يسأل زميله عن مستوى الإقبال على الحمًام في الصباح. فيجيبه بتحريك رأسه، دلالة على انصراف الناس عنه في هذا اليوم شديد الحرارة، وينهمك في ارتداء ملابسه، بعدما قام بتدليك أحد الزبائن القليلين الذين ظلوا أوفياء للحمام الشعبي الذي يقع بحي بوسكري بالمدينة العتيقة بمراكش. القاعة الخارجية الفسيحة للحمام خالية من الزبائن. المسؤول عن استقبالهم الذي يستودعه الناس ملابسهم، منهمك في سماع الأخبار من إحدى الاذاعات على الراديو.. هدوء غير معهود في الحمامات الشعبية بمراكش، في شهر غشت، علما أن السواد الأعظم من المراكشيين متعلقون بحمام الحي الشعبي، الذي يقصدونه، رغم توفر حمامات في المنازل. ويستدعي الحمام الشعبي طقوساً خاصة لا يتنازل عنها المراكشيون على غرار باقي المغاربة، الذين يتولون تقديم خدمة التدليك للزبائن، الذين يطلق عليهم “الكسال”، فهم في شبه عطلة في فصل الصيف في الحمامات الشعبية. يجدون أنفسهم في حالة انتظار لمدة تصل إلى الشهرين، ونادراً ما يسأل أحد الزبائن عنهم، لكنهم يتحلون بالكثير من الصبر وينتظرون إتيان من يطلب خدماتهم. لا غنى للكثير من المراكشيين الذين يرتادون الحمامات عن “الكسال”، الذي يتولى تدليك الأجساد التي يتصبب منها العرق في إحدى قاعات الحمام المرتفعة حرارته. هناك يستلقي رواد الحمام، الذين يكون أغلبهم قد غطوا أجسادهم بالصابون البلدي الأسود، الذي يستثير الأوساخ، ليدخل بعد ذلك “الكسال”، حيث يخلصهم منها، وسط الدخان الذي يحجب، في بعض الأحيان، الرؤية. الكسال في حمامات مراكش الشعبية، شخص مشهود له بالصبر والتحمل. يستطيع قضاء ساعات في القاعة، التي تصل فيها درجات الحرارة إلى مستويات لا تطاق. وبينما يغادر الزبائن تلك القاعة إلى أخرى باردة قليلة، يؤدي الكسال عمله بالكثير من الجد والتفاني، تركيزه يكون بالكامل على العمل الذي يقوم به. أغلب المتعاطين لهذه الحرفة الشهيرة في مراكش، يأتون من النواحي، وخاصة من القرى، يطلبون رزقهم من تدليك أجساد مرتادي الحمامات. بعضهم يأتي من مناطق بعينها، عرف أبناؤها بالعمل في الحمامات، التي يقيمون بها في بعض الأحيان. هذه الشريحة من مراكش، لا يفكر فيها الناس إلا عندما يريدون الاغتسال والتخلص من التعب، يستجيبون لهم بالكثير من الحفاوة ويعتنون بأجسادهم. حيث يقومون بواجبهم ويتوارون إلى الظل، خاصة في فصل الصيف حيث يولي الكثير من الناس وجوههم عن الحمام الشعبي.