الحمام المغربي بيت الأناقة بامتياز أعجز بجاذبيته وأصالته دور الرشاقة ومراكز التجميل على منافسته: سحر تحت البخار لا يقاوم الحمام المغربي، هندسة فريدة طقوس متوارثة: دخول الحمام ليس كخروجه راحة الاستسلام للكسال سطوة الحمام التقليدي وصموده دلك وفرك وتقلص وتمدد لترتاح الأنفس وتتطهر الأبدان الحمام المغربي بيت الأناقة بأصالة وامتياز الحمام المغربي بيت الأناقة بامتياز أعجز بجاذبيته وأصالته دور الرشاقة ومراكز التجميل على منافسته يستأثر الحمام المغربي التقليدي باهتمام المجتمعات الشرقية والغربية ويثير إعجابهم بما يتميز به من هندسة فريدة وتصميم بديع وما يستدعيه من طقوس ترافق الاستحمام ليس لها مثيل حتى في الحمام التركي الذي استوحى منه الحمام المغربي نموذجه. ويعتبر الحمام المغربي بيت الأناقة والرشاقة بامتياز فيه يأخذ المستحم حظه من الاسترخاء والاستلقاء، مستمتعا بالدلك والفرك في بخار الماء الفائر تحت القباء بين الأبهاء وسط الدلاء، حتى إذا قضى وطره من النظافة والوضوء استسلم للراحة وأسلم جسده لها أسبوعا كاملا قبل أن يعود المرَّةَ والكَرَّة. سحر تحت البخار لا يقاوم ولم تستطع دور الرشاقة وحمامات الساونا وبيوت التدليك التي انتشرت كالفطر في الفنادق الفخمة والأحياء الراقية وداخل الأبراج العالية في المغرب أن تقاوم سحر الحمام التقليدي الذي ما يزال محافظا على طابعه الأصيل مع قليل أو كثير من التغيير يجتذب السياح المولعين بسحر الشرق والمغاربة والعرب الذين تصلبت أوصالهم وتقلصت عضلاتهم وامتص الشامبو والمرهم والكيميائي نضارتهم حتى أصبحوا كزيتونة جفت من لفح الصقيع. الحمام المغربي مرفق اجتماعي لا يخلو منه في المغرب حي أو درب أو زقاق هو جزء من مورفولوجيا المدن المغربية العتيقة عنوانه طهارة الأبدان وراحة الأنفاس، يشيد في الغالب جوار الجوامع بهندسة خاصة متميزة بالقباب والأقواس والأبهاء خلاف اتجاه القبلة، أبوابه قصيرة تمنع تسرب البخار وجدرانه مبلطة بخلطة الجير المخمر والبيض (تادلاكت) وسقوفه ذات كوات يتسلل منها ضوء يبدد عتمة القباء ولا يكاد، كقناديل الرهبان. الحمام المغربي، هندسة فريدة وتشمل هندسة الحمام المغربي ثلاثة قباء تقل درجة حرارتها من العليا في العمق إلى المعتدلة في المتوسط ثم الرحيمة في القبو الأول المفضي إلى البهو المؤدي إلى قاعة الراحة والاسترخاء «الكَلسة» وهي غرفة فسيحة مُنَسَّمَة وليست باردة تعلوها قبة كأنها تاج الخلفاء والسلاطين تكون منمقة ومزخرفة تطل منها عيون من زجاج بألوان الطيف ينعكس ضوءها بالأخضر والأصفر والأحمر والأزرق على بلاط الأرض الذي يكون غالبا من مرمر أبيض أو رخام. ويخترق هذه القباء التي يعمها من بخار الماء ضباب كثيف يلف الأجساد العارية الممططة والممددة على أرض تدب سخونتها مع الدم في العروق والأوصال، قنوات كالأوردة والشرايين تنقل الماء فائرا وباردا تضخه عذبا زلالا من صنابير نحاسية وتَعُبُّ منه ترعة كالصوان في القبو العميق (تافضنا) تخزن الماء الساخن الذي ينهل منه المستحمون اتقاء الازدحام على الصنابير التي لا تكون الضرورة تدعو إلى ملء الدلاء منها سوى عند الحاجة للوضوء. ولا تسمح سقوف هذه القباء المقعرة الشكل كالبيوت الزراعية بتقطير إكسير البخار من الماء العالق مثل العرق بجدران القبو على الرؤوس لأن تجويفها يمنع تماسك ذراتها في قطرات قد تقلق راحة المستحمين. طقوس متوارثة: دخول الحمام ليس كخروجه ودخول الحمام كما يقول المغاربة ليس كخروجه، عند الدخول يحتاج المقبل على الاستحمام رجلا أو امرأة حسن الإعداد بدءا من توفير الأواني ووسائل التنظيف وثياب التنشيف وترتيب الوقت والاستوصاء لدى الدلاك أو الكسال (السياق أو الطياب) وانتهاء بالاحتياط من ضربة برد والاستمتاع ب(التحميمة)، فيما يوفر الحمام الدلو وهو سطل من خشب بيدين وخف خشبي طَوَّقَهُ في مقدمته عند الأرساغ حزام من المطاط الأسود الخشن. حافظ المغاربة على الطقوس التي ورثوها للاستحمام وتوارثوا الأواني التي يصطحبها المستحم إلى الحمام المغربي وقد كانت إما من فضة كاللجين أو نحاس صقيل وهي عبارة عن سطل قصير وطاسة وإناء لترطيب الطمي (الغسول) وآخر لحمل الصابون البلدي ومشط من عاج أو عظم وقماش مطرز (الرزمة) لجمع الملابس والثياب بالنسبة للنساء وحقيبة صغيرة من جلد بالنسبة للرجال. وكان المستحمون قبل انتشار الليفة السوداء يفركون أجسادهم بمحكات مستديرة من جذ وع النخل لفتها خيوط قطنية في مهارة جعلت منها تحت اليد أداة لسلخ الجلد وتخليصه من خلاياه الميتة التي تتساقط من على البشرة في حركة التمرير عبر أنحاء الجسم جيئة وذهابا مثل وحدات العجائن (الشعرية). كما كانوا ينظفون شعورهم بالطمي المغربي (الغسول) الذي يرطب ليلة كاملة في ماء الورد حتى يصبح طينا تجعله النساء على رؤوسهن ساعات قبل موعد الاستحمام ويكتفي الرجال باستعماله في حينه داخل الحمام. والغسول لا يصلح فقط لتنظيف الشعر بل تستعمله الفتيات لترطيب بشراتهن والحفاظ على نعومتها بعد الدلك والفرك وأحيانا يستعمل مخلوطا بالحناء ومعشبا بأنواع الأعشاب الطبية ومنسما بالقرنفل المدقوق. راحة الاستسلام للكسال ويعتبر الدلاك أو الكسال وهو رجل لدى حمام الرجال وامرأة لدى حمام النساء وريث الطقوس المغربية في الاستحمام وحاميها من الضياع كما يحمي تجهيزات الحمام من التلف أو العبث، ومن أسلم نفسه من المستحمين للكسال فقد أشفق على نفسه من سطوة تلك الطقوس التي تتسلط بالقواعد الآمرة للعوم والاغتسال وأما من بخل واستغنى فلا محيد له عن البدء في مرحلة (التعريق) داخل القبو العميق بطلاء جسمه بالصابون البلدي وهو مادة لزجة سوداء تصنع من ثفل الزيتون بعد طحنه وعصره و(التشلال) أي تنظيف الجسم من الصابون البلدي و(التسخين) داخل القبو الأوسط وهو تمدد لكل أنحاء الجسم على أرض الحمام حتى ينال حقه من السخونة التي تعتمل على سطح البشرة مع ملوحة العرق التي تجعل الخلايا الميتة للجلد قابلة للفسخ. وتتلو هذه المرحلة عملية الفرك والدلك بالمحكة أو الليفة وهي أشق مرحلة وأكثرها عناءا وتعبا ثم الانتهاء إلى غسل الشعر بالطمي (الغسول) والخروج إلى قاعة الاستراحة والاسترخاء محرما بالمناشف (الفوط) التي يكون المستحم اصطحبها معه إلى داخل الحمام في القبو الرحيم (الأول) وهو غالبا ما يلجأ إليه المستحم لاستعادة أنفاسه من حرارة الأعماق أو للوضوء والاغتسال. ويقوم الكسال لمن استوصى به وتوصى بأدوار التدليك بطرق مخصوصة يجعل فيها الكسال جسم المستحم بين يديه في أوضاع خفض ورفع وثني وتسريح تتحرر معها المفاصل من كل تشنج والعضلات من أي انقباض حتى العظام من فرط المسد فكأنما هي تتكلم. سطوة الحمام التقليدي وصموده وخضع الحمام المغربي التقليدي لجملة من التحسينات طالت الخدمات التي يقدمها دونما المساس بجوهر هندسته أو وظائفه وأدواره، وأصبح يقبل عليه السياح وزوار المدن العتيقة من الأجانب من جميع الجنسيات، وتم تجهيزه بأثاث أكثر ضمانا للاسترخاء واستخدم أرباب الحمامات عمالا متخصصين في التدليك والتمسيد، بل إن من الطبقات الميسورة من شيد في مقر سكناه حماما مغربيا بكل مواصفاته غير أن الحمام التقليدي العمومي ما يزال صامدا محافظا بصمود على خصوصياته التي تجاوبت بليونة وقبول مع ضرورات التحديث. يقول عبد الجليل بنرزوق مسير حمام تقليدي في مراكش في تصريح ل»العلم» إن الحمام المغربي شهد في السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا وأصبح يحقق نسبة الملء على مدار أيام الأسبوع بعدما كان لا يحقق هذه النسبة سوى ليلة يوم الجمعة وفجرها وذلك نتيجة التحقق من الآثار الصحية للاستحمام على الطريقة التقليدية المتوارثة وسط بخار الماء. وأكد أن الإقبال يتزايد رغم وفرة منتجات التنظيف الصناعية والكيميائية على الوسائل القديمة لاسيما الصابون البلدي الأسود والطمي المغربي (الغسول) وطلب الدلك بعد الاستحمام بالدهون الطبيعية وب(زيت أركَان) وهو مستخلص نوى شجر لا ينبت سوى في المغرب والمكسيك وتعتبره اليونسكو تراثا إنسانيا تصلح زيوته المعتمدة من قبل اكبر مختبرات مواد التجميل في العالم لعلاج البشرة والاعتناء بصحتها ونضارتها. وأضاف بنرزوق أن التطور الذي حصل بالنسبة للاستحمام في الحمام المغربي لم يتجاوز المواد والمنتجات المستعملة في الاستحمام والتي أصبحت تستعمل فيها الليفة (الكيس) عوض المحكة والصابون المعشب (المنسم بالأعشاب) بدل الصابون البلدي والشامبو بعد الغسل بالطمي (الغسول المخلوط بعطور الورد والقرنفل والخزامى) والقيام بعد ذلك بعمليات التدليك بواسطة الدهون الطبيعية في زمن لا يتعدى الساعة الواحدة وبأسعار ليست في متناول الجميع. دلك وفرك وتقلص وتمدد لترتاح الأنفس وتتطهر الأبدان واستبعد قدرة دور الرشاقة ومراكز التدليك والساونا والحمامات العصرية على الحلول محل الحمامات المغربية التقليدية وإن اعترف باحتدام المنافسة في إطار حرية السوق وقانون العرض والطلب مشددا على أنه في ظل المخاوف من مواد التجميل الصناعية التي تعتمد على المستحضرات الكيميائية وأيضا من البخاخات البخارية في الحمامات العصرية التي تعتمد في طاقتها على الغاز تقوت المنافسة وتعززت لصالح الحمامات التقليدية العمومية التي أصبحت تجتذب المواطنين والأجانب وصارت فضاءا يجسد قيم التعايش والتسامح على الطبيعة البشرية والفطرة. وأكد إسماعيل إفقيرن دلاك (طياب) في حمام مغربي تقليدي من جهته ل» العلم» أن الزبائن أصبحوا يتهافتون على الدلاك الذي لا يطيب الاستحمام سوى بالأدوار التي يقوم بها لتنظيف الجسد وتطهيره ودلكه وفركه موضحا أن المهنة ارتقت في ترتيب السلم الاجتماعي بالمغرب حتى أصبح يزاولها شباب تخرجوا من الجامعات يتساوى في ذلك الفتيات والفتيان. الحمام المغربي بيت الأناقة بأصالة وامتياز ومن جانبها تسترجع الحاجة خديجة بنت عبد السلام المحمدي في تصريح ل» العلم « ذاكرة الحمام المغربي وكيف كان يستقبل العرائس في موكب الشموع والعذارى حولهن زغاريد وأناشيد والهدايا تتقاطر سكرا ودقيقا ومصوغات ونقودا على قَيِّمات الحمام والمسؤولات عليه، كما تستذكر تسعيرة الاستحمام التي لم تكن تتجاوز 20 سنتيما قبل أن تقفز إلى 10 دراهم للرجال و12 درهما للنساء. وتستحضر الطقوس القديمة لطلاء الأبدان بالمستحضرات الطبيعية من حناء ونيلة و(عكر فاسي) و(غسول) و (نَفْقة) يتكاثف طيبها الزكي ونفحها العطر مع بخار الماء وصخب الحديث بين النسوة عن الوصفات العلاجية والتجميلية يتخلله كلام يطول حول المطبخ والعلاقات الزوجية يأخذ من وقت المستحمات أكثر من ثلاث ساعات. وتوضح الحاجة خديجة المحمدي إحدى قيدومات القيمات أن الحمام المغربي التقليدي كان قد مر من نكسة كادت تعصف به عندما اجتاحت البلاد تقليعة الحمامات العصرية والساونا ودور الرشاقة واتسعت المدن بالإنشاءات التي ضمت بناياتها حمامات (البانيو) وأصبح كل بيت يتوفر على (شاور) وغصت الأسواق بالصابون والشامبو والعطور ثم ما لبث أن استعاد الحمام التقليدي وهجه وفرض حضوره واستعاد صولة المواد والوسائل القديمة التي يحتاجها الاستحمام به وأكد بذلك أن الحمام المغربي بيت الأناقة بأصالة وامتياز.