من المسلمات أن السينما نشأت أجنبية الفكر والتنفيذ، وأنها لم تكن في يوم من الأيام محايدة، أو أداة للتسلية، أو تجارية فقط، وإنما هي تبث رسائل فكرية محددة تستلب عقول مشاهديها بالإثارة واستنبات إيديولوجية معينة، خصوصا أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والمعسكر الشيوعي الذي قادته الإتحاد السوفياتي السابق. ، إذ كانت السينما من أقوى الأسلحة الفكرية لتأطير وصياغة أفكار المشاهدين، حتى قال الزعيم الشيوعي لينين عام 1907 " تعتبر السينما من بين جميع الفنون أهمها بالنسبة لنا"، فإن صراع الكبار آنذاك، تجاوز حدود أوربا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية،إذ خاف لينين من تأثير السينما الأمريكية والأوربية على دول الشيوعية من تمرير الأفكار الرأسمالية، إلا أن صراع الأفكار بين معتنقي الرأسمالية والشيوعية، أغرق دول العالم الثالث في محنة النمو الحروب الفنية والثقافية ومن خلالها السينمائية لا متناهية، نجم عنه إنشاء أندية سينمائية في العالم انعكس أمرها على الوطن العربي ومن خلاله المغرب، الذي هو الأخر تبنى أندية سينمائية وحرص على إيجادها في ظل وجود تيار يساري قوي خلال سنوات السبعينات وبدايات الثمانينات، حيث تكفلت بدور مهم في تكريس الوعي بالسينما وقيمها الفنية ودورها في الحياة من خلال تواصلها مع شرائح المجتمع. وحركة الأندية السينمائية بمراكش، لم تخرج عن هذا النطاق، فقد عاشت فترة ذهبية خلال الحقبة المذكورة، بفضل وجود تيار يساري قوي حرك ربط النضال السياسي بالحركة السينمائية والثقافية وجعلها في صلب مهامه النضالية انطلاقا من دور الشباب، غير أن هذه الحركة لهذه الأندية السينمائية،تأثرت بالجو العام السائد على مستوى تراجع الأندية الفاعلة فيه، وهذا يعود إلى أسباب ذاتية وموضوعية. وهذا ما يذهب إليه الناقد السينمائي محمد اشويكة حينما يرجع تراجع تأثير الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، نتيجة الإكراهات المادية والتنظيمية ، وانتشار القرصنة واكتساح التلفزيون للفرجة العائلية والأسرية إلى جانب انشغال الشباب بالانترنيت ووسائل الترفيه الأخرى. ويفيد محمد آشويكة، أن الأندية السينمائية بمراكش، انقرضت بفعل تأثيرات خارجية عن المجال السينمائي، حيث لم يعد تنشط في المدينة سوى ناديين هما نادي (الأخوين لومير) بدار الشباب سيدي يوسف بن علي ونادي (أورسن ويلز) بدار الشباب الموخى، مؤكدا أنها أزمة حقيقية التي يعرفها مجال عشق السينما المهيكل والمنظم داخل الأندية السينمائية، وأنها ليست مجرد مكان لعرض أفلام مما اعتاد الجمهور، فإنما هي بينية للتأطير والاختيار وتربية الذوق الجمالي والفني وحفظهما من العبث ومن الذهاب نحو أفلام استهلاكية كبرى ذات طابع إيديولوجي. غير أن الباحث السينمائي والمسرحي بدر الدين أسليم يقول بأن العديد من المعطيات، لعبت لصالح اندثار النادي السينمائي وانقراض مريديه،مثل تهميش دور الشباب التي تناقصت بالمدينة الحمراء وساءت أحوال ما تبقى منها، إلى جانب تراجع دور الأحزاب السياسية خاصة اليسارية التي ولدت أندية سينمائية عديدة، كانت تعتمد عليها لتمرير إيديولوجياتها من خلال برمجة مجموعة من الأفلام الملتزمة بقضايا الإشتراكية ومناقشتها.مبرزا أن تراجع أحزاب اليسار بالمغرب، أدى بطبيعة الحال تراجع الأندية السينمائية ومن خلاله تراجع العمل الجمعوي. إن النادي السينمائي خلية مصغرة لتعبيد الطريق أمام رسم ملامح خيال خصب، من شأنه أن يربي الناس على استهلاك المنتوج السينمائي داخل قاعات السينما، فقد كانت مراكش مرتعا خصبا للحركية ( سينيفلية)، تحتضنها مجموعة من القاعات المنتشرة بالمدينة ، إذ كان للجمهور فرصة لمشاهدة ومناقشة الأفلام التي أثرت في تاريخ السينما العالمية، فكانت الفرجة ممزوجة بالفكر والتحليل، إلا أن الأسباب الكبرى التي أدت إلى إنهيار الثقافة ( السينيفلية) أو عشق السينما بمراكش، إغلاق أهم القاعات التي كانت قريبة من الجمهور داخل الأحياء،وتراجع المحفزات على مستوى دعم الأندية المهتمة بهذه الثقافة من نقاد وكتاب وسينمائيين ومهتمين. وهذا ما جعل الكثير من الفاعلين في القطاع يسعى إلى الرهان على المهرجانات الكبرى ، التي ليست لها امتداد على طول السنة، فالنادي السينمائي كان يضمن استمرارية التكوين والعرض ، ويأخذ على عاتقه التأطير.