إذا كان الأشخاص ذوو الإعاقة عبر الكثير من دول العالم، بما فيها دول متقدمة وغنية، يشعرون بأنهم قد أهملوا وتم استبعادهم "خلال جهود الاستجابة الإنسانية الطارئة في خضم جائحة فيروس كورونا المستجد التي تستمر في اجتياح العالم حاليا، وفق تصريح السيدة كاتالينا ديفانداس، مقرر الأممالمتحدة الخاص لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ فإن ذلك نابع من الوضع الكارثي الذي أسفرت عنه هذه الأزمة التي يعيشها العالم، حيث فضحت الوضع الحقيقي وأبانت عن عجز الدول عن ضمان أهم الحقوق الأساسية لهذه الفئة ألا وهو الحق في الحياة والسلامة الصحية بتوفير ظروف حياتية مواتية تضمن إجراءات تمكنهم من تقليص مخاطر التقاطهم العدوى، وتم إهمال أحقية الأشخاص ذوي الإعاقة في جعل سلامتهم أولوية من قبل واضعي مخططات طوارئ الصحة العامة في عدة أقطار حول العالم. ويعتبر هذا الوضع الذي أسفرت عنه هذه الأزمة محكا واختبارا رسبت فيه العديد من الدول الأطراف في تنفيذ مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي التزمت بموجبها في المادة 10 بالحق الأصيل في الحياة واتخاذ جميع التدابير الضرورية لضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة فعليا بهذا الحق على قدم المساواة مع الآخرين. فضلا عن تعهدها وفقا للمادة 11 منها بمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية. ويسود العالم حاليا شعور بالصدمة والخذلان تجاه ما تعرض له الأشخاص ذوو الإعاقة والأشخاص المسنون في العديد من الدول، بما فيها دول أوروبية كإيطاليا وإسبانيا على سبيل المثال وليس الحصر التي أعلن فيها قبل شهر عن فتح تحقيق حول ملابسات وفاة أعداد كبيرة من نزلاء دور العجزة دفعة واحدة؛ الشيء الذي لا يختلف عما لحق هذه الفئات في ربوع أخرى بالعالم، ما زاد من قلق العديد من مناضلي حقوق الإنسان عامة ومناصري حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خاصة عبر العالم حيث حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، في تقرير لها، من أن فيروس "كورونا" الجديد، المسبب لمرض "كوفيد-19"، يشكل مخاطر لكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم، وأن على الحكومات أن تبذل جهودا إضافية لحماية حقوقهم في الاستجابة للجائحة. وقالت جين بوكانان، نائبة مدير قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المنظمة الدولية، إن "الأشخاص ذوي الإعاقة هم من الفئات الأكثر تهميشا وتعرضا للوصم في العالم، حتى في الظروف العادية، وما لم تتحرك الحكومات سريعا لاحتوائهم، ضمن استجابتها لتفشي الفيروس، فإنهم سيتعرضون بشدة لخطر العدوى والموت مع انتشار الجائحة". ولم تمض إلا أيام عن هذا التحذير حتى فوجئ العالم بإصدار بعض ولايات أمريكا قرار صادم بعيد عن الإنسانية ينص على عدم علاج ذوي التثلث الصبغي والشلل الدماغي وآخرين إذا أصيبوا بفيروس كورونا، وقد كانت من ضمن تلك الولايات ولاية ألاباما حيث أمرت بتوجيهات صارمة بترك الأشخاص المعاقين ذوي التثلث الصبغي والشلل الدماغي والتوحد والخرف ليلاقوا حتفهم، كما وجهت ولايات كواشنطن وأريزونا الأطباء لإعطاء الأولوية في تلقي العلاج لمن هم لا يعانون من تأخر عقلي شديد أو خرف متقدم أو معتدل أو مضاعفات عصبية شديدة أو إصابات الدماغ المرضية العميقة وغيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقة حيث تم استبعاد هؤلاء عن أولوية تلقي دعم التنفس الاصطناعي، معزية ذلك إلى النقص الشديد بأجهزة التنفس الاصطناعي والتي لا يمكن تأمينها لكافة الأشخاص المصابين والأولوية بالشفاء لمن هم "أصحاء عقليا" الشيء الذي ضرب في الصميم ما قامت به العديد من هذه الدول طيلة العقود الأخيرة من تسابق على الإعلان عن النفس وإبراز الجهد وإثبات الريادة في الدفاع عن حقوق الإنسان. إن أزمة كورونا التي لها ما قبلها وما بعدها قد عرت واقعا مرا لما تعيشه فئات عريضة من البشرية بهذا الكوكب، ما دفع الأممالمتحدة في شخص المقررة الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى التحذير من الوضع. كما دفع منظمة الصحة العالمي من خلال السيدة ليندسي ليي إلى التعبير عن قلقها الشديد (وهو مصطلح قوي في لغة الأممالمتحدة) مما أسمته "بالحواجز الموجودة أصلا" التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، مشيرة إلى تجربتها الشخصية باعتبارها منهم موضحة أن الوصول إلى الرعاية الصحية أمر صعب بالفعل بالنسبة لبعض أصناف الإعاقة، حتى في الدول المتقدمة. وتشمل هذه العوائق العقبات المادية والقوانين التمييزية والوصم المنتشر ضد هذه الفئات، محذرة من أنه ما لم تكن الحكومات والمجتمعات حذرة، فإن مثل هذه العوائق "يمكن أن تتفاقم في جائحة انتشار فيروس كورونا المستجد ومع استمرار البلدان في مكافحة الوباء، قالت الخبيرة الأممية المستقلة إن طمأنة الأشخاص ذوي الإعاقة على بقائهم أحياء يمثل أولوية أيضا أمام ما حصل خصوصا في العديد من دول العالم إلى حد الساعة حيث لم يتم في أغلبها القيام بما يكفي حتى الآن لتوفير التوجيه والدعم لهذه الشريحة. ما دفع جماعات الدفاع عن الإعاقة بمختلف الدول إلى اتخاذ خطوات ترافعية على نحو ما قامت به منظماتهم بالولاياتالمتحدة من تقديم شكاوي ضد وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية سعيا إلى ضمان عدم تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة للتمييز بما يتعلق بالرعاية الطبية الطارئة وعدم تركهم خلف الركب. وعلى الصعيد الوطني، ثمنت أرضية التنسيق الوطنية للشبكات والائتلافات العاملة في مجال الإعاقة في بيان لها الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية للحد من انتشار وباء فيروس كورونا والتخفيف من آثاره الاقتصادية والاجتماعية منبهة إلى ضعف إدماج بعد الإعاقة من لدن السلطات العمومية وطنيا جهويا ومحليا في الإجراءات والتدابير المتخذة للوقاية من انتشار وباء كورونا والتخفيف من آثاره الاقتصادية والاجتماعية، ودعت الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم إلى الانخراط التام والمسؤول في كل متطلبات عملية الحجر الصحي وباقي الإجراءات الوقائية، والتوجه نحن الاستفادة من كل آليات الدعم الاجتماعي المقررة من طرف السلطات العمومية والتواصل اليومي مع منظماتهم. كما دعت الآلية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى تحمل مسؤوليتها بخصوص رصد وضعية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظل الظرفية الحالية؛ "ما سيشكل محكا لهذه الآلية، خصوصا بعد ما أثير حول تشكيلتها التي خلت من أشخاص ذوي إعاقة أو ممثلين لمنظماتهم". إن كلما أسلفناه يحتم على الحكومات وهيئات الأممالمتحدة والمانحين والمنظمات الإنسانية والحركات الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة بالعالم أجمع العمل على دفع الدول إلى التزام اكبر وأعمق بضمان حماية وأمن وكرامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الأزمات من انتشار الأوبئة أو النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية وكافة حالات الخطر، وتعزيز المشاركة الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم في تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم برامج الجاهزية والاستجابة في حالات الطوارئ الصحية جراء الأوبئة، والاستفادة من وخبراتهم وقدراتهم في قيادة البرامج التي تعنيهم وضمان مشاركتهم الفعالة في صناعة القرار والتخطيط، بما في ذلك تفعيل آليات التنسيق المناسبة وتوفير الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم بما يضمن أن احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة من المصابين بمختلف أنواع الإعاقات سيتم استيعابها في الجهود الإنسانية المبذولة والتصدي لأي إهمال أو إقصاء يطالهم بسبب إعاقتهم في مثل هذه الأزمات . * ناشط حقوقي في مجال الإعاقة