قالت سمية العمراني، رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد، إن الأشخاص ذوي إعاقة التوحد في المغرب يعيشون رفقة أسرهم، خلال حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة المفروضة في المملكة منذ العشرين من مارس المنصرم، عزلةً مُضاعفةً بسبب توقف حصص المواكبة والتعلم و الانشطة التي تخفف من وطأة اضطراب التوحد. وأوضحت العمراني، في حوار مع "كش24″، أن هذه الفئة وجدت نفسها رفقة أسرها أمام تحد صعب، في ظل الحجر الصحي، سيما وان الشخص الذي يعاني من التوحد يحتاج رعاية خاصة ومتخصصة حسب درجة الإعاقة ونوعية الاحتياجات الفردية لكل شخص لمواكبته في التعلم و هو الأمر الذي كانت تقوم به العديد من الجمعيات التي تواكب أسر هذه الفئة للاستفادة من هذه الخدمات، غير أن الظروف التي تجتازها يلادنا أدت إلى غلق المؤسسات التعليمية والجمعيات والمراكز مما زاد من تعميق إشكالية عزلة الأشخاص ذوي التوحد. العمراني، أفادت أن هذا الطارئ المفاجئ، نتجت عنه تداعيات كبيرة، على نفسية وسلوكيات الأشخاص الذين يعانون من هذه الإعاقة النمائية، لعل أبرزها وفق المتحدثة ذاتها، اضطرابات في النوم ، التغذية والمزاج بل وأحيانا ظهور بعض مظاهر العنف ضد الذات أو الآخر. وشددت رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد، على ضرورة اتخاذ احتياطات مضاعفة بالنسبة للعديد من الأشخاص في وضعية إعاقة، بصفة عامة وهذه الفئة بصفة خاصة، نظرا لوجود اضطرابات صحية وأمراض مصاحبة في بعض الحالات كنقص في المناعة أو صعوبات في عمل الجهاز التنفسي كما هو الحال بالنسبة لبعض ذوي إعاقة الشلل الدماغي الحركي. إليكم نص الحوار كاملاً ماهي تداعيات الحجر الصحي على نفسية وسلوكيات الأشخاص الذين يعانون من التوحد؟ بطبيعة الحال، فالحجر الصحي له تداعيات كثيرة على نفسية وسلوكيات هذه الفئة، خصوصا وأن الأمر كان مفاجئا، وبالتالي لم يجر الإعداد له، مما أثر بشكل كبير على هذه الفئة. ومن ضمن المشاكل المشتركة بين الأغلبية العظمى لأسر هذه الفئة خلال فترة الحجر الصحي عودة اضطرابات النوم والأرق أحيانا، والقلق والتوتر، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب العنف جراء عدم ممارسة أنشطتهم، بحيث يمكن أن تظهر لدى الطفل بعض نوبات الغضب أو إيذاء الذات. هذه الانعكاسات، جعلت الأسر موزعة ما بين تدبير اليومي والمعيشي والأعباء الجديدة التي خلفها انتشار الوباء، وهو "مجهود إضافي للتنظيف والتعقيم"، يأخذ بدوره حيزا مهما من الوقت والجهد والمال، وتدبير الزمن بين حصص العمل والتدريب التربوي للشخص ذي التوحد. هل تتوصلون بشكايات من طرف أسر هذه الفئة لها علاقة بتداعيات الحجر الصحي؟ نعم، إن شكايات أسر الأشخاص الذين يعانون من إعاقة نمائية، ازدادت في ظل هذه الإجرءات، بحيث توصلنا بشكايات لها علاقة بالجانب المادي، وأيضا شكايات لها علاقة بتغير سلوكيات هذه الفئة، والتي وصلت لدى البعض إلى حد تعريض أنفسهم للخطر كالقفز من فوق سور البيت ظنا منهم أن هذه وسيلة آمنة للخروج كما هو الشأن بالنسبة لأسرتين من شمال وجنوب المغرب واللتان أفادتا التحالف بمحاولة ابنيهما الخروج من البيت عبر القفز من فوق السطح لولا أن الجيران انتبهوا وأخبروا للأرة لكانت الكارثة قد وقعت. توصلنا أيضا بشكايات لها علاقة بالجانب المادي، بحيث أن إجراءات الحجر، والتي أدت إلى توقف مصادر رزق العديد من الأسر، خلفت نقصا في المردود المادي، وهو الأمر الذي انعكس على الكثير من الأسر التي يضم أفرادها أحد المصابين باضطراب التوحد، وذلك بسبب ارتفاع المصاريف، بالإضافة أيضا إلى شكايات لها علاقة بالإكراهات التي واجهوها بخصوص الدراسة عن بعد. هل أبانت في نظركم هذه الازمة خلل في التدابير والإجراءات المتخذة من طرف الجهات المختصة والمتعلقة بالعناية بالأشخاص الذين يعانون من التوحد؟ بطبيعة الحال هناك خلل كبير جدا، كان مطروحا من قبل غير أن هذه الازمة أماطت عنه اللثام بشكل أكبر ، ويتعلق الأمر بتوفير بيئة مناسبة لهذه الفئة داخل منازلهم، وهي البيئة التي تتطلب ضمان مجموعة من الولوجيات والأجهزة التي يصعب على الاسر، وخصوص ذات الدخل المحدود توفيرها لأطفالها، وبالتالي فالجهات المختصة مطالبة بتسهيل توفير بيئة ملائمة لهم داخل المنازل، ليس فقط من أجل تجنيبهم المعاناة في الحالات الإستثنائية كما هي الظرفية الآن ، بل أيضا من أجل تعميم التعلمات وتعزيز قدرات الأسر لمواكبة أبنائها. ومن بين هذه التجهيزات الضروري توفرها بمنزل يسكنه شخص من ذوي التوحد، سأتحدث عن "الجدول الزمني المرئي" وهو مقابل الأجندة اليومية ، حيث يتضمن صور كافة الأنشطة اليومية /الأسبوعية/ الشهرية التي يمارسه الشخص ذو التوحد. الجدول الزمني المرئي عبارة عن آلية تحقق للشخص ذي التوحد القدرة على التدبير اليومي للزمن وتساعده أيضا على استباق الأحداث و الاستعداد لها. من الآليات التي تساعد الأشخاص ذوي التوحد على تدبير الزمن " المؤقت Time-Timer " وهو عبارة عن ساعة تساعد هذه الفئة على استيعاب مفهوم الزمن واكتساب مهارة الانتظار ، هناك تجهيزات عديدة أخرى مثل وسائل التواصل البديلة والمعززة " البيكس ، التطبيقات الذكية .." أيضا هناك عدة وسائط تساعد الشخص ذي التوحد على اكتساب المهارات الحياتية اليومية، تعليمه مهارات التواصل…، وغيرها من الانشطة والتجهيزات التي ليست ترفا وإنما ينبغي توافرها في البيئة المنزلية من أجل دمج مجتمعي حقيقي. ينبغي التأكيد أيضا على أن العديد من الأشخاص ذوي التوحد لديهم اضطرابات في التواصل عن طريق التخاطب اللفظي وهذا الأمر يجعلهم بحاجة إلى أجهزة ووسائط تواصلية بديلة تمكنهم من تقاسم أفكارهم واحتياجاتهم ومطالبهم ، ذلك أن الصمت الذي يعانون منه لديه تداعيات عديدة على صحتهم النفسية والجسدية وعلى تطوير مهاراتهم ومشاركتهم في المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن أسر هذه الفئة تحتاج أيضا إلى التكوين إلى جانب منحها آليات العمل والتجهيزات، لتوفير بيئة مناسبة لهذه الفئة داخل المنازل، فالتوحد ليس بذلة يرتديها الشخص في المدرسة وأالمراكز وينزعها أثناء خروجه من هذه المؤسسات لينتقل إلى البيت ، بمعنى ان التجهيزات التي تخص هذه الفئة لا يجب ان تتواجد في المراكز والمدارس فقط بل حتى في المنازل وكافة البيئات التي يتواجدون بها. للأسف هذا البعد المتعلق بتوفير بيئات ولوجة للأشخاص ذوي التوحد لم يكن مأخوذا بعين الإعتبار في الأيام العادية، وقد ظهرت الآثار السلبية لإغفال هذا الجانب في ظل إجراءات الحجر الصحي، بحيث أن المجهودات المالية التي كانت منصبة فقط على المؤسسات ظهرت بشكل ملموس محدوديتها في غياب تأهيل البيئة التي يعيش فيها وهي الأسرة. أزمة كوفيد 19 عرت أيضا عن العديد من الإشكالات التي تعيشها أسر الأشخاص في وضعية إعاقة، وكشفت أن الإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة لا تغطي كافة المشاكل التي تعيشها هذه الاسر. ولعل أبرز مثال على ذلك، التعليم عن بعد الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية، في ظل هذه الظروف، حيث مجموعة من الإكراهات، من بينها المستوى التعليمي لعدد من الاسر التي فجأة وجدت نفسها ملزمة بممارسة دور الأستاذ ، غياب ملاءمة الدروس وتكييفها لفائدة ذوي التوحد وذوي الإعاقة بشكل عام ، عدم توفر العديد من الأسر على الهواتف الذكية والامكانات المالية لتوفير الأنترنيت. كلها أمور عقدت عملية التعليم عن بعد لذوي التوحد وطرحت سؤال مصير السنة الدراسية في ظل هذه الظروف. إشكالات هذه الازمة والمخاوف التي ترافق الأسر خلالها، تمتد أيضا إلى ما بعد الحجر الصحي، حيث أن العديد من ذوي التوحد يعانون من اضطرابات صحية وأمراض عضوية مصاحبة وهو الأمر الذي ولد لدى الأسر هاجس تدبير ما بعد الحجر؟ خاصة بالنسبة للأمهات اللواتي يعملن في القطاعات المهيكلة وغير المهيكلة ، كيف سيتم التعامل مع قضايا الأمهات العاملات؟ ماهي الصيغة التي ستعود بها المراكز والمؤسسات التعليمية بعد رفع الحجر؟ وماهي التدابير التي سيتم اتخاذها للحيلولة دون تعرض هؤلاء لخطر الإصابة بالفيروس؟، هي أسئلة كثيرة مطروحة وليست لدينا إجابات عنها لحدود الساعة. بحكم أنكم عاملين في مجال إعاقة التوحد، ما رأيكم في القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بخصوص رفع بعض القيود على الاشخاص ذوي التوحد والسماح لهم بالتحرك بحرية أكثر قليلا، في الوقت الذي غفلت عنه العديد من الدول ومن بينها المغرب؟ هو قرار صائب، بحيث أنه لا بد من رخصة استثنائية، وذلك لتجنب الاسوء، خصوصا مع تمديد فترة حالة الطوارئ إلى 20 ماي، بحيث أصبح من الضروري التفكير في هذه الخطوة، ونحن كتحالف بتشاور مع مجموعة من الشبكات الوطنية والتحالفات الوطنية، بصدد إطلاق مراسلة للمطالبة بمنح رخص استثنائية للأشخاص ذوي إعاقة التوحد، الإعاقة الفكرية، والإعاقات النمائية،و الإعاقات النفسية-الاجتماعية وذلك في إطار التدابير والإجراءات المعمول بها و حماية الصحة العامة. كيف تفسرون إغفال الحكومة لوضعية الاشخاص ذوي التوحد في ظل الحجر الصحي، وما سنتج عنه؟ نحن كتحالف نرى أن إغفال الحكومة لهذه المسألة راجع بالدرجة الأولى إلى كون الحجر الصحي جاء مفاجئا للجميع من جهة، ومن جهة أخرى فالسلطات المغربية في حالة التدبير المستعجل، وهي بذلك تشتغل على عدة قضايا في نفس الآن. لقد تم تفويض الجمعيات لتقوم بالمتابعة عن بعد، غير أن هذه الصيغة وإن كانت ايجابية ومهمة إلا أنها غير كافية، ونحن دخلنا مع الحكومة في حوار، وبادرنا إلى تقديم العديد من المقترحات الاستعجالية وعلى المدى المتوسط والبعيد كما هو مبين في بلاغ التحالف ليوم 2 أبريل 2020. ماهي مطالبكم للحكومة فيما يخص هذه المسألة؟ وهل تقدمتم باقتراحات بهذا الخصوص؟ بطبيعة الحال طالبنا الحكومة بمجموعة من الأمور، على رأسها أكيد منح رخص استثنائية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأيضا طالبنا بإحداث منصات إلكترونية لتكوين الأسر، وأيضا بإعداد برامج تلفزية في القناة "الرابعة" لفائدة أسر الأشخاص ذوي التوحد، لتوجيهها وتأطيرها، على غرار بقية التلاميذ ، وطالبنا أيضا باتخاذ تدابير مالية، وأيضا بالأخذ بعين الإعتبار الشباب التوحديين، لأن إشكالية هؤلاء تختلف عن الصغار بحيث أن أغلبيتهم لم يتمدرسوا وليس لديهم لا عمل ولا تكوين، مما ينعكس سلبا عليهم ويزيد من حدة اضطراباتهم. اقترحنا إحداث كبسولات إلكترونية موجهة لذوي الإعاقة وأسرهم وكذا لمختلف الفاعلين، وذلك في ظل الوضعية الراهنة التي تعرفها المملكة لمحاربة انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19)، وهو المطلب الذي استجابت له وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، في انتظار أن تأخذ وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية نفس الخطوة. واقترحنا أيضا إحداث منصة أو آلية لها علاقة بصندوق مواجهة فيروس "كورونا"، وذلك من أجل تمكين أسر الأشخاص ذوي التوحد وبقية الإعاقات التي هي خارج معايير الإنتقاء التي وضعت للاستفادة من الدعم، والتي تعاني الهشاشة من فرصة للإستفادة هي الاخرى من الدعم. والتوصية الكبرى، الآن آن الاوان بأن ينصب جزء كبير من التدابير المالية المتعلقة بوضعية الاشخاص ذوي الإعاقة، على البيئة المنزلية ومختلف الفضاءات التي يرتادها هؤلاء الأشخاص.