الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب: مشاهدات في الشاوية ودكالة والرحامنة


الحلقة 15
يعتبر إدمون دوتي (1867-1926) من أبرز الكتاب الأجانب الذين اشتغلوا بالتعريف بالمغرب في إطار مهام استطلاعية واستعمارية معلومة. أصدر إدمون دوتي كتابه «مراكش» في سنة 1905، فكان واسطة بين مؤلفاته السبعة,. وهو كتاب ذو ملمح رحلي، جاء يرسم مسار مؤلفه الذي قاده من الدار البيضاء إلى أبواب مراكش، مروراً بالجديدة وآسفي ودكالة وبلاد الرحامنة وبلاد الشاوية. وقد جاء الكتاب في فصول ثلاثة واشتمل على مجموعة كبيرة من الصور التي يعود معظمها إلى المؤلف نفسه، وجاء حاملاً طابع أكاديمية الرسوم والآداب الجميلة. إنه كتاب يصور جانباً كبيراً من عادات وتقاليد المغاربة في ذلك الزمان وجانباً كبيراً من معاشهم، ويجعل حاجة كبيرة إلى ترجمته للقارئ المغربي المعاصر.
أهل دكالة إذا أعوزتهم الخيول أقبلوا على الفروسية يلعبونها بالأرجل
لباس دكالة
يقتصر لباس أهل دكالة في العادة على «الحايك» الصوفي، يلبسونه لوحده دون ثياب، وقد يجعلونه أحياناً من فوق قميص، لكنهم قليلاً ما يفعلون. والحايك الصوفي تقوم على حياكته النساء الدكاليات، وكذلك تُصنع منه الكثرة الكثيرة في أزمور وفي الجديدة. والسفن التي تتردد على مرسى الجديدة قد دأبت على التزود من هذه الألبسة في طرود وحزمات مخططة بالرمادي والأسود وتتوجه بها إلى السنغال وإلى مصر. وقد سبق للحسن الوزان أن ذكر في حديثه عن مدينة من مدن دكالة قد أطلنا في الحديث عنها، نقصد «المدينة»، أن «سكان هذه المدينة جهال يرتدون بعض الملابس الصوفية المصنوعة في عين المكان. تتحلى نساؤهم بكثير من حلي الفضة والعقيق الأحمر». فهذا الحديث نستفيد منه سمتين من أبرز السمات التي تدلنا منذ الوهلة الأولى على أهل دكالة؛ أقصد لبس الرجال للحايك والسحر والفتنة اللذين تتصف بهما نساؤهم. ولنعرض ههنا لبعض خصائص الحايك، وهو لباس واسع الانتشار في منطقة شمال إفريقيا، ومن المفيد أن نتناوله بالدراسة، لأنه بساطته تحمل على الاعتقاد أنه يعود بأصوله إلى العصور القديمة الغابرة، ولأنه قد ظل إلى وقتنا الحالي اللباس الأكثر أناقة عند المسلمين في بلدان المغرب. والحايك، حسبما نستفيد من حديث الحسن الوزان، عبارة عن قطعة من الكتان في غاية البساطة، وهي قطعة مستطيلة ومستطيلة وطويلة، لم يدخل فيها خيط ولا إبرة، يُلف بها الجسم ولا تشد من حوله برباط أو حزام. وليس من الخطل أن يذهب المرء إلى الاعتقاد بأن مثل هذا اللباس قد سبق وجوداً على اللباس المخيط. وعلى مل حال فإن لف الجسم في قطعة ثوب مستيطلة شيء يعود إلى العصور الغابرة. فبعض التماثيل التي تعود إلى أقدم العصور في بلاد المشرق تصور لنا البدو وهم يلبسون معطفاً مربعاً يلفون به أجسامهم ويبزر طرفه الأخير من تحت الذراع اليمنى ويتدلى من فوق الكتف اليسرى. وأما في الوقت الحالي فإن الحايك قد أصبح لباساً لسكان هم بطبيعة الحال من الممعنين في البداوة أو من هم في غاية الفقر. ولذلك فالاسم الشائع الذي يعرف به الحايك في المغرب، كما في سائر بلاد البربر، هو «الكسا». وهي كلمة تدل على اللباس بامتياز.
أصول الحايك
وكذلك تدل كلمة «الحايك» عامة على الثوب، ويؤخذ خاصة بالمعنى يهمنا في هذا الصدد. وأن تكون الكلمة الدالة على هذا اللباس الخاص في الحالتين لفظاً عاماً يؤخذ بمفهوم خاص أمر يدل في رأينا بوضوح على أن الحايك لباس كان يستعمل في القديم بمفرده. والحقيقة أن خلطاً كبيراً لا يزال يسود مصطلحية أسماء الألبسة من قبيل الحايك، والمقالات العلمية التي أفردها له دوزي لم تكد تسهم بشيء في تجلية هذا الأمر. وينبغي التمييز في أنواع الحايك بين : 1) الحايك الرجالي، وهو لباس من الصوف يرتديه الرجال لوحده، أو يكون عندهم هو اللباس الأساسي، وهو يُعرف باسم «الكسا» أكثر مما يعرف باسم «الحايك»، و2) الحايك الفوقي الذي يتخذ من الحرير، ويجعله الحضريون من فوق كل الملابس الأخرى، فهو يكون عندهم علامة على التأنق، وأكثر ما يعرف كذلك باسم «الكسا»، و3) «الإزار»، وهو قطعة من القماش تكون كذلك مستطيلة من غير خياطة، ويتخذ في العادة من الكتان أو من القطن، ويعتبر اللباس الذي تجتمع عليه سائر نساء القبائل في شمال إفريقيا، وهو يعرف كذلك باسم «الملحفة» و»تاملحفت»، خاصة عند كثير من القبائل الأمازيغية في الجزائر. غير أن كلمة «الملحفة» قد كانت تستعمل، بل إنها لا تزال تستعمل إلى اليوم، في بعض المناطق يراد بها الحايك الذي تخرج به النساء. والذي يبدو أن الإزار قد كان عند العرب القدامى أولاً لباساً للرجال. ثم أن هذا الاسم، كمثل سائر الأسماء الدالة على الألبسة غير المحيطة، يستعمل في معظم الأحيان لا يزيد عن الدلالة على «القطعة من القماش». و4) الحايك الذي ترتديه النساء، خاصة منهن المدينيات، لأجل الخروج، فيجعلنه فوق ملابسهن، وسنعود إليه بالحديث في ما يقبل من هذا الكتاب. وهذا اللباس نفسه يغلب في تسميته «الإزار»، وهو يتخذ من الصوف أو من الحرير أو من القطن. ومما يزيد هذا الأمر غموضاً أن هذه الكلمات قد وقع فيها الخلط جميعاً، بحيث يكاد يكون من المتعذر معرفة المترادفات بينها، وهي التي تتغاير حسب الأزمنة والأمكنة، بل وتتغاير حسب المؤلفين. ويتجه اهتمامنا ههنا إلى الحايك الرجالي، أو «الكسا»، الذي يتخذ لباساً وحيداً، كشأنه عند دكالة على سبيل التمثيل، أو يُجعل لباساً فوقياً، كشأنه عند سكان المدن.
الإحرام
تظهر لنا التمثيلات القديمة التي أشرنا إليها من قبل أن بعض الأقوام التي عاشت قديماً في منطقة المشرق، والتي يمكن أن نحملها على العرب يلبسون تارة وزرة ولا يزيدون إليها شيئاً، وقد يجعلون من فوق هذه الوزرة رداء يمررونه من تحت الذراع اليمنى التي يتركونها بالتالي شبه عارية، ثم يلقونه على الكتف اليسرى. وأما في عصر محمد وحتى من قبله، فقد طرأ تغير على هذا اللباس، فأصبح يُقتصر على معطف واحد يسمى تارة إزاراً وتارة أخرى «رداء»، وهذا كذلك اسم شديد التعميم يُدل به على مطلق اللباس. ويفيدنا بارتن أن بعض القبائل من ساكنة المنطقة الغربية من البحر الأحمر قد استمرت على ارتداء اللباس البدائي. فيكون الجمع بين الوزرة والمعطف في قطعة واحدة يشكل تطوراً في هذا الباب، وربما لم يتسن للناس أن يحيكوا قطعاً من الثوب تكون طويلة كفاية. وعلى كل حال فإن الإزار المتكون من قطعة واحدة قد كان أكثر إراحة من الوزرة الصغيرة ومن المعطف الصغير المعروضين في قاعات العرش من قصر بيرزيبوليس. وأغلب الظن أن يكون استعمال هذا اللباس قد اقتصر على عهد الرسول، لأننا نراه في أحاديث كثيرة يدخل الثياب الأخرى، وخاصة منها الثياب المخيطة كما يُدخل الثياب الأخرى التي كانت ملونة ببعض الألوان، في المبتدعات، وأنه كان يحظر على الحجاج في مكة ارتداءها. فما أن يصير الحاج على مسافة قريبة من مكة حتى يتعين عليه أن يرتدي لباس الإحرام، الذي لا يعدو على وجه التحديد أن يكون اللباس القديم الذي جئنا بوصفه والمتألف من الوزرة والمعطف. فسميت الوزرة حينئذ إزاراً والمعطف «رداء». ونحن نرى في هذا المجال، كما في غيره من المجالات الأخرى، كيف أن مجموعة من الأعراف والعادات القديمة التي لم يعد لها استعمال في غير الاحتفالات الدينية قد صارت تُفرغ عليها مجموعة من الأشكال الدينية. وكذلك هو الشأن عندنا؛ فالثياب التي يلبسها القس الكاثوليكي والحلة التي يتزين بها تعتبر من مخلفات اللباس الذي عرفه الناس في العصور القديمة. وأغلب الظن أن يكون هذا اللباس قد عرفاه كذلك أقوام أخرى من غير العرب أيضاً. فأهل حاحا قد كانوا إلى زمن الحسن الوزان لا يزالون يلبسونه. فقد كتب أن لباس معظم هؤلاء الناس قطعة من الصوف يسمونها «كساء»، يشبه القماش الذي يُتخذ أغطية للفرش في إيطاليا، فهم يلفون به أجسامهم جيداً، ويأتزرون بنوع من الأشرطة الصوفية فهم يغطون بها الأجزاء الخاصة من أجسامهم. فالذي يبد م هذا الذي ذكرنا أن اللباس الوحيد إنما ظهر في وقت لاحق، مثلما أن اللباس المخيط قد جاء من بعد اللباس غير المخيط. وقد استمر الرجال في المغرب على ارتداء اللباس غير المخيط، على هيأة كساء أو حايك.
لبس الحايك
وأما طريقة المغاربة من الحضريين لبس الحايك، فتكون عامة بأن يجعل الرجل إحدى قرنات هذه القطعة من الثوب على كتفه اليسرى ويقبض بطرفه باليد اليسرى، ويلقي ببقية الحايك وراء ظهره، ويسنده مؤقتاً بكتفه اليمنى، فيما يتدلى طرفه على الأرض (الصورة 56، الوضعة رقم 1). ثم يرفعه فوق هذه الكتف ويمرره من تحت الذراع اليمنى، ويرفعه ناحية اليسار، ويرفعه مؤقتاً بيديه فوق رأسه (الوضعة رقم 2). وفي تلك اللحظة يصوبه فوق رأسه، ويرخي القماش بحيث يغطي الذراع اليسرى كلها، وتكون الذراع اليمنى متدلية بطبيعة الحال، بحيث تتيح للحايك أن يتدلى على الجانب الأيمن (الوضعة رقم 3). ثم يخفض ذراعه اليسرى وهو يشد الحايك، بحيث يثبته من هذا الجانب (الوضعة رقم 4). وحينذاك لا يبقى له إلا أن يرسل بيده اليمنى من فوق كتفه اليسرى الحايك الذي يتدلى على الجانب الأيمن (الوضعة رقم 5). وعندئذ يكتمل التحليف؛ فالحايك يُلف على الجسم مرتين، ويمرر فوق الرأس، وما تبقى منه تنسدل على الظهر إلى أن يلامس الأرض (رقم 7). فإذا نظرت إلى هذا اللباس من قبُل رأيته لا يغطي غير مثلث في وسط الجسم (الوضعة رقم 6)، لكن إذا رفع الحايك إلى أعلى في لفته الأولى لم يترك شيئاً من الجسم كشيفاً. بل يمكن تدبر الحايك بحيث يُجعل هذا القسم منه الذي يُلف اللفة الأولى من حول القسم العلوي من الجسم على هيأة جيب يتدلى جزء منه، ويكشف عن الذراع اليسرى (الصورة 57). وأما إذا رغب المغربي في أن يترك يديه طليقتين، فإنه يبدأ بارتداء الحايك على الصورة التي بينا، لكن بدلاً من أن يمرره من فوق رأسه تراه يمرره من تحت عنقه ثم من تحت ذراعه اليمنى، ويلقي بما تبقى من فوق كتفه اليسرى (الصورة 56، الوضعة رقم 9). ويمكنه كذلك ألا يلقي ببقية الحايك من فوق كتفه اليسرى وأن يلقي بها من فوق كتفه اليمنى (الوضعة رقم 8)، وهذه الكيفية في ارتداء الحايك تراها خاصة عند الشبان المتأنقين، وعند العشاق، وتراها في المحصل عند أولاد الأعيان. غير أن الحايك الذي يلبس على هذا الوجه لا يثبت جيداً على الجسم، ومع أن يدي لابسه تكونان طليقتين اثنتاهما، فإن الذي يلبس الحايك على هذه الصورة لا يكون بوسعه أن يقوم بأي عمل يتطلبه المجهود الكبير.
وما أكثر المسلمين في شمال إفريقيا، خاصة من الجزائريين، من يجعلون حايكاً رقيقاً تحت ملابسهم، وهم يديرون في العادة من حول القطعة من هذا الحايك التي تغطي الرأس خيطاً من الوبر يلفونها حول رؤوسهم عد لفات. والحايك هو أيضاً لباس يشيع لبسه فوق الثياب. وسأصف ههنا كيفية ارتداء التلمسانيين للحايك. فالصورة 58 تبين تلمسانياً يرتدي حايكاً من فوق ثيابه، وقد لفه حول جسده على صورة أشبه بالحايك الفوقي عند المغاربة، ونرى جوانبه كيف تتدلى على الوجه. والتلمساني يرتدي فوق الحايك التحتي ثيابه المعتادة، ثم تراه إذا أزمع الخروج إلى المدينة يزيد إليها حايكاً فوقياً. وهو يجعل يلبس هذا الحايك على نحو ما رأينا قبل قليل عند الرجل المغربي؛ فهو يجعل جانباً منه يتدلى فوق كتفه اليسرى، ثم يجعل في هذا الطرف عقدة يشد إليها منديلاً مطوياً من طرفيه، وكثيراً ما يعلق في هذا المنديل المطوي على هذه الصورة خنجراً أو أي شيء آخر يكون له بمثابة الموازن. وكثيراً ما يقتصر كذلك على ذلك المنديل وحده كما يظهر في الصورة. لكنه يكون في العادة منديلاً كبيراً (الوضعة رقم 1). ثم يرتدي التلمساني الحايك كما نحو ما يفعل المغربي. نراه في رقم 2 في الوضعة نفسها التي يكون رأينا عليها المغربي في الوضعة رقم 4 من الصورة 56. لكن في ذلك الحين بدلاً من أن يلقي التلمساني ببقية ذلك الطرف من فوق الكتف اليسرى تراه لا يلقي خلف هذه الكتف غير نصف ذلك الطرف، أي بمقدار ما يتدلى من الطرف السفلي. ويحتفظ في يده بالطرف الموافق للطرف الفوقي (الوضعة رقم 3)، ويلقيه من فوق رأسه من اليسار إلى اليمين، بحيث يتدلى طرف ذلك القسم على الكتف الأيمن. ثم ينزل ذراعه اليسرى فتتدلى اللفة الأخيرة من الحايك بكاملها على الصدر المشمر (رقم 4). وهكذا فطريقة اللباس التلمسانية، وهي أقل أناقة من طريقة اللباس المغربية، فالقسم الأعلى من الجسد يغطى بشدة وبصورة كاملة من قبُل، والرأس يغطى بالحايك مرتين. وإذا أراد التلمساني إطلاق يديه تناول الطرف من الحايك التي نراه في الوضعية (رقم 4) متدلياً في مقدم أعلى الجسم فثناها في يديه ثم رفعها ومرَّرها من فوق رأسه بحيث تتدلى خلف رقبته. ثم يزيد من طلاقة حركاته بأن يرفع إلى مستوى صدره قطعة الحايك التي بقيت متدلية قدامه، متشكلة أشبه بوشاح (الصورة 50)، وهكذا يكن قد تحرر أعضاءه الأربعة.
الحايك عند دكالة
ولنرجع إلى لباس دكالة. وهو لباس لا يزيد عن حايك من الصوف يرتدونه على نحو ما يرتدي الحضريون الحايك الحريري الخفيف. والصورة 60 في الوضعة رقم 1 تظهر دكالياً يرتدي الحايك على هذه الصورة، إلا أنه لا يمد الحايك إلى مقدم جبينه وإنما يقصره خلف رأسه. وإذا أراد الدكالي أن يكون مرتاحاً في لباسه لم يجعل اللفة الأخيرة من الحايك على كتفه اليمنى وإنما يلقيه على الكتف اليسرى، ثم إنه يمرره من تحت الكتف اليمنى ويلقيه، كما رأينا سابقاً، على الكتف اليسرى، بحيث تلبث ذراعه اليمنى عارية، على نحو ما يفعلون في الإحرام (الوضعة رقم 2). والدكاليون يغدون ويروحون ويعملون وهم في راحة تامة في هذا اللباس الذي لا يشده إلى أجسامهم شيء.
لكن هنالك بعض الأشغال، مثل نكش الحقول بالمعول، فهي أشغال لم يأمنوا إذا قاموا بها أن ينحل عنهم لباسهم ويسقط، ولذلك فإذا أزمعوا القيام ببعض الأشغال التي تتطلب منهم المجهود الكبير عمدوا إلى تثبيت ذلك اللباس على أجسامهم على الصورة التالية : فالرجل إذا لبس الحايك على الصورة التي بيَّنا (الوضعة رقم 2)، جذب بيده اليسرى الطرف الأول، ذلك الطرف الذي تركه حين شروعه في لف جسمه بهذا اللباس متدلياً قدامه من فوق كتفه اليسرى (انظر الوضعة رقم 1 في الصورتين 56 و58)، ثم يعقده تحت عنقه بعقدتين إلى الطرف الآخر من الحايك الذي يتدلى خلف ظهره والذي يرده بذلك إلى الأمام حول عنقه من فوق كتفه الأيمن. وبذا يتأتى له أن يثبت الحايك بطريقة جيدة (الصورة 60، الوضعة رقم 3)، ويصير بمقدوره أن ينكب على العمل بكل اطمئنان. ويبقى الرأس في تلك الأثناء عارياً معرضاً لأشعة الشمس، كما في الإحرام، ولن تسمع دكالة يشتكون من هذا الأمر كما يشتكي معظم الحجاج قلة الراحة في هذا اللباس المقدس. وقلما تجد منهم الدكاليين من يلف رأسه برزة صغيرة، ثم إن هذه الزينة لا تنفعهم شيئاً في اتقاء الحرارة.
الحايك والباليوم والتوجة
والحايك على شبه كبير بالباليوم، كما يسمى عند اليونان. وكلمة «الباليوم» يُراد بها بوجه عام، كما هي الكلمات «حايك» و»ملحفة» و»إزار» و»رداء» في العربية كل قطعة من ثوب كبيرة ومستطيلة؛ سواء أكانت غطاء أو نقاباً يتنقب به العروسان أو ثوباً للحمام أو ستارة... ويُراد بالحايك في المعنى الضيق تلك القطعة من القماش التي تتخذ لباساً. فهم يجعلون ذلك القماش على الرقبة ويتركون معظمه على الجانب الأيمن، ويمررونها من تحت الذراع اليمنى، على نحو ما يفعلون في الإحرام، وكما يظهر في الصورة 56 الوضعة 9، وفي الصورة 60 الوضعة 2، ثم يرخونه على الكتف الأيسر. وأما التوجة الرومانية فهي أكثر تعقيداً. ف»التوجا فوسا»، التي شاع ارتداؤها في زمن الإمبراطورية لم تكن مستطيلة، بل نصف دائرية، وقد كانت تُلبس مبدئياً كما يُلبس الباليوم، إلا أن طرفها الأول، الذي يُجعل على الجانب الأيسر، كان يتدلى حتى الأرجل، وأن طرفها الآخر، الذي يجعل تحت الذراع الأيمن ويمرر على مقدم الجسم، قد كان يطوى إلى قسمين بالطول على هيأة جيب مزدوج، ثم تلقى بقية الثوب من على الكتف ويتدلى إلى العقبين. وتشترك التوجة والباليوم والرداء والإحرام في أنها كلها لا تزيد عن قطع من الثوب تمرر من تحت الذراع اليمنى وتغطي الذراع اليسرى، وأما الحايك فهو يغطي الذراعين، إلا من بعض الاستثناءات التي ذكرنا، عدا أنه يُلف حول الجسم لفتين، فيكون بذلك يشكل توليفاً بين قطعتي الإحرام، الذي لا يبعد أن يكون هو أصله المباشر.
ولقد بقي الحايك هو اللباس الأكثر أناقة عند المسلمين؛ فهو لذلك يتعارض مع «الجلابة» الرهيبة التي سنعود إليها بالحديث في موضع آخر من كتابنا، فهي لباس فاقد لأي طعم خاص. ثم إنك لا ترى في المدينة شخصاً متأنقاً لا يلبس الحايك. فهو لا يقتصر على أن يكون علامة مميزة لعلية القوم من جميع الأصناف، وإنما هو إلى ذلك لباس خاص بالعلماء والأتقياء المتصفين في حياتهم بالذوق الرفيع. ولا يعدم فائدة أن نذكر في هذا الصدد بأن الباليوم الذي كان يعتبر في زمن الإمبراطورية لباس الحكماء قد كان يقوم علامة على الحياة العلمية والمستقيمة، ولذلك وجدنا تارتوليين يتخلى فجأة عن التوجة ويرتدي هذا اللباس الشبيه بالمعطف، وليجعل منه، بوجه من الوجوه، لباس النساك المسيحيين. ولقد أثار هذا التغيير ضجة كبرى في في قرطاج، بحيث رأى تيرتوليان من الواجب أن ينشئ في هذا الصدد كتابه «الباليوم»، الذي لم يعد أن يكون، في حقيقة الأمر، وكما يرى العلماء المقتدرون، دفاعاً عن التقاليد وعند الزهد. أفليس من قبيل الطرافة أن نرى في هذا الصدد إلى هذا الشكل القديم من اللباس يُتخذ رمزاً للتشدد والورع، على نحو ما يقع في الإسلام؟ ثم ألست ترى تشابهاً بين الطابع الخاص الذي يفرغه الحايك على العالم وعلى المتشدد الفاسي المتبختر بهذا اللباس الأنيق في بساطته في أزقة العاصمة المغربية؟
الحفلات العائلية
سوف لا نطيل الحديث في الحفلات العائلية عند دكالة ولا في الأفراح والمتع التي يصيبونها خارج البيوت، لأننا نبغي أن نفصل الحديث في هذه الأمور عند تناولنا للقبائل الأخرى التي سنلاقيها في رحلتنا في مملكة مراكش. لكننا سنتوقف عند رياضة تكاد أن تكون هي الخاصية المميزة التي يُعرف بها دكالة بين المغاربة؛ تلك هي البيزرة [أو الصيد بالبيزان].
فأما الختان فإنه يقع عندهم عادة في اليوم السابع أو الثامن من الولادة، وهذا هو الشائع عندهم، لكن منهم من يؤخره كثيراً، ولذلك فإن بعض الأولاد قد يبلغون سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة ولما يختنوا بعد. والفتيات يذهبن وهن صغيرات، على غرار الأولاد، لرعي الماشية، ومتى بلغن انقطعن عن هذا الأمر.
الزواج
وأما الزواج فلا يُذهب فيه عند القاضي (وهو الذي لا تجده في غير مدينة الجديد)، وإنما يُكتفى فيه بالشهود، ولا يحرَّر به عقد، بل يُكتفى بقراءة الفاتحة، وعلى الصورة نفسها يتم الطلاق. وقد جرت العادة على أن تُحمل العروس إلى بيت زوجها فوق جمل، وقد جعلت تحتها زربية، لأن «العطوش» أو الهودج الذي يحمل فوق ظهر البعير شيء غير معروف في هذا البلد. وإذا جاء أقارب العريس ليأخذوا العروس أطلقوا عند باب بيتها بضع طلقات نارية، بحيث يكون ذلك المشهد كأنه عملية اختطاف. ولا ترى الأعراس يقيمها إلا الميسورون من الناس، وأما السواد الأعظم فلا حظ لهم فيها، وإنما هم يكتفون بأعداد كسكس أو «طعام» لجميع أفراد الدوار، ويذبحون خروفاً واحداً على الأقل. وإذا قاموا بحفل صغير فلا يزيدون به في معظم الأحيان عن يوم واحد، وفي اليوم السابع يقفون عليه بحفل ثان. وفي تلك الأيام المتخللة للحفلين يلبث العروسان داخل الخيمة، ولا يمكن لأي شيء أن يجبر الزوج على الخروج. والعادية جارية في معظم مناطق شمال إفريقيا على أنه يذاف بعد الزفاف بقميص العروس المدمى في أنحاء الدوار. غير أن الانحلال الذي يطبع المجتمع الدكالي لا يكون معه ذلك الدم على القميص دليلاً كافياً على عذرية العروس، فقد يجرح العريس في فخذها وبذلك الدم يصطبغ قميصاً للعذرية. والعادة جارية في الجزائر كما في تونس على أن المدعو إلى العرس يأتي بهدية نقدية، وهي إمما تكون سلفة للعريس ويلزمه أن يردها عندما يُدعى في وقت لاحق إلى عرس تقيمه أسرة الرجل الذي هو اليوم ضيفه. وتعرف هذه السلفة عامة في الجزائر باسم «الطاوسة» أو «الكنبوش»، وأما عند دكالة فهي تسمى «غرامة»، وهو الاسم الذي تعرف به كذلك في تلمسان. – وكذلك لا تجد في المراسيم التي ترافق الدفن عند دكالة اختلافاً كبيراً عن مثيلاتها في البلدان الأخرى، فهي على شبه بالمراسيم التي سيقيض لنا أن نعود إليها بالحديث في موضع آخر من هذا الكتاب؛ فلا تبدو شعائر الموت لديهم على قدر كبير من التطور.
الرقص والفروسية
يكثر الرقص في الحفلات والأعراس كما يكثر في «المواسم» (وهي الاحتفالات التي تقام لولي الدوار من الدواوير أو القبيلة من القبائل). فالنساء يرقصن مختلطات بالرجال في غير قليل من النظام، وأحياناً يرقص الرجل والمرأة متقابلين، رجل مع امرأة في الرقص، ويتنافسان أيهما يرقص أطول مدة. وكثيراً ما ترى الرجال والنساء يرقصون في صفين متقابلين، وقد يكون أفراد كل صف بين ثلاثين وأربعين راقصاً وراقصة. وهم يرقصون على إيقاع الطعريجة، يضربون عليها ضرباً موزوناً. فإذا أعوزتهم الطعريجة في اتخذوا القوارير التي يسقون بها الماء، أو الآنية الكبيرة التي يتناولون فيها الكسكس [كذا، وهي الجفنات!]، فهم يضربون عليها بأحذيتهم. فلا قبل لهم ب»الغبطة» ولا «الدف» ولا «الطر». ويكثر عند دكالة المغنون المحترفون، وتكثر عندهم خاصة المغنيات، كما سبق لنا أن ذكرنا بشأن سوق سيدي بنور الذي يأتيه هؤلاء الفنانون ليعرضوا فيه خدماتهم. ويكاد دوار أولاد حمادي، في أولاد مسلم، يكون سكانه جميعهم من المغنين وأسرهم. وإذا كان من غير الممكن أن يقام الحفل من غير غناء ولا رقص، فكذلك لا تقوم للحفل قائمة بدون الفروسية. و الفروسية التي يسميها العرب «لعبة البارود» أو «لعبة الخيل»، تعتبر من أكبر المتع عندهم. وأهل دكالة إذا أعوزتهم الخيول، وكثيراً ما تعوزهم الخيول، أقبلوا على الفروسية يلعبونها بالأرجل؛ ورأيتهم يلوحون ببنادقهم ويقلبونها في الهواء على شتى الأوجه، ثم يطلقونها وقد وجهوا فوهاتها إلى الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.