منذ انطلاق دينامية حركة 20 فبراير أصبحت العديد من الاوساط تسجل استثنائية الحالة المغربية من خلال كون هذه المسيرات - باستثناء الأحداث التي عرفتها بعض المدن المغربية التي سجلت وقوع بعض اعمال التخريب التي طالت مؤسسات عمومية و خاصة- اعتبرت هذه الاوساط في تحليلها لحركة 20 فبراير و لمختلف الحركات الاحتجاجية التي نظمتها على امتداد ربوع الوطن، كون هذه المسيرات و المظاهرات هي سلمية و لم تشهد محاولات المحتجين الى الاصطدام مع الامن، بل كان هناك حرص على ان تمر في أجواء سلمية،عادية، يخرج فيها المواطنون للتعبير عن مطالبهم العادلة في بناء مغرب الحرية و الكرامة، حيث يكون فيها الشعب هو مصدر السلطة...... الا انه يمكن اعتبار على عكس هذه الرؤية، ان سلمية المسيرات هي تحصيل حاصل لان المغاربة منذ أزيد من ربع قرن و هم يمارسون حقهم في التظاهر، و استطاعوا أن يكتسبوا ثقافة التظاهر و الاحتجاج السلمي، و هنا يمكن استحضار واقعة ذكر بها الصحفي عبد اللطيف جبرو مرارا، هي في المسيرة المليونية التي نظمها الشعب المغربي بعيد العدوان على العراق في 1991، و بعد انتهاءها و تفرق الحشود في أجواء عادية استغرب أحد الصحفيين الاجانب من تفرق المسيرة رغم حالة الاحتقان السياسي التي كانت تعيشها بلادنا آنذاك في جو سلمي، و انتظر أن يحقق سبقا صحفيا دون أن يكون له ذلك....، اذن فمسالة سلمية المظاهرات و استثنائيتها من هذا الجانب عكس الصورة التي عليها العديد من البلدان العربية لا يمكن اعتماده كمحدد في قضية استثناء الحالة المغربية. لكن هل معنى هذا أنه لا يمكن الحديث عن المغرب كحالة خاصة؟ هل يعني أن ما نعيشه من حراك سياسي و اجتماعي ليست في بعض جوانبه ان لم يكن أهم جوانبه الكثير من الاختلاف عن الحالة العربية، مما سيجعلنا نتحدث فعلا عن كون المغرب هو استثناء ، يجعله لا يتشابه لا مع الحالة التونسية و لا اليمنية و لا المصرية و لا حتى السورية، من هنا يمكن الحديث عن ثلاث جوانب طبعت حركة 20 فبراير و الدينامية التي خلقتها و جعلتنا نتحدث عن الاستثناء المغربي كاستثناء حقيقي، و يمكن ذكرها فيما يلي: 1- الاستثناء من حيث طبيعة الحركة: منذ بداية الارهاصات الاولى للإعلان عن انطلاق الحركة وطنيا و النقاش الذي كان يصاحبها على الفايس بوك، كان الجميع عينه على ما ستعلنه من مطالب خصوصا و ان الجميع كان متأثر مما عاشته تونس و مصر سواء من حيث سرعة انهيار الانظمة السياسية هناك خصوصا النظام المصري، و كذا من الاستمرار المتواصل لترديد شعار أصبح لازمة في كل المسيرات التي انطلقت بالوطن العربي و هو " الشعب يريد اسقاط النظام" ، فكانت رغم هذه الاجواء التي ولدت فيها حركة 20 فبراير و هي أجواء متوترة خلقت حالة نفسية لذا الشعوب العربية في ضرورة اسقاط انظمتها السياسية، عملت الحركة بالمغرب على رفع شعار" الملكية البرلمانية" كمحدد للسقف السياسي لها و للأفق الذي رسمته لنفسها كهدف استراتيجي من تظاهراتها و مسيراتها التي شهدتها مختلف المدن المغربية، مما جعل من حركة 20 فبرايرالشبابية حركة ذات نفس اصلاحي تروم التغيير السياسي و الاجتماعي للأوضاع القائمة و تريد تحويل النظام السياسي من "ملكية تنفيدية" حيث الملك يملك كل السلط الى "ملكية برلمانية " يقوم باقتسام السلطة فيها و توزيعها على مختلف المؤسسات الدستورية خصوصا التشريعية و التنيفدية منها، تقوي من سلطة الوزير الاول و تجعله رئيسا فعيلا للحكومة يحوله من وزير أول الى رئيس للحكومة بسلطات حقيقية، تجعله ينفد برنامجه السياسي الذي بموجبه تعاقد مع الناخبين لا برنامج الدولة، و تقوي من عمل السلطة التشريعية، حيث يتم اصلاح البرلمان المغربي و يعزز من قدرته على الحركة و يصلح اعطابه و الاختلالات المسجلة عليه خصوصا الغرفة الثانية، وصولا الى اسقاط كل مظاهر الفساد السياسي و الاقتصادي، و القطع مع اقتصاد الريع الذي يتكرس من خلال الجمع بين السلطة السياسية و الاقتصادية.....الى باقي مطالب الحركة التي تجعل منها حركة تحافظ على نفس النظام السياسي و تتجه من اجل تغيير طبيعته، من حيث كونه ملكية رئاسية تنفيدية و تنقله الى ملكية يرلمانية. ان الاستثناء المغربي هنا هو اننا امام حركة اصلاح تنشد التغيير، لا أمام حركة تهدف الى اسقاط النظام، عكس ما توجهت اليه مطالب المتظاهرين بتونس، مصر و اليوم باليمن و سوريا، و هذا ما قوى التلاحم الجماهيري معها و جعل المواطنين خصوصا الشباب منهم يصطفون و يلبون نداءات الحركة، اذ ان افقها السياسي كان منذ البدئ واضحا و مقبولا لدى العامة، و لم يتم وضعه بشكل ضبابي يسمح بالتأويلات......
2- الاستثناء من حيث مطالب الحركة: ان القاء نظرة على مطالب الحركة و الافق الذي رسمته من خلال مطالبتها بإسقاط الفساد السياسي بكافة أشكاله، و بتحويل النظام السياسي المغربي من ملكية تنفيدية الى ملكية برلمانية، و بإصلاح اقتصادي شامل يعزز من المساواة الاجتماعية و ينهي مع اقتصاد الريع و تداخل السلطة السياسية بالاقتصادية.....، هي مطالب ليست وليدة اللحظة، بل يجب الانتباه بأن القوى الديموقراطية و اليسارية خصوصا تلك التي ظلت تناضل على مر الاربعين سنة الماضية من أجل نفس المطالب، و قدمت في سبيل ذلك التضحيات الجسام، كانت الشبيبة المغربية في قلبها، و بالعودة لقافلة الشهداء بدءا بالشهيد المهدي بن بركة الى سعيدة المنبهي...وصولا الى الشهيد محمد كرينة، و الى الحركات الشبيبة التي ناضلت في الثانويات و الجامعات و اضطهدت، و الشباب الذي افنى زهرة شبابه وراء القضبان....، بل بالعودة كذلك لبيانات الاحزاب الديموقراطية و لوثائقها سنجد تأصيلا سياسيا و مطلبيا لمسالة " الملكية البرلمانية" ،مما يجعل من مطالب الحركة ليست مطالب استثنائية أو غريبة عن الواقع السياسي لبلادنا و للحراك الذي عاشته بل هي مرتبطة بنفس السيرورة التي عاشتها الحركة الديموقراطية و التقدمية ببلادنا، و جاءت لتكمل نفس الطريق على نفس الأهداف و البرنامج السياسي الذي كانت تناظل من أجله..... ان الاستثناء هنا الذي يميز المغرب ،هو في جل الاقطار العربية، لأول مرة في تاريخ الحركات الاحتجاجبة تخرج الجماهير للمطالبة بإسقاط انظمتها و ترفع شعارات سياسية كبرى، عكس ما كانت عليه حيث كانت تخرج الجماهير هناك فقط لترديد شعار " بالروح بالدم نفديك يا..." في حين أن مطلب " الملكية البرلمانية" بالمغرب هو مطلب متداول لدى أعلى هرم في الدولة، و لدى الطبقة السياسية و العامة، مما جعل من الحركة عندما رفعته ظلت في حدود ما كان المغاربة و معهم القوى الديموقراطية و التقدمية تناضل من أجله، ان ما أضافته الحركة هنا هو أنها سرعت من وثيرة الاصلاح ، و دفعت الدولة الى التسريع بالاستجابة لمطلب الاصلاح و التغيير.
3- الاستثناء من حيث رد فعل الدولة: الاستثناء الثالث الذي تميز به المغرب و الذي يكرس الحالة المغربية، هو رد فعل الدولة اتجاه الحركة و كيفية تعاملها معه، الذي شكل حالة خاصة بالمنطقة العربية مقارنة مع ردود الفعل العنيفة و الهمجمية من تقتيل و تنكيل للمتظاهرين، و استعمال لأساليب "البلطجة " و الرصاص الحي للرد على مطالب المحتجين السلميين، و الذي اذا ما قارناه بالأسلوب الذي تعاملت به الدولة المغربية مع المحتجين لحدود الحظة بدء باجتناب أي احتكاك معهم، مرورا و هذا هو الاهم الى الخطاب الملكي الذي فتح افاق للإصلاح الدستوري و السياسي ببلادنا، أهم ما تميز به بالإضافة الى مسالة الجهوية، و الخطوط العامة للإصلاح الدستوري المرتقب و الذي في جزء كبير منه يستجيب لمطالب الحركة من حيث التنصيص في الخطاب على دسترة توصيات هيئة الانصاف و المصالحة، تعميق سلطة الوزير الاول و الارتقاء به كما سماه الخطاب الملكي الى الوزير الاول " كرئيس لسلطة تنفيدية"، ثم استقلال القضاء...، هو أن الخطاب عكس مرونة الدولة في تعاطيها مع مطالب الشارع، من خلال دعوته للجنو تعديل الدستور الى ضرورة الابداع الخلاق....، مما جعل عمل لجنة التعديلات الدستورية تتواجب مع مختلف مطالب الفاعلين السياسيين و النقابيين و الشبابيين....و تشتغل دون أية قيود مسبقة، و هذا ما حول عملها الى شبه نقاش و حوار وطني يهدف الى مراجعة شاملة للدستور و لبنيته، ثم اخر الاشارات التي قدمتها الدولة – التي لا يجب أن تكون الاخيرة- هو الاستجابة لمطالب الشعب المغربي في تنقية الاجواء السياسية و ذلك بالإفراج عن المعتقلين السياسيين خصوصا معتقلي خلية بلعيرج، و الذي ذكرنا مشهد خروجهم من السجن بما عاشه المغرب من أجواء سياسية مهدت لحكومة التناوب التوافقي ببلادنا، و هو انفراج يجب أن يصل الى اطلاق سراح كافة معتقلي أحداث 20 فبراير و التعامل مع تلك الاحداث كحالة عرضية لا غير. ان الاستثناء المغربي هنا، هو استثناء أدى الى التمييز بين المغرب كبلد ظل يعيش التحول منذ أزيد من عشر سنين، أدى به و هذا هو الأهم الى تقوية موقع المغرب دوليا، برز ذلك في خطاب الامين العام للأمم المتحدثة الذي نوه بالإصلاحات التي يشهدها المغرب و قضى على أحلام الوحدة الترابية في توسيع عمل المنورسو ليشمل أيضا مجال حقوق الانسان. ان الاستثناء المغربي مقارنة مع ما تعيشه الدول العربية التي تعرف نفس الدينامية الرامية الى التغيير هو أن المغرب الذي انخرط في مسلسل الاصلاح منذ عقد من الزمن و ان كان عرف في السنوات الماضية بعض التعثر و البطء أدى الى ازدياد حجم التشكك في ارادة الدولة في الاستمرار على نفس النهج الاصلاحي، عليه اليوم أن ينخرط بنفس الروح و بنفس القوة ليعيد الثقة في المؤسسات و يعزز من مشروعيتها، يحقق مراجعة شاملة للدستور المغربي تتعزز فيه سلطة الشعب و تتقوى سيادته ، يستجيب لمطلب الفصل بين السياسي و الاقتصادي، يقطع مع اقتصاد الريع......الى باقي مطالب الشعب المغربي التي تحقق له العيش بكرامة و حرية و عزة.