كشف تعامل السلطات المغربية في الأشهر الأخيرة مع العلم الأمازيغي عن استمرار نفس العقلية القديمة في التعاطي مع رموز الحركة الأمازيغية في الفضاءات العامة والساحة الإعلامية، وهكذا فبعد منع الشبان الأمازيغ من حمل العلم الأمازيغي والتنكيل بهم في مخافر الشرطة خلال سهرات مهرجان موازين، خاصة السهرة التي أحياها نجوم الأغنية الأمازيغية . تواصل القمع بعد ذلك في مدينة مكناس في مهرجان أحواش وفي مهرجان طنجة مؤخرا. تؤكد المؤشرات السابقة أن توابث الدولة المغربية والتيارات المعادية للمطالب الأمازيغية يزعزعها العلم الأمازيغي وباقي الرموز الأخرى كمعتوب لوناس ومانو دياك ومحمد بن عبد الكريم الخطابي وحرف " ياز " الخ. تنبأنا في مقال سابق باستمرار مسلسل منع حضور العلم الأمازيغي في الفضاء العمومي ووسائل الإعلام المغربية على اعتبار أن الصراع في المستقبل سيحسم بالرموز والأيقونات التي ستسيطر في الإعلام المرئي، وتأكد لنا التنبؤ بالفعل خلال فعاليات المهرجان الأول للفنون والإبداعات الجبلية الذي نظمته جمعية جبال العالم فرع خنيفرة بتنسيق مع المجلس البلدي وعمالة خنيفرة ما بين 22 و24 يونيو 2013، حيث برزت في حفل الافتتاح مؤشرات الإحراج الذي سببه المنظمون للوفد الرسمي برئاسة عامل الإقليم مرفوقا برؤساء بعض المصالح الإدارية الأخرى، بدليل انصراف الوفد بسرعة بعد تقديم الجوائز لعناصر فرقة السليماني للفروسية التي فازت بذهبية جائزة الحسن الثاني للفروسية التقليدية بالرباط مؤخرا، دون أن يحضر فعاليات الليلة الأولى من المهرجان . من حسنات المهرجان أن العلم الأمازيغي أثث فضاء ساحة أزلو التاريخية حيث في بداية الاحتفال و وضع في الجانب الأيسر من المنصة الرسمية، كما حملته الفنانة عائشة مايا على كتفيها أثناء أدائها لمقاطع من المواويل الأمازيغية، وحضر العلم الأمازيغي أيضا في قبعات اللجنة المنظمة. تبدو الأمور إلى هنا جيدة ، لكن بعد ذلك ستنقلب رأسا على عقب عندما دخل عنصر غريب إلى ساحة أزلو التي تختزن تاريخ ومجد القبائل الأمازيغية بفرسانها ومعاركها ضد المستعمر الفرنسي، هذا الكائن الغريب لم يكن غير صحفي القناة الأولى الذي كانت تصرفاته في الساحة تعبر عن عدم ارتياحه في القدوم إلى مدينة خنيفرة في مهمة تدخل في صميم وظيفته الإعلامية، وقد دلت على ذلك مؤشرات كثيرة منها : مطالبته اللجنة المنظمة بسحب العلم الأمازيغي من المنصة ومن كتفي رئيس مجموعة أولاد عمر الفنية عند صعوده إلى المنصة، كما أنه سحب الهاتف النقال من فتاة كانت تقوم بتصوير إحدى الفرق الفنية بدعوى عرقلتها لمهمته الصحفية، متجاوزا بذلك اختصاصات اللجنة المنظمة. ومما لا شك فيه أن الصحفيين الذين يرسلون لتغطية مثل هذه التظاهرات تعطى لهم الأوامر لتجنب تصوير الرموز الأمازيغية. لم يبد المنظمون أي تحفظ من تصرفات الصحفي بل لبوا جميع طلباته وسحبوا الأعلام الأمازيغية من الساحة، ولم يظهر لها اثر حتى في الأيام الموالية من المهرجان، وأكثر من ذلك اعتمد منشط السهرات على اللغة العربية بنسبة 90 في المئة، وناذرا ما يتحدث بالأمازيغية مع العلم أنه من الباحثين في الشعر الأمازيغي، ويشهد له بالمساهمة في توثيق الذاكرة الإبداعية بالأطلس المتوسط. نواصل سفرنا مع العلم الأمازيغي إلى أكادير وبالضبط إلى السهرة التي أحيتها المناضلة الأمازيغية فاطمة تباعمرانت التي وضعت القوى العروبية أمام الأمر الواقع بما فيهم "البربري" الذي قدم السهرة والذي بلغت به الوقاحة استعمال كلمة "المغرب العربي" وسط مدينة أكادير التي أعطت الكثير من المناضلين المناهضين لتلك التسميات العنصرية. لقد أعادت الرايسة فاطمة الاعتبار للعلم الأمازيغي الذي منع في أكثر من موقع بحملها له فوق كتفيها مقوضة بذلك التعليمات القادمة من الرباط والدار البيضاء للمصورين بتجنب تصوير الأعلام الأمازيغية في السهرة ، ولم تكن لهم الجرأة للقيام بمثل ما قام به صحفي القناة الأولى بمدينة خنيفرة لأن تابعمرانت لن تقبل بذلك بتاتا . قد يتهمنا البعض بالمبالغة في آرائنا حول هذا الإشكال لكن أدعوكم لمشاهدة السهرة من جديد في النسخة التي نقلتها القناة " الأمازيغية " في موقع اليوتوب وانتبهوا للطريقة التي تم بها التصوير وللحذف الذي طال بداية السهرة حين كانت الرايسة فاطمة تتحدث عن معتوب لوناس، طيلة السهرة كانت إطلالة الكاميرا إلى الجمهور ناذرة لا تتعدى بضع ثوان للحيلولة دون ظهور العلم الأمازيغي. والكل يعلم أن الجمهور يشكل عنصرا أساسيا في المهرجانات، حيث من خلال الأعداد التي تحج إلى السهرة يحكم المتتبعون على نجاح المهرجان من عدمه وهذا الأمر لم يكن متاحا للذين شاهدو السهرة في القناة "الأمازيغية" . نجحت الرايسة تباعمرانت في لفت الانتباه في أولى ليالي مهرجان تيميتار وسطع نجمها في سماء مدينة أكادير عندما افتتحت سهرتها بالحديث عن الشهيد معتوب لوناس وإهدائه أغنية من أغانيها، ومما لا شك فيه أن التاريخ سيسجل لها هذه الالتفاتة، وسيعطي لها دفعة أخرى في مسيرتها الفنية والنضالية التي تزكيها أغانيها الرائعة المرتبطة بالهوية واللغة والأمازيغية.