كشفت الأحداث الأخيرة التي هزت مدينة سيدي بوزيدالتونسية، على مدى أكثر من عشرة أيام، هشاشة "النموذج التونسي" في الاقتصاد والذي ظل بعض "المخللين" الاقتصاديين/ نقطة فوق الحاء، يروجون له هنا وهناك ولسان حالهم يقول "بجواز بناء اقتصاد قوي بنسبة نمو مهمة في ظل نظام سياسي توتاليتاري"، في إشارة إلى النظام التونسي الذي يمسك بزمام الأمور بقبضة من حديد غير أبه في ذلك بالمناشدات الدولية لإطلاق الحريات العامة بالبلاد التي تعاني من خنق لا نظير له إلا بالبلدان الخاضعة للحكم العسكري. لما لا، وزين العابدين جاء إلى سدة الحكم بتونس على ظهر دبابة عسكرية؟ الأحداث التي انطلقت شرارتها الأولى على إثر إقدام الشاب محمد بوعزيزي على الانتحار على عمود كهربائي لتتلوه بعد ذلك عمليات أخرى، لكن بطرق مغايرة لثلاث شبان آخرين احتجاجا على البطالة ، سواء من خلال الانتحار حرقا أو بالارتماء في قعر بئر، ساهمت في تسليط الأضواء مجددا على تونس وكشفت بالملموس محدودية الآثار الاقتصادية على أوضاع عامة الشعب الذي يعاني السواد الأعظم من شبابه من البطالة وقلة فرص الشغل المتاحة أمامه. والمثير للاستغراب ، أن تندلع هذه الأحداث بتزامن مع اضطرابات مشابهة، كانت كل من الجزائر العاصمة وبلدية تنغير المغربية مسرحا لها. في الحالتين معا،خرج الشباب في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بالشغل والسكن بشكل عفوي ومن دون أدنى تأطير سياسي أو نقابي وهي الخاصية التي ميزت "انتفاضة الجياع" بسيدي بوزيدالتونسية.ليتأكد مجددا، إن كان الأمر يحتاج لتأكيد، أن الاقتصاد والديمقراطية هما وجهان لعملة واحدة لا تستقيم إحداهما بدون الثانية. وتلك واحدة من المعضلات الكبرى التي تعيق بناء الوحدة المغاربية التي تحول دونها الخلافات البينية المفتعلة.