كيف يسهم المجتمع المدني في مواجهة تداعيات الأزمة ومخلفاتها؟ تعتمد السياسات الاجتماعية عامة ببلدنا وتلك المرتبطة بالإعاقة خاصة على جمعيات المجتمع المدني، كشريك استراتيجي للدولة في تنزيلها وتفعيل مقتضياتها على أرض الواقع، وتستعين بها سواء في استعمال خبراتها العملية في المجال أو في الوصول للأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم في أحياء المدن والمداشر والقرى، الشيء الذي يحتم على هذه الجمعيات في الظرفية الراهنة وتجسيدا لروح المسؤولية في هذا الدور المحوري، الاستعداد لمرحلة ما بعد حالة الطوارئ الصحية، ورفع واقع الحجر الصحي والتي في رأينا لا تقل أهمية عن هذه المرحلة التي مررنا منها والتي أبلت فيها الجمعيات في هذا المجال البلاء الحسن وقامت بالعديد من المبادرات للتخفيف من آثار هذه الوضعية على الأشخاص في وضعية إعاقة وخاصة فئة الأطفال منهم وأسرهم. فالجميع يجمع عبر العالم قاطبة على أن حياتنا بعد أزمة فيروس كورونا هذه لن تكون مثيلة لما قبلها في جميع المجالات، فحجم الأزمة وثقلها على البشرية التي لم تعهد مثل هكذا أزمات منذ مائة سنة خلت، سيلقي بظلال جديدة على حياة الأفراد إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، هذا الأخير الذي ستكون له تبعات على أوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم، وسيعمق حاجتهم للدعم والمساندة لتخطي عقبات هذه الآثار الوخيمة الشيء الذي يستلزم التعبئة والتهيؤ لدى كافة الفاعلين والمتدخلين في هذا الحقل وضمنهم طبعا جمعيات المجتمع المدني استنادا إلى أهمية دورها في هذا الصدد كما أسلفنا. وسنحاول في ما يلي التطرق لأهم المرتكزات التي ينبغي للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة ببلدنا الانصراف إلى اشتغالها عليها باستعجال كي تتمكن من لعب دورها في موازاة ومرافقة جهود الدولة بتناسق والتقائية تخدم المواطنين في وضعية إعاقة بشكل أفضل وأنجع من خلال تطوير وابتكار سبل أكثر نجاعة لهذا الاشتغال الذي ينبغي أن يكون متكيفا مع خصوصيات كل منطقة وخصوصيات أصناف الإعاقات المختلفة على حد سواء، وفي ما يلي أبرز هذه المرتكزات. أولا: تأمين استمرار الدعم الوقائي وذلك بحكم أن أغلبية الأشخاص في وضعية إعاقة معرضة للمخاطر والعدوى بشكل أكبر من غيرهم، ونظرا أيضا لعدم إيجاد العلماء ومراكز الأبحاث لحد الساعة لقاحا أو دواء ناجعا في مواجهة فيروس كورونا المستجد، المسبب لوباء كوفيد 19 وفرضية أن يعيش العالم موجات أخرى من انتشار الوباء التي تحذر منها بعض الأوساط العلمية عبر العالم، فإن الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة سيكون من اللازم عليها مواصلة العمل وبوثيرة واهتمام أكبر على توفير ظروف وقائية تُمَكِن الأشخاص في وضعية إعاقة من الحد من التواصل مع الآخرين، وتحول دون مخاطر التقاطهم العدوى، ومضاعفة المجهودات والاجتهادات في مجال الإرشاد والدعم اللازم لمساعدتهم ودعم قدراتهم على الصمود ومواجهة أي موجات أخرى لانتشار الوباء وتوفير المواد والمعدات المطلوبة لذلك، وتعزيز المعارف الوقائية الحياتية لديهم ولدى أسرهم . ثانيا: تعزيز التعلمات الفعلية ذات الصلة بالوقاية لدى الأطفال ذوي التوحد والإعاقات المعرفية يتحتم على أطر الجمعيات التربوية العاملة مع الأطفال في وضعية إعاقة الاشتغال أكثر على تملك والتزام هؤلاء سلوكيات الوقاية، بتوفير وإيصال المعلومات اللازمة لكل ذوي الإعاقة عن سبل الوقاية من العدوى. بما يعنيه ذلك أيضا من قيام الجمعيات من خلال شراكات مع المصالح الخارجية للسلطات الصحية والقطاعات ذات الصلة بمبادرات لتوفير المعلومات حول الوباء وسبل الوقاية منه وآخر المستجدات حوله، بلغة الإشارة للإعاقات السمعية والبرامج الناطقة للإعاقات البصرية وسائر الوسائل والطرق والأساليب الملائمة، بما في ذلك التكنولوجيا الرقمية والحملات الإعلامية بوسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية دون إغفال اللغة المبسطة ونصوص سهلة القراءة والفهم للإعاقات الذهنية التي لوحظت قلتها خلال الأزمة. ثالثا: معالجة حالات الاندحار في استقلالية وقدرات الأطفال في وضعية إعاقة وذلك من خلال إيلاء الاهتمام والتدخل المبكر لمعالجة حالات الأطفال في وضعية إعاقة الذين يعتمدون بشكل كبير على الخدمات التأهيلية التي توقفت فجأة، والمحتمل أن تندحر مستويات قدراتهم ومعالجة أي آثار أخرى نفسية سلوكية قد تكون الأزمة خلفتها لديهم، ما يستلزم استنفار الموارد البشرية المهنية التربوية منها والشبه طبية لدى الجمعيات بهذا الاتجاه. رابعا: تسوية وتحسين وضعية المهنيين والأطر التربوية وشبه الطبية العاملة مع الجمعيات بالموازاة مع تعبئة هذه الموارد البشرية لا يجب إغفال تسوية أوضاع العديد منها من خلال حل الإشكالات العالقة، التي قد تحول دون صرف مستحقات المحتضنين منهم ضمن "دعم تشجيع تمدرس وتأهيل الأطفال في وضعية إعاقة" في إطار صندوق التماسك الاجتماعي الذي تشرف عيه مؤسسة التعاون الوطني، وهنا تجدر الإشارة إلى أن على التحالفات والائتلافات العاملة في المجال الاشتغال أكثر على دعم الجمعيات الفتية والتي تعاني من ضعف في القدرات التنظيمية، بتقوية قدراتها وتكوين أطرها في مجال تدبير هذا الملف الذي يلقي ما يعيشه من مشاكل بظلاله على استمرارية وجودة الخدمات الموجهة لهؤلاء الأطفال، ما يسائل الجميع حول تحسين جودة ومناخ ما يقدم لهم من خدمات ويصرف عنه من أموال. خامسا: مساندة الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يعيشون دون أسر لقد أبرزت هذه الأزمة أهمية وضرورة الاهتمام ووضع في الاعتبار أوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة المقيمين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ما يحتم إيلاء عناية خاصة للوضعية الهشة لنزلاء لمؤسسات الإيوائية هذه والمصحات العقلية والسجون، كونهم معرضين بشكل أكثر للعدوى بغياب المراقبة، ويستدعي بشكل عاجل دعم هذه المؤسسات والقيام بزيارات دعم وتتبع للحالات المتواجدة لديها من طرف موظفي التعاون الوطني ومتطوعين من الجمعيات ذات الخبرة. فضلا عن الأشخاص المسنين في وضعية إعاقة الذين يعيشون لوحدهم ممن يصعب خضوعهم للعزل الفردي إن لم يكن مستحيلًا للبعض منهم نظرا لاعتمادهم على دعم ومساندة الآخرين عند تناول الطعام وارتداء وخلع الملابس وارتياد المرافق العامة والرعاية والمتابعة الصحية. سادسا: تطوير آليات الاستهداف بإنشاء أو تطوير قاعدة بيانات المنتسبين للجمعيات والمستفيدين من أنشطتها، وجعلها أكثر وضوحًا في التعرف على الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء وتحديثها بشكل يمكن من الوصول إلى الحالات الأكثر هشاشة وحاجة للدعم في الطوارئ بشكل أسرع وأكثر كفاءة. سابعا: اليقظة الاجتماعية والترافع حول - اتخاذ الدولة للإجراءات إضافية ومتخصصة في مجال الحماية الاجتماعية. - الوقاية وتأمين الدعم والمساعدة في بيئة سليمة وصحية بمقاربة مجاليه تستند للقرب في تفعيلها. - الدعم المالي الذي يعتبر حيويا لتخفيف مخاطر الافتقار التي تتهدد الأشخاص في وضعية إعاقة وأفراد أسرهم . -الاهتمام بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة المعتمدين على أدوية تؤخذ مدى الحياة وتوفير دعم مستعجل لهم أمام ما يمكن أن يتعرضوا له من افتقار للأموال، من أجل اقتناء هذه الأدوية والتسوق لتموين المواد الغذائية الضرورية. ثامنا: التصدي للآثار الاقتصادية على الأشخاص في وضعية إعاقة في غياب أي دعم من الدولة أو تغطية اجتماعية، من المتوقع أن يعاني الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يتواجد غالبيتهم خارج سوق العمل أصلا من الآثار الاقتصادية الوخيمة لأزمة كورونا، فمعدل البطالة في أوساطهم يشكل خمسة أضعاف ما يمثله ضمن مجموع المغاربة خصوصا في أوساط العنصر النسائي، حيث لا تمثل النساء النشيطات والحاصلات على عمل سوى نسبة 3.8 في المائة مقابل 15.5 في المائة لدى الرجال. فيما يشكل عدد الأشخاص المعاقين المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو في تأمين تعاضدي 12 في المائة فقط من مجموع الأشخاص في وضعية إعاقة خاصة بالمغرب. وأن 55.2 في المائة من الأشخاص المعاقين في سن نشيطة لا يستطيعون ولوج سوق العمل، فمن بين الأشخاص الذين يعيشون تحت عتبة الفقر يوجد شخص معاق 1 من 5 أشخاص فقراء. وقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار مشروع الرأي الذي تقدم به حول مشروع القانون الإطار 13/97 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، خلال انعقاد دورته السابعة والأربعين العادية أن أوْصى بإحداث آلية للتعويض عن الإعاقة ومحاربة الهشاشة في أوساط هذه الفئة، كما أوصى بإنشاء صندوق وطنيّ مخصص لتمويل المبادرات الموجّهة لتحسين شروط حياة الأشخاص في وضعية إعاقة، ومحاربة استغلالهم في التسوّل. ما يحتم على الجمعيات الاشتغال بعد الأزمة على مجالات أخرى وتحسين معيش الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم، من خلال تعزيز قابلية التوظيف "شغلانيتهم" ""employabilité، ومرافقة هؤلاء والترافع حول وضع الأشخاص في وضعية إعاقة ضمن الأولويات عند التخطيط لأي برامج مواجهة الآثار الاقتصادية للأزمة. تاسعا: دعم أسر الأطفال في وضعية إعاقة التي قد يفقد معيلوها عملهم جراء الأزمة فالوضعية التي حذرت منظمة العمل الدولية مؤخرا من أن العالم يتجه نحوها مقلقة جدا، حيث قدرت عدد العمال الذين سيفقدون وظائفهم بالمنطقة العربية بنحو 1.7 مليون فرد، ستمس ولا شك الأسر التي بين أعضائها أشخاص ذوو إعاقة، والتي تعيش بين مطرقة كلفة رعاية الطفل وسندان مستوى معيشها المنخفض وغير المستقر والاحتمالات الكبيرة لفقدان معيليها لعملهم، بحكم أن اغلب أسر الأطفال في وضعية إعاقة من الشرائح العاملة في القطاع غير المهيكل "عمل معيليها في الغالب في مجال المياومين" والأغلبية منهم قد يفقدون أعمالهم جراء الأزمة فضلا عن أن جل المقاولات سيكون همها بعد الخروج من الأزمة هو تدارك الخسائر التي تكبدتها خلالها ولن يكون من أولوياتها خلق أو الاحتفاظ بمناصب الشغل، ما يحتم على الجمعيات بذل جهود أكبر لمحاصرة آثار الأزمة على أوضاع الاقتصادية لأسر الأطفال في وضعية إعاقة من الطبقات الاجتماعية الهشة ومرافقتها في الاندماج أو معاودة الاندماج في سوق العمل، عبر مبادرات مع شركاء مختصين في الإدماج الاقتصادي من قطاعات حكومية وهيئات مدنية. خاتمة: إن الأزمة الحالية وما أفرزته وستفرزه من تداعيات على الأشخاص في وضعية إعاقة يحتم على كافة الجمعيات المهتمة بشؤونهم ومناصريهم العمل بشراكة مع جميع الأطراف المعنية جهويا ووطنيا والمؤسسات المختصة والهيئات المنتخبة وكافة مكونات المجتمع المدني. في اتجاه تخفيف وطأة هذه الظرفية على حقهم في نهوض فعلي لحقوقهم ودمج احتياجاتهم في سيرورة كافة الجهود التي ستبذل من أجل معالجة آثار هذه الأزمة، وتعزيز العمل المشترك في سبيل الخروج بالأشخاص في وضعية إعاقة من براثن الفقر وعدم تغييب التحديات التي تواجههم، ويستوجب كل هذا وضع خطط عاجلة وإجراءات سريعة مخصصة ومناسبة تتم فيها استشارة جمعيات المعنية بهم وإشراكها في كافة مراحل حملات مواجهة آثار الأزمة ومخلفاتها. *ناشط حقوقي في مجال الإعاقة