من المفارقات العجيبة والتناقضات الغريبة الطارئة على بلدة 'تيغسالين" السعيدة، تلك التي تتجلى -من جانب- في هذه "التحولات" المتسارعة والإيجابية التي تشهدها في شتى المجالات خصوصا على مستوى الوعي؛ وعي الأفراد بضرورة التجديد إن لم نقل التغيير، و هي "تحولات" نوعية لا يمكن إنكارها ولا حجب ما ترتب و يترتب عنها من نتائج مهمة، و إن لم تكن ترقى إلى ما نطمح إليه (إذ لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب!؟). وتتمثل في الجانب المضاد في هذا التسيب الأمني الخطير وهذه الهشاشة الوقائية المتردية الذيْن ترفل تحت ويلاتها بلدتنا؛ بحيث صرنا نسمع عن سرقة موصوفة هنا ونصب واحتيال هناك وقطع طريق هنالك، و وابل من الاعتداءات الكارثية بالسلاح "الأسود" (والبياض من الجريمة بريء براءة الذئب من دم يوسف)، متكررة هاهنا و هناك وهنالك... هذا يحدث للأسف في الوقت الذي كثر فيه أفراد الأمن و تعددوا وتنوعت ألوانهم واختلفت أزياؤهم، وما نفعوا ولا أفلحوا في شيء إلا مما تيسر من الدعة والراحة والنعيم والاستجمام والتخييم في المقاهي والإلتصاق بالكراسي حد الألفة، والإدمان على "الكارطا" و"الرامي" حتى التخمة، والعبث بطمأنينة المواطنين والمواطنات وسكينتهم واستقرارهم في الداخل والخارج، في استهتار فاضح بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم من جهة، وفي تحد صارخ لمقتضيات الفصل 21 من دستور 2011 الذي يضمن "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. [بحيث] تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع." من جهة أخرى... أما "أصحاب السعادة" رؤساء المصالح الأمنية المحلية "المحترمين" فحدث ولا حرج، إذ لا يخفى –من جهة – أنْ لا هَم يفعله صاحبنا "الدركي" (رئيس الدرك) إلا انتظار أبناءه أمام باب المدرسة يوميا لحظة الخروج خوفا عليهم من أن يكونوا أصحاب "سعد" على بعض "الفقهاء"، فلا يهنأ له بال إلا ساعة اصطحابهم إلى البيت.. أما أمن العموم فلا يعنيه في شيء البتة ؛ شعاره في ذلك شعار "أنا وأبنائي، ومن بعدي الطوفان". في حين أن صديقنا "المخزني" (رئيس المخزن) قد ابتلي بارتداء زي الحفلات والولائم ليل نهار، عوض ارتداء الزي الرسمي الوطني والظهور بالمظهر اللائق الذي تمليه عليه وظيفته كحام وراء وواق.. وما من رقيب ولا حسيب... أما "كبيرهم".. "كبير" الأمن المحلي طبعا، فقد انطفأ وهيجه منذ أمد بعيد لسبب في نفس يعقوب ! فصرنا لا نشهده بمعية "المخازنية" إلا إبان المهرجانات الرسمية أو عند حلول الوفود الرسمية على البلدة، أو إثر المباغتات التي تَُشن على المستضعفين في هذه البلدة السعيدة؛ ممن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وممن يسعون جاهدين لبناء أكواخ يتسترون تحتها لاتقاء لفحات الحر و وخزات القر، فتنهال عليهم شتائم "المخزن" لتطالبهم برخص البناء (حتى لا نقول "صكوك البناء")، أو لتهددهم بالردم والهدم والمتابعة القضائية إلخ... أقول هذا الكلام العنيف –ربما-، على مسؤوليتي لا على مسؤولية أحد، لأن الوقت قد حان ليتحمل كل منا مسؤولياته بكل ما يلزم من رباطة جأش، حتى لا تغدو "تيغسالين" أشبه ما يكون بالغابة التي لا أمن فيها ولا حق ولا قانون، أو أشبه ب"الغيتوهات" الأمريكية المغلقة التي غالبا ما يحكمها أخطر المجرمين...و أنا لا أعمم على الجميع هذه الأحكام القاسية ، فهناك طينة من رجال الأمن المحليين تستحق منا كل التقدير والاحترام، وهم معروفون ومشهود لهم على كل حال ... لكن قد يصابون بعدوى الخمول والركوض إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه، و هيهات هيهات... ختاما، يمكن أن نقول مع "علم الإجرام" بأن الجريمة والانحراف في الوسط القروي هي مظاهر وظواهر لعدة اختلالات وأزمات في التدبير الثقافي والمجالي المحليين، لكن هذه المهزلة الأمنية النكراء في مجال ترابي ضيق سهل التحكم، تتطلب منا كمتتبعين، ومن المسؤولين العموميين المحليين -من ذوي النوايا الحسنة- وقفة تأمل حازمة ! لأنه لا يعقل أن نتحدث اليوم عن تنمية شمولية حقيقية بدون حكامة أمنية فعالة وناجعة، توازيها بطبيعة الحال حكامة ثقافية-تربوية متمكنة (تحديث دار الشباب- دار المواطن-مركز ثقافي-مجتمع مدني-نخب ثقافية...)... حينها فقط سيحق لنا أن نتحدث عن أمور أخرى هي من صميم "التحسينيات".