يمكن تعريف "البوليتيكوفوبيا"أو ما يمكن تسميته برهاب السياسة،على أنها ذلك الخوف المرضي من السياسة،بمعنى أن ذلك الخوف ليس له،أو لم تعد له بتاتا أية أسباب وجيهة أو منطقية تدفع الفرد إلى استمرار التوجس المبالغ فيه من عالم السياسة . وإذا كانت بعض الدول قد مرت بمراحل تاريخية صعبة، طبعت الحقل السياسي بميسم الصراعات الدموية والاعتقالات مما خلف لدى الناس خوفا شديدا من عواقب الممارسة السياسية، وبالتالي الهروب من ساحة الفعل العمومي، فإن هذه الدول تخضع بشكل أو بآخر لموجة الديمقراطية العالمية، والضغوط الخارجية والاكراهات الداخلية، بل منها من بدأ يقتنع بان الديمقراطية ليست ترفا، بل هي وسيلة لتدبير الصراع والية من آليات التنمية. وهو الأمر الذي يزيح أسباب التخوف من السياسة، بل يدعو إلى الانخراط لتعزيز المكتسبات الديمقراطية مهما كانت بسيطة. والمتفحص للنفسية السائدة لدى أعداد غفيرة من جموع الشعوب العربية يلفت انتباهه التجهم الحاد والنفور الشديد، والتصور المرعب المرتبط بالسياسة وكل ما يحوم في فلكها من مواضيع. الأمر الذي يجعل الأغلبية الساحقة من مواطني الدول العربية بعيدة عن مجال النضال السياسي، وبالتالي التأثير في مجرى الشأن العام. تزداد صورة السياسة قتامة وقبحا في ذهنية العربي،حينما تنقصه المعرفة الحق بأصول الساسة ومبادئها، حينما تختلط عليه بما يلاحظه في المشهد السياسي من سلوكيات تصدر عن "السياسيين" الذين يمتطون صهوة السياسة لأجل مصالحهم، ويوجهون السلطة التي يصلون إليها عبر الدهاليز المظلمة لتخدم أهدافهم الأنانية وان كانت تدمر الصالح العام (الانشقاقات الحزبية وتفريخ الأحزاب بحثا عن المناصب و الحقائب الوزارية ، نهب المال العام ....) وإذا كان الإنسان عدو ما يجهل، كما جاء على لسان أرسطو، فان جهلنا بأسس السياسة ومبادئها وأهدافها الأصيلة قد يتضافر مع عامل آخر، هو السلطوية، ليشكلا معا العاملان الرئيسان اللذان يؤديان إلى الخوف من السياسة ، فالفكرة المسبقة عن"فن الممكن" المشوبة بعدة صفات ذميمة من جهة،والممارسات المتسمة بالشطط والتعسف وخرق القانون من جهة أخرى، تؤديان إلى خلل في المنطق logoneurose ،هذا الخلل يولد خوفا غير خاضع لأسباب عقلية وجيهة من عالم السياسة ، بل كثيرا ما يعتز الأفراد في الوطن العربي بطهريتهم لأنهم لاينتمون إلى ذلك العالم، وهي طهرية وهمية pureté illusionaire لأن هؤلاء يعيشون في نفس البيئة مع المشتطين والمتسلطين، وترك مجال الشأن العام بأيديهم ليفعلوا ما شاؤوا به، لن يزيد البيئة السياسية إلا تلوثا، وسيكرس أكثر فأكثر جدلية السيد والعبد، وعلاقات الخضوع والإخضاع. و إذا كانت نسبة الانخراط في الحياة السياسية ترتفع أو تنخفض حسب الظرفية السياسية والاقتصادية لكل مجتمع، فانه لابد أن نحذر من سقوط المجتمع في هوة اللامبالاة السياسية، الأمر الذي يدعو كل مثقف وسياسي ومناضل إلى العمل على علاج الأمراض السياسية التي يعاني منها الجسد السياسي العربي، ومن بينها البوليتيكوفوبيا . في هذا الباب لابد من الإشارة إلى أهمية بعض العلاجات التي قد يكون لها أثرها الشفائي : أولا: العمل على خلق مناح من الثقة والأمان الاجتماعيين، وذلك عبر إعلاء سيادة القانون؛ ثانيا: جعل الديمقراطية - التي وصفها عدد من المفكرين السياسيين دواء ناجعا للعديد من الأمراض السياسية- منهجا لتدبير الخلافات،عوض اللجوء إلى العنف والتطاحنات والدسائس السياسية؛ ثالثا: العلاج بالتعويد عبر إشراك الناس(خاصة الشباب)، شيئا فشيئا، في تدبير الشأن العام، مع التسامح مع الهفوات و الأخطاء (لامع الخطايا طبعا). رابعا: فسح المجال أمام حرية التعبير وممارسة المعارضة البناءة لأجل إصلاح كل اعوجاج يلحق بالممارسات الحكومية، وردع كل شطط قد ينجم عن سلطتها التنفيذية أو عن أي شخص يتحمل مسؤولية تمثيلها.