وبلادنا على أبواب أول انتخابات تشريعية, في ظل الدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة بكثافة في فاتح يوليو 2011 طلبا للتغيير الضروري لبناء الملكية البرلمانية, كمطلب ديمقراطي يستجيب لمتطلبات العصر ولمطالب النسخة المغربية «للربيع العربي» المتمثلة في حركة 20 فبراير التي رفعت شعارات سقفها لينسجم مع مطالب الحركة التقدمية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، التي قدمت تضحيات جسام، خصوصا خلال سنوات الجمر والرصاص، من أجل إسماع صوت الجماهير المقهورة والمقموعة والدفع في اتجاه دمقرطة الحياة السياسية لتقليص سلطات الحكم الفردي والقضاء على الاستبداد. وبلادنا على أبواب هذه المحطة، يتبادر إلى الذهن سؤال، بل أسئلة تجد مشروعيتها في القلق الذي يساور كل متتبع يحاول فهم ما يجري في الساحة الوطنية من تجاذبات و»تقاطبات» بمناسبة هذه الانتخابات. وهذه بعض الأسئلة التي نعتقد أن الكثير يتقاسم معنا مضمونها ويحمل في نفسه هم جوابها: - أليس في الوضع السياسي الحالي ما يوحي بأن الانتخابات التي على الأبواب ستعرف فسادا وإفسادا، ما لم تظهر الدولة الحزم المطلوب تجاه الوجوه الفاسدة ؟ - هل للساحة السياسية، بعد دستور يوليو، من جاذبية تخرج المواطن من تردده أو من لا مبالاته؟ - هل مواقف الفاعلين السياسيين توحي بنوع من التغيير في العقلية وفي الممارسة؟ - هل ما نتابعه من نقاشات سياسية، يمكن أن يغري الشباب بالمشاركة في الانتخابات؟ - هل للدولة استعداد لمحاربة المفسدين والعمل على إعادة الثقة إلى المواطنين في مؤسساتها؟ - هل الطريقة التي يتم بها تنزيل الدستور الجديد تسير في الاتجاه الصحيح؟... - وبعبارة أخرى، هل سنعيش مع هذه الانتخابات انتعاشة سياسية حقيقية تبعدنا عن شبح العزوف عن صناديق الاقتراع، أم سنجد أنفسنا أمام نفس المثبطات ونفس الممارسات التي نفرت المواطن من السياسة وأفقدته الثقة في كل المؤسسات، وبالتالي ستتم إعادة إنتاج نفس الأنماط الفاسدة السائدة ؟؟؟ لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، يتعين البحث في أسباب ومسببات مخاصمة المغاربة مع صناديق الاقتراع. ونقترح مقاربة هذه الظاهرة بالغوص في أسبابها التاريخية وأسبابها السياسية. بالطبع، يصعب الفصل بين ما هو تاريخي وما هو سياسي، ذلك أن التاريخ من صنع السياسة وأن السياسة من تراكمات التاريخ. فالتمييز الذي نقيمه بين الأسباب التاريخية والأسباب السياسية لظاهرة العزوف، ما هو إلا تمييز منهجي يسمح لنا باستعراض بعض الوقائع التاريخية المرتبطة بالاستشارات الشعبية التي عرفتها بلادنا والتي كان لها وقع سلبي على الوضع السياسي وعلى المشاركة السياسية ، قبل أن نمر إلى الخوض في ملابسات الوضع الحالي في ظل ما يعرف بالعهد الجديد، وخاصة فيما يرتبط بتنزيل دستور فاتح يوليو 2011. 1 . في الأسباب التاريخية نقصد بالأسباب التاريخية تلك الممارسات السلبية والمشينة التي تراكمت عبر الاستحقاقات التي عاشتها بلادنا منذ حصولها على الاستقلال وإلى غاية الانتخابات الجماعية لسنة 2009، مع استثناء استحقاق 2002، كما سنبين ذلك لاحقا. فقد انطلق الفساد الانتخابي مع أول استحقاق تشريعي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث عرفت انتخابات 1963 تأسيس حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (المعروف اختصارا بالفديك) من قبل صديق الملك وأول وزير للداخلية في عهده، ألا وهو الراحل «أحمد رضا اكديرة»، وذلك بشهرين قبل إجرائها ليحصل فيها على الأغلبية. وتوالت عمليات التزوير مع «أفقير» ثم مع «بنهيمة»، قبل أن تسند وزارة الداخلية إلى «إدريس البصري» الذي اشتهر بصنع الخرائط السياسية وفبركة الأحزاب الإدارية التي كان يضمن لها بالتزوير المفضوح والمكشوف (سرقة صناديق الاقتراع، قطع التيار الكهربائي عند بداية عملية الفرز, ثم تغيير المحاضر إلى درجة أن الأمر وصل، في كثير من الأحيان، إلى حد إعلان نتائج مخالفة لتلك التي سبق أن أعلنت في وسائل الإعلام الرسمية) الأصوات والمقاعد التي تمنح لها الأغلبية في المجالس المنتخبة (يتذكر من عايش الانتخابات التشريعية لسنتي 1977 و1984 وتفاعلاتها الظروف التي تأسس فيها، على التوالي، حزب «التجمع الوطني للأحرار» وحزب «الاتحاد الدستوري» اللذان يحملان صفة حزب إداري عن «جدارة واستحقاق» بفضل خدمات البصري وأعوانه، وذلك بالرغم من كل المساحيق المستعملة وكل «الاجتهادات» المبذولة من قبل قيادة الحزبين لنفي هذه الصفة عنهما). ومن السهل فهم هدف هذه العملية الذي هو، بالطبع، تمييع العمل السياسي من أجل تأبيد الاستبداد عن طريق ديمقراطية مزيفة ومغشوشة، أطلق عليها المتزلفون المستفيدون من الوضع»الديمقراطية الحسنية». وقد بني هذا النوع من الديمقراطية على محاربة الأحزاب الحقيقية (تلك التي لها مشروع مجتمعي يعتمد على المشاركة الشعبية الواسعة، أي على الديمقراطية الحقة؛ وهو ما دفع هذه الأحزاب، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إلى تأسيس الكتلة الديمقراطية كحلف إستراتيجي لمناهضة مخطط التمييع الذي كانت تنهجه الدولة)، وذلك بالتزوير والقمع والاختراق وإشاعة الخلط بترويج مقولة «أولاد عبد الواحد، كلهم واحد». وقد نجحت هذه السياسة، في نهاية المطاف، في إبعاد المغاربة، خصوصا من ينتمون منهم إلى ما يعرف بالطبقة الوسطى، عن المشاركة السياسية وعن صناديق الاقتراع، فأصبحت مسألة العزوف، وبالأخص في العشرية الأخيرة، تلازم كل استحقاق انتخابي، مما يسهل على تجار الانتخابات التحكم في نتائج التصويت، لاسيما وأن السلطة، إلى حدود 2009، كانت إما تلتزم الحياد السلبي وتترك المفسدين يصولون ويجولون، وإما تتدخل لصالح مرشحين معينين فتوفر لهم كل شروط النجاح، ضدا على الموقف الرسمي للدولة الداعي إلى الحرص على نزاهة الانتخابات وشفافيتها. إنه من الصعب الحديث عن نسب المشاركة في الاستحقاقات التي سبقت انتخابات 2002، ذلك أن تلك الاستحقاقات كانت تتعرض دائما للطعن من قبل أحزاب المعارضة, سواء في نتائجها أو نسب المشاركة فيها. فأول انتخابات تسلم من الطعن وتعتبر نتائجها منطقية وصحيحة,سواء من حيث نتائجها أو من نسبة المشاركة فيها، هي تلك التي أجريت سنة 2002 في عهد حكومة التناوب التوافقي التي كان يرأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقد احتل حزب الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، وهو ما اعتبر تزكية من المواطنين لحكومة التناوب ولبرنامجها السياسي والاجتماعي؛ كما أن نسبة المشاركة التي تم الإعلان عنها، كانت موضوعية ولم تلجأ وزارة الداخلية، لأول مرة في تاريخها، إلى تضخيم الأرقام للرفع من نسبة المشاركة. فالنسبة الرسمية المعلنة هي 51،6 % والأوراق الملغاة 15%. وفي انتخابات 2007 ستنزل هذه النسبة إلى 37% حسب الأرقام الرسمية (ويقال بأن نسبة الأوراق الملغاة بلغت أكثر من 19 %). يتبين من هذين المثالين أن الانتخابات التي عرفها المغرب خلال العهد الجديد تتميز بشفافية الأرقام المعلنة؛ فنسبة المشاركة، حتى وإن كانت من الناحية السياسية مخيبة للآمال لأنها كانت، خصوصا في انتخابات 2007، متدنية جدا، فقد تم الإعلان عنها بأرقامها الحقيقية؛ وهذا في حد ذاته تطور مهم أصبح معه المتتبع أو الفاعل السياسي يثق في الأرقام الرسمية، بينما في السابق كان الشك هو السائد. من خلال بعض الوقائع التي أوردناها، يتبين أن الدولة، في عهد الملك الراحل، رعت وشجعت الفساد الانتخابي. وما سيعرفه العهد الجديد من تطورات سياسية بين 2007 و2009، جعلت بعض المحللين يقيمون مقارنة بين ما قام به «رضا اكديرة» في سنة 1963 وما قام به «الهمة» سنة 2008 ، ليخلصوا إلى أن «البام» هو «فديك» العهد الجديد. وهذه الخلاصة تمنحنا الفرصة للحديث عن أسباب العزوف التي لا زالت تهدد تجربتنا الديمقراطية وتنذر بخطر الالتفاف على للدستور الجديد وإفراغه، عند التنزيل، من محتواه المتقدم؛ وهذا ما نريد أن نتطرق إليه تحت مسمى الأسباب السياسية للعزوف. .2 في الأسباب السياسية نتذكر كيف أن سنة 2002 عرفت عودة التيقنوقراطي «إدريس جطو» ليخلف السياسي عبد الرحمان اليوسفي على رأس الوزارة الأولى؛ وهو ما عبر عنه الاتحاد الاشتراكي، الذي قاد التجربة وحصل على ثقة المواطنين، في بيانه الشهير، بالعبارة البليغة التي دخلت قاموسنا السياسي لأول مرة، ألا وهي عبارة «الخروج عن المنهجية الديمقراطية». ونعتقد أن هذا الحدث كان له كبير الأثر على نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 ، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها كما سبق ذكر ذلك، بالرغم من أن ملك البلاد، في سابقة هي الأولى من نوعها، كان قد دعا، في خطاب 20 غشت، إلى المساهمة الإيجابية والمكثفة فيها لقطع الطريق على سماسرة الانتخابات. وبقراءة سريعة في نتائج التصويت، نلاحظ أن الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في سنة 2002، انتقل إلى المرتبة الخامسة في سنة 2007. كيف نفسر ذلك؟ التحليل السطحي يذهب إلى أن الناخب عاقب الاتحاد على مشاركته أو أدائه في حكومة «جطو». وهذا التحليل لا يستقيم مع المشاركة الضعيفة. فلو كانت المشاركة مرتفعة، لقلنا بالتصويت العقابي (ثم لماذا يعاقب الاتحاد وحده ولم تعاقب المكونات الأخرى للأغلبية الحكومية؟). أما وأن نسبة المشاركة كانت متدنية وأن الاتحاد وحده هو الذي تضرر من ذلك، فهذا دليل على أن الذين كانوا يصوتون لفائدة الاتحاد، قاطعوا هذا التصويت بسبب انعدام الوضوح وبسبب عدم احترام المنهجية الديمقراطية، وبالتالي تعطيل الانتقال الديمقراطي؛ وهو ما جعل أصوات تتعالى داخل الاتحاد الاشتراكي للمطالبة بالخروج من الائتلاف الحكومي ما دامت المنهجية الديمقراطية لم يتم احترامها. لكن الهيئة التقريرية داخل الحزب (أعني المجلس الوطني)، تقديرا منه للوضع، قدمت مصلحة الوطن على مصلحة الحزب، فزكت الاستمرار في الحكومة لمواصلة الأوراش التي فتحتها حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي أخرجت البلاد من قسم الإنعاش. في قراءتنا للمشهد السياسي الحالي، نرى أن تأسيس حزب «الأصالة والمعاصرة» من قبل فؤاد عالي الهمة المعروف بقربه من الملك (صديق الملك) والقادم من مطبخ الداخلية (وزير منتدب في الداخلية سابقا) ساهم بشكل كبير في تضبيب هذا المشهد، خصوصا بعد أن أصبح هذا الحزب يتوفر على أكبر فريق برلماني رغم أنه لم يشارك في الانتخابات التشريعية لكونه، بكل بساطة، لم يكن موجودا بعد. أما حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، فتلك قصة أخرى. وعلى كل، فوصف هذا الحزب ب»حزب الدولة» من قبل بعض المحللين وبعض الفاعلين السياسيين لم يكن تحاملا ولا إسقاطا مجانيا، بل تقريرا لواقع الحال. ولولا هبوب رياح «الربيع العربي» التي جعلت «بن على» يفر في جنح الظلام و»الهمة» يختفي عن الأنظار بعد أن طالبت حركة 20 فبراير برحيله وبرحيل أمثاله، لكنا في وضع سياسي آخر غير الذي نعيشه هذه الأيام. لقد أدركت حركة 20 فبراير الدور الخطير الذي لعبه السيد «فؤاد على الهمة» في تمييع الحياة السياسية وإفسادها. فحينما يردد الشباب «الشعب يريد إسقاط الفساد»، فهم لا يقصدون الفساد المالي والرشوة والمحسوبية، الخ، فقط، بل والفساد السياسي أيضا. فهل هناك إرادة سياسية حقيقة لدى الدولة ولدى الأحزاب للقطع مع أساليب الماضي؟ وهل ستتحمل كل الجهات مسئولياتها للضرب على أيدي المتلاعبين والمفسدين، صيانة لحرمة اختيار المواطنين وضمانا لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية وتنزيلا لمقتضيات الدستور الجديد، تنزيلا حقيقيا يأخذ بعين الاعتبار الشروط والظروف التي تم فيها اللجوء إلى الإصلاحات الدستورية؟ نود أن نكون متفائلين، لكن هناك عوامل كثيرة تجعلنا حذرين ومتخوفين من أن نجد أنفسنا في وضعية ينطبق عليها المثل:»تمخض الجبل فولد فأرا». فكلما حاولنا أن نقترب من العناصر التي من شأنها أن تكون حاسمة ومحددة لاختيارنا الديمقراطي، تواجهنا أسئلة مقلقة حول الخلفيات التي تتحكم في تلك العناصر. لنبدأ بمسألة التقطيع الانتخابي. الكل يعلم ما لهذا العنصر من دور حاسم في تحديد الخريطة السياسية. لقد كان الأمل معقودا أن يساهم نمط الاقتراع الذي تبنته بلادنا منذ انتخابات 2002 في عقلنة المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية، لكون نمط الاقتراع باللائحة من شأنه أن يقطع الطريق أمام سماسرة الانتخابات ويجعل المواطن يختار ليس بين الأشخاص، بل بين البرامج وبين الأحزاب التي تحمل هذه البرامج. لكن، وبالرغم من كل السلبيات التي تم تسجلها خلال انتخابات 2002 و2007 وبالرغم من كون الانتخابات المقبلة تتم في ظل دستور جديد، المفروض في تنزيله أن يقفز ببلدنا إلى مرتبة متقدمة توفر له الاحترام بين البلدان الديمقراطية وكفيلة بتحصين الدولة والمجتمع بوجود مؤسسات ذات مصداقية وفعالية، فقد جاء التقطيع، في مجمله، مخيبا للآمال لكونه يجعل من نمط الاقتراع باللائحة نمطا فرديا مقنعا، الشيء الذي يجعل المجال مفتوحا أمام الفساد الانتخابي، بالرغم من صرامة القوانين وجدية المراقبة المعلن عنها، ذلك أن المفسدين يتكيفون مع المستجدات ويبتكرون أساليب جديدة، أقلها فتح مقر للدعاية في كل ركن من أركان الدائرة وتشغيل عدد من الأشخاص في هذه المقرات مقابل مبلغ مادي حسب «رأس الزبون») selon la tête du client) وحسب المهام المكلف بها والتي لن تقتصر بالطبع على الدعاية. وستنفق في هذه العملية مئات الملايين. وللتحكم في النتائج، فقد يتم دفع بعض الناس إلى عدم التصويت، خصوصا أولائك الذين لا يضمن المرشح الفاسد الحصول على أصواتهم، إما بإشاعة أكاذيب وإما بالترهيب. ولا نظن أن كل هذا يغيب عن أصحاب الحال. وعلى كل، نعتقد أن الأجهزة القادرة على اكتشاف وتفكيك خلايا إرهابية نائمة، لن تعدم القدرة، شريطة توفر الإرادة السياسية لدى الدولة لحماية هذه التجربة، على الوصول إلى أولائك المفسدين الذين لا يقلون خطورة من الإرهابيين على سلامة الدولة والمجتمع. وبهذا سنقلل من سلبيات التقطيع الذي روعيت فيه ولا شك مصالح أطراف مختلفة (ولنا عودة إلى الموضوع). ومن العناصر التي سيكون لها تأثير على نسبة المشاركة، التحالفات القبلية التي تعقدها الأحزاب السياسية فيما بينها. من الطبيعي جدا أن تلتئم أحزاب لها قاسم مشترك يجعلها تنتمي إلى عائلة إيديولوجية وسياسية عادة ما يكون الخلاف بين مكوناتها حول بعض الجزئيات. فأن يتكون تحالف من الأحزاب اليمينية وآخر من الأحزاب اليسارية، شيء مرغوب فيه ومطلوب في كل الديمقراطيات. ويمكن أن يتكون تحالف ثالث بين أحزاب تعتبر نفسها «وسطا»، أي ليست لا يمينية ولا يسارية، لكنها قريبة إما من اليمين وإما من اليسار. وغالبا ما يلعب هذا النوع من التحالف دورا حاسما في التحالفات البعدية لتكوين أغلبية برلمانية وحكومية. لكن التحالف الثماني (G8)، الذي تكون في المدة الأخيرة بين أربعة أحزاب ليبرالية وثلاثة أحزاب محسوبة على اليسار وحزب ذي مرجعية إسلامية، يضرب في الصميم منطق التحالفات ويطلق الوضوح الإيديولوجي في سبيل تحقيق مآرب آنية لا تقيم وزنا لذلك الناخب المتردد أو لذلك الذي يبحث عن إشباع فضوله السياسي؛ فهذا الخليط الهجين لن يساعد إلا على تنفير هؤلاء من العملية كلها. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم صدقية خطاب هذا النوع من «الساسة» ، فسنكون أمام معضلة حقيقية، تتمثل في العزوف عن صناديق الاقتراع. فحين نقرأ حوارا أو تصريحا «لقائد» حزب ليبرالي يدعي الحداثة، يعلن فيه أن برنامج حزبه يقوم على محاربة الفساد، بينما المتتبعون يعلمون أن الحزب المذكور قام على الفساد ويعتبر مشتلا للمفسدين، فإننا لا نملك إلا أن نقول له:»إذا لم تستح فقل ما شئت». ونقول نفس الشيء لذلك الشاب الذي وجد في أحد المنابر الإعلامية المساحة لتسويق عذريته السياسية وتبيض «الرصيد الفاسد» الذي استلمه من والده المحكوم عليه بعدم الترشح بسبب الفساد الانتخابي. وقبل ذلك، نسأله: كم هي الميزانية التي وضعها الأب رهن إشارته لتمويل حملته الانتخابية؟ وبصيغة أدق، كم من مئة مليون رصدت لهذه الحملة؟ فهل بمثل هؤلاء سنبني المستقبل؟ وهل بمثلهم سيصبح المغرب بلدا ديمقراطيا؟؟؟؟؟ في النهاية، أغامر فأقول، وانطلاقا مما يجري في مكناس فقط، بأن التسخينات السياسية التي دخل فيها قائد الثمانية، استعدادا للانتخابات المقبلة، حول مائدة الغذاء في منزل أحد رموز الفساد الانتخابي بالعاصمة الإسماعيلية، الممنوع من الترشح منذ سنة 2007، لا تبعث على التفاؤل.