على تزكية غير مشروطة لتمثيل الحزب في دائرة انتخابية معينة دون الإلمام ببرنامج الحزب الانتخابي أو بأدبياته، المهم هو الحصول على شارة المشاركة في اللعبة بما يقتضيه ذلك من التزامات يعرفه الجميع، و الأدهى و الأنكى أن الأحزاب السياسية المغربية تتباهى في الكثير من المناسبات و العديد من المحطات ببيادقها عفوا "مناضليها " من هذا النوع لم يتكونوا قط بين هياكلها و لا يمتلكون شيئا من الثقافة السياسية للحزب ، و مع كل الأسف سيحظى بعضهم بشرف تمثيلنا رغما عن أنوفنا في مجالسنا الجماعية . حمى الانتخابات ستمر بسلام مع مرور الأيام، و ستنتهي سلسلة السيول الجارفة من الوعود الكاذبة المرفوقة بحماسة و اندفاعية التابعين و المرتزقة، و سنستهلك بنهم شديد إلى حد التخمة مختلف البرامج الانتخابية المعدة في العاصمة التي تعبر " قياس الخير " عن احتياجات الناس وطموحاتهم، و التي تخاطب بطبيعة الحال كل الشرائح المجتمعية دون معرفة خصوصياتهم و مشاكل الدوائر الترابية المعنية على وجه التحديد، كالمشاكل المتعلقة بالإسكان، وبفرص العمل، وبالأجور، والبطالة، والتعليم، والصحة وغيرها. و ستسفر صناديق الانتخابات عن تشكيلات هجينة لمجالس جماعية قد تكون معاركها ضارية في بداية الموسم الولائي قبل أن تستقر بعد أن تحصل التموقعات و التمسك بحلمات " أثداء " الموارد المادية و اللامادية للمجالس، لينغمس كل منهم في مص و حلب ما يجود به موقعه، في انتظار الانتخابات الموالية بإذن الله. الحقيقة ، أن المدرسة خدعتنا في بداية مرحلة التعلم حين نقشت في أذهاننا قصرا تعريفا للديموقراطية بكونها حكم الشعب نفسه بنفسه، و بعد أن تقدمنا قليلا في السن ربطنا بين مصطلح الديموقراطية في مفهومه المدرسي و الانتخابات بشكل عام، و لما بلغنا من السن عتيا وجدنا الفرق شاسعا بين المفهوم المدرسي للديموقراطية و المفهوم الواقعي، هذا الأخير هو أن تحكم لفائدة نفسك أولا ثم لفائدة أقلية ضد أغلبية شعبية من خلال الشعب نفسه، عن طريق صناديق الاقتراع ، بمعنى أن الديموقراطية هي فن حكم الشعب ضدا على مصالحه و حقوقه، و هذه هي الحقيقة المرة مادمنا لا نساهم في إعداد البرامج الانتخابية و لا في بلورتها. و نحن على بعد أيام قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية باعتبارها شر لا بد منه، لا بد ان نستحضر عقولنا و أن نتحلى بكل أساليب اللياقة المطلوبة للتعبير عن آرائنا بكل صدق و جرأة دون أن نساهم في نشر الأكاذيب و شهادات الزور بأي شكل من الأشكال، حتى لا نخسر أنفسنا و نسهم في تعميق مآسي طبقاتنا المقهورة التي نخرها الفقر و الجهل فلم تعد تعرف ما تقدم أو تؤخر ..