هذه سلسلة مقالات تلتقون مع حلقاتها مع الزميل الكاتب الصحفي محمد زروال عن موقع خنيفرة أونلاين، مواضيعها لها علاقة الألعاب الخاصة بالصغار والكبار، في بسط وفي وتاريخي لها، لتكون قريبة من القراء الكرام، قراءة ممتعة. تتسارع تحولات مجتمعنا في غفلة منا، وتغزونا ظواهر تنسل في سلوكنا اليومي بمرونة، تتوارثها الأجيال كأنها سلوكات عاشت مع الإنسان منذ ظهوره، في حين أن بعضها لم يتجاوز حضوره بيننا بعد عقدا من الزمن، و بعضها لازال خارج مستوى الانتشار الشامل. من هذه الظواهر ما يتعلق بالألعاب الخاصة بالأطفال والكبار، فأجيال اليوم قطعت بشكل غير عادي مع ألعاب كانت إلى وقت قريب ممارستها لا تستثني إلا القليل. كانت الألعاب إبداعا محليا في أحيان كثيرة تستمد شروطها وأسسها وفكرتها من الظروف الطبيعية أو الاجتماعية للسكان ومن خصوصياتهم الثقافية، وفي المقابل هناك لعب ذات صبغة جهوية أو وطنية وربما دولية خاصة في ما يتعلق بأساس اللعبة، فالمتأمل للعبة ماطة التي تؤدى بالأحصنة نواحي مدينة العرائش سيجد تشابها كبيرا بينها وبين لعبة أفغانية تم تسجيلها في الفيلم الأمريكي "رومبو 3 ". ألعاب كثيرة اندثرت في المغرب ولم تعرف عنها أجيال اليوم شيئا حتى الأسماء طمستها التكنولوجيا المتطورة وأصبح الأطفال والشبان يتداولون بينهم أسماء لعب عالمية وأبطال وهميين تم تسويق صورهم الأسطورية على نطاق واسع في الألعاب الإلكترونية التي أصبحت في السنوات الأخيرة فضاء ينغمس فيه الكثيرون لساعات طويلة ، خاصة بعد الانتشار السريع والواسع للانترنت والحوامل التكنولوجية الأخرى. ما لا ينتبه إليه أن التنشئة الاجتماعية لها علاقة وطيدة بتلك الألعاب، فالألعاب القديمة حقيقية وذات طابع جماعي وتشاركي في الغالب بل إنها تدخل ضمن المقدس عند البعض، وهذا يجعلنا نتحدث عن اختلاط اللعب بالطقوسي في المجتمع المغربي. في المقابل فإن الألعاب الحالية تكون افتراضية وفردية أو عبارة عن اكسسورات صناعية، كما أن القيم والمواقف والمعارف والمهارات والأخلاق التي كانت تنقل عبر ممارسة الألعاب القديمة مرتبطة بالخصوصية المغربية وبعاداته وتقاليده وثقافته عموما، عكس الألعاب الحديثة ففي طياتها تشاع قيم غريبة عن مجتمعنا تزرع قيم الفردانية وترفع من جرعة النرجسية دون أن نغفل ما تحتويه من عنف ومغامرات تؤثر سلبا على النمو السلوكي عند الأطفال، وتكرس ثقافة العنف والاتكالية عند الكبار، مع العلم أن الكثير من الأسر لا تأخذ بعين الاعتبار عامل السن في اختيار ألعاب أبنائها ، وهو ما كان يراعى في الألعاب القديمة نسبيا. في هذه المقالة سنقف عند سلسلة ألعاب قديمة بعضها انقرض والبعض يقاوم بصعوبة وألعاب أخرى تم تحديثها وأدمج الأصيل بالمعاصر وأعطتنا أشكالا جديدة سننشرها على شكل حلقات رفقة هذا التقديم: اللعبة الأولى " تغروط" هي لعبة مرتبطة بقرية أمازيغية في أعماق جبال الأطلس الكبير " تسرولين" التابعة إداريا لقيادة أموكر إقليم ميدلت. حسب علمي لا أثرا لها في القبائل الأخرى حتى تلك المجاورة لقبيلة تسرولين، وتعني بالأمازيغية لعبة الكتف، ليس لها وقت محدد في السنة بل يتم لعبها في أي وقت من السنة شريطة أن يكون هناك احتفال بازدياد مولود لدى أسرة في القرية. يجتمع عدد هام من الرجال والشبان وسط الوادي الذي يقسم القرية نصفين بعدما يتلقون إخبارا من والد الطفل المزداد أو أحد أقاربه، ويشارك الذكور البالغين فقط. تتمحور اللعبة حول من يصيب برمية حجر " كتف" أضحية تم ذبحها بمناسبة عقيقة المولود الجديد، إذ تعلق على رأس غصن شجرة يعلو الأرض بحوالي 40 سنتمتر . ويتم رمي الكتف " تغروط" من طرف سكان القرية بقطع من الأحجار يحصل عليها من الوادي وذلك بالتناوب بين فروع القبيلة " إغصان" وكل من حضر له الحق في المشاركة شريطة أن يكون من القبيلة حتى لو كان يعيش خارجها. غالبا ما تلعب هذه اللعبة بعد العصر وتكون جائزة من يصيب " الكتف المعلق" ويسقطه إلى الأرض قطعة لحم نيئة تؤخذ من أضحية العقيقة. وإذا تأملنا ظروف إجراء هذه اللعبة فإننا نجدها غنية بمجموعة من الدلالات فهي تشكل فرصة لالتقاء سكان القرية وتجمهرهم وبالتالي تبادل القيم والمعارف والتشاور في الأمور الأخرى، وتزرع المناسبة كذلك في صفوف الشبان قواعد المنافسة الشريفة من خلال التناوب واحترام شروط اللعب ، و يتعلم الصغار الذين يحضرون كجمهور أسماء فروع القبيلة كما أنهم يستفيدون من الطرق الجيدة في الرمي بالحجر وهي مهارة كان على الكل إتقانها لأنها كانت وسيلة للصيد والرعي و الدفاع عن النفس وقطف ثمار الأشجار وطرد الحيوانات المفترسة للجنسين معا. يحظى الكتف باهتمام كبير في الثقافة الأمازيغية حتى أن أسماء عدة أماكن تسمى به نظرا للتشابه بين طبوغرافية الكتف والمكان وهذا ينطبق على أسماء أماكن كثيرة فهناك " أفود " أي الركبة و "أكرض" أي العنق. كما أنه في مناسبة عيد الأضحى يأخذ رب الأسرة كتف الأضحية ويتأمله ويقرأ مضامينه إذ يعتقد أنه يحتوي على معلومات مستقبلية في ما يخص الموت والمناخ والعلاقات الاجتماعية.