من اليوم فصاعدا، سيصبح على الباحثين والمتخصصين في العلوم السياسية أن يدخلوا في حسابات تحاليلهم مفهوما إجرائيا جديدا يمكن تسميته ب“الديموكتاتورية“ وهو مفهوم يمكن على ضوءه فهم وتحليل أغلب أنظمة الحكم السائدة في العالم العربي من المحيط إلى الخليج. هذا المفهوم هو في حقيقة الأمر تركيبة هجينة بين نمطين للحكم تجمع بين الديموقراطية والديكتاتورية في أسوء تجلياتها. مناسبة هذا الكلام، الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من خلال متابعة تداعيات انتفاضة الجياع بالجزائر وثورة العاطلين بتونس التي خلفت ولازالت العشرات من القتلى والبقية تأتي، وعلى رأسها الطابع العفوي لهاتين الانتفاضتين والذي غابت فيها الأحزاب السياسية والنقابات وكذا الجمعيات الأهلية على حد تعبير إخوتنا المشارقة، وحتى عندما ارتأى النظامان فتح قنوات الاتصال للتحكم في مجريات الأحداث التي فاجأتهما بطبيعتها وبامتدادها في الزمان والمكان، لم يجدا من سبيل إلى ذلك. وهذه نتيجة منطقية لسنوات من الإقصاء والمضايقات التي استهدفت كل صوت وطني وديمقراطي يغرد خارج صوت الأجهزة الرسمية الحاكمة.. هذا الاستنتاج لا يعني النظامين، الجزائري والتونسي فحسب، بل ينسحب على مجمل الأنظمة العربية مع استثنائين أو ثلاثة في أحسن الأحوال والتي تصلح كنماذج للتدريس بأقسام العلوم السياسية، بالنظر لفرادتها والمفاجآت التي تحملها كلما تقدم بها الزمان في الحكم، فمن تمديد سنوات الولاية باستفتاءات دستورية بنتيجة تسعة وتسعين في المائة من المصوتين بنعم، انتقلنا اليوم إلى توريث أنظمة الحكم الجمهوري وهذا إبداع ما بعده إبداع ؟ أن الأوان ليراجع معظم الحكام العرب نظرتهم لشعوبهم وأنماط حكمهم، إن هم أرادوا أن تتذكرهم شعوبهم بجليل أعمالهم وليس بتعداد القتلى والدماء التي سفكوها.