تعد الحمامات جزءا أساسيا من الحياة المغربية، خاصة في المدن العريقة، لكن وضع العاملات في هذه الحمامات العمومية صعب، نظرا لغياب شروط العمل الكريم والضمانات الاجتماعية. إنها من المرات القليلة في حياة الصحفي التي يضطر فيها لخلع ملابسه للقيام بروبورتاج، تلك التي هي داخل حمام مغربي. "الدخول بكاميرات تصوير أو الهواتف النقالة المتوفرة على كاميرات، يعتبر خرقا للقانون، ومن يقوم بفعل مشابه يُعرض نفسه لمشاكل مع الشرطة"، هكذا كتب على ورقة بيضاء معلقة في بهو الاستقبال في الحمام، ورقة علقت مباشرة تحت صورة العاهل المغربي محمد السادس. يخصص هذا البهو لخلع الملابس وتسليمها إلى السيدة المكلفة بالاستقبال، والتي لها أدوار أخرى كاستلام التذاكر، التي تباع خارج الحمام. يقارب ثمن تذكرة الحمام العمومي في المغرب اليورو ونصف اليورو للكبار، ويورو بالنسبة للصغار. كما تقوم السيدة في الاستقبال ببيع المشروبات الغازية أو الماء للنساء اللواتي خرجن للتو من حمام البخار الساخن، إضافة إلى بعض لوازم الحمام المغربي كالحناء أو الصابون " البلدي". يقع حمام "مارسا" في قلب العاصمة الرباط، غير بعيد عن سوقها الشعبي في "باب الأحد". ولأن العاصمة المغربية لا تتوفر على الكثير من الحمامات العامة كباقي المدن المغربية، فإن هذا الحمام يعتبر من الحمامات الرئيسية في العاصمة، حيث ينتمي زواره إلى طبقات اجتماعية مختلفة، ففي هذا الفضاء من الممكن أن تلتقي الوزيرة و الممثلة و الطبيبة والعاملة…" يأتينا زبائن حتى من مدن مجاورة كمدينة سلا ومدينة تمارة" تقول إحدى العاملات في الحمام. يوم عمل شاق يتوفر الحمام على حوالي 30 عاملة، تجدهن جالسات في ركن من بهو الاستقبال، مرتديات وزرات زرقاء، وينتظرن أن تختارهن إحدى الزبونات، لمرافقتها في الحمام. في هذا الفضاء ونظرا لتشابه أسماء العاملات وتكرارها، كاسم فاطمة وخديجة وغيرها، تم إعطاء ألقاب لكل عاملة استنادا إلى المنطقة التي تنحدر منها، فصارت لهن أسماء من قبيل:المكناسية، المراكشية، العبدية... حتى انمحت أسماؤهن الأصلية. يتلخص دور العاملة في الحمام، والتي تسمى باللهجة المغربية "الطِيّابة" أو "الكَسّالة" في جلب الماء للزبونة، فلا تحتاج هذه الأخيرة للقيام كل مرة لملئ أسطل الماء من الصهريج. كما تقوم "الطيابة" بتدليك السيدة أو ما يسمى "الحك"، وهي عملية تستخدم فيها ليفة مغربية خشنة، تزيل الجلد الميت والأوساخ. وتحتاج هذه العملية إلى مجهود عضلي بالإضافة إلى قدرة على احتمال الحرارة المتواصلة، خاصة في القاعة الساخنة. فالحمام المغربي ينقسم إلى ثلاث قاعات، تكون الأولى باردة وهي القريبة من المدخل، ثم تأتي القاعة الثانية وهي المتوسطة الحرارة، ثم الأخيرة والتي تكون شديدة الحرارة وممتلئة بالبخار. فاطمة هي امرأة تقترب من الستين، تشتغل في هذا الحمام منذ أكثر من 13 سنة، ولها أكثر من 20 سنة في هذا المجال. تقول فاطمة عن نظام عملها اليومي:" نحن" الطِيّابات" نشتغل يوما ونرتاح اليوم الذي بعده، يبدأ يوم العمل في الساعة السادسة صباحا أي وقت فتح أبواب الحمام، ونبقى حتى الساعة العاشرة مساء". لا يتوقف عمل " الطيّابة" على الاهتمام بالزبونات فقط، ولكنها مسؤولة أيضا عن نظافة الحمام، التي ليست لها أوقات معينة، وإنما هي عملية مستمرة على مدار الساعة، ولكل واحدة من هؤلاء العاملات نصيبها من هذه العملية.
لا تأمين ولا ضمانات اجتماعية تبني الزبونة علاقة طيبة مع إحدى العاملات في الحمام، التي ترافقها في كل مرة تأتي فيها إلى الحمام. فما تعطيه الزبونات إلى هؤلاء العاملات من مال، هو ما يُكَوّن راتبهن الشهري، فهن لا يتقاضين أجرا آخرا غيره. لكن قد تفاجأ إحدى الزبونات في زيارة تالية أن "الطيابة" التي اعتادت مصاحبتها قد ماتت، خاصة ببعض الأمراض الناتجة عن الاشتغال الدائم في حرارة مرتفعة، كالأمراض المرتبطة بالمرارة. كما أن هؤلاء العاملات لا يتوفرن على تأمين صحي ولا على تقاعد. تقول نعيمة وهي عاملة في الحمام، في الثلاثين من عمرها وأم لطفلتين:" لم أعد أستطيع من الناحية الصحية أن أشتغل في الحمام، لذلك أحاول أن أجد عملا كخادمة في أحد البيوت". فاطمة عندما سألناها عن رؤيتها للمستقبل، إذا أصبحت غير قادرة على الاشتغال قالت:"ليس لي تقاعد، لكن الله كبير لا ينسى أحدا، كما أني أعول على أولادي الذين لن يتخلوا عني بالتأكيد". هكذا تكلمت فاطمة برضا، وهي التي ترملت حديثا. خلافا للثمن المدفوع للدخول إلى الحمام، ليس هناك مبلغ محدد يمكن دفعه للعاملة في الحمام، فكل زبونة تدفع الثمن التي تقيمه بنفسها وتراه مناسبا. لكن غالبا ما يترواح الثمن المدفوع لهؤلاء" الطيبات" بين 3 و 10 يورو. حمامات فوق العادة في الآونة الأخيرة ، ظهرت في الرباط حمامات عامة راقية ليست في متناول الجميع، نظرا لثمنها المرتفع مقارنة بمستوى المعيشة في المغرب، حيث يتراوح ثمنها بين العشرين والأربعين يورو. وتوجد هذه الحمامات في الأحياء الراقية كحي السويسي وحي الرياض. وهي حمامات تعتبر جزءا من نوادي كبرى، تعرف إقبال الأمراء والأميرات ورجال الدولة والنجوم... يحتاج الدخول إلى هذا النوع من الحمامات إلى موعد مسبق، كما لا يملك الزبون حرية بقاء المدة التي يريدها كما هو الحال في الحمامات الشعبية، وإنما تحدد له ساعة فقط. في هذا النوع من الحمامات تكون وضعية "الطيّابات" أفضل بكثير من زميلاتهن في الحمامات الشعبية، فهن يتقاضين أجرا من المشرفين على الحمام، إضافة إلى الإكراميات التي يتلقينها من الزبونات، اللواتي يكن في الغالب زبونات فوق العادة. ريم نجمي- الرباط مراجعة:هبة الله إسماعيل