ونحن نعيش في خضم كارثة فيروس كورونا كوفيد 19 وما تخلفه من ضحايا وخسائر، لا بد أن نستحضر فئة سكانية قدرتها الأممالمتحدة ب 15% على الصعيد العالمي، وأظهر البحث الوطني الثاني حول الإعاقة بالمغرب سنة 2014 أنها تمثل 6,8% على الصعيد الوطني أي حوالي 2.264.672 شخصا. لقد اعتبر دليل أسفير الميثاق الإنساني والمعايير الدنيا في الاستجابة الإنسانية أنه "غالبا ما يواجه ذوي الإعاقة في السياقات الإنسانية عوائق وعقبات بالبيئة المادية والنقل والمعلومات والاتصالات والمنشآت الإنسانية أو الخدمات، فيجب أن تضع برمجة الاستجابة أو التأهب في الاعتبار قدرات واحتياجات ذوي الإعاقة جميعا، وتبذل جهودا متعددة لإزالة العوائق الفيزيائية والتواصل والعوائق النابعة من المواقف نحو الوصول إليهم ومشاركتهم، وغالبا ما تتفاقم المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات ذوات الإعاقة بسبب عدم المساواة بين الجنسين" (1) انطلاقا من هذه الاعتبارات، نتساءل هل يتم استحضار احتياجات الأشخاص في وضعية إعاقة قبل وأثناء وبعد حالات الكوارث والطوارئ؟ هذا ما سنحاول مقاربته في هذا المقال مع التركيز على ما يتعين علينا القيام به في بلادنا. لقد عرفت المنظمة الدولية للحماية المدنية الكارثة بأنها " حادثة كبيرة نجم عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وقد تكون طبيعية مردها فعل الطبيعة وقد تكون صناعية أو كارثة فنية مردها فعل الإنسان سواء كان إراديا أو لا إراديا وتتطلب مواجهتها معونة الحكومة الوطنية أو على المستوى الدولي إذا كانت قدرة مواجهتها تفوق القدرات الوطنية" (2) وقد نصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المنتظم الدولي سنة 2006 على ما يتعين على الدول الأطراف القيام به في حالات الخطر والطوارئ الإنسانية؛ حيث جاء في المادة 11 أن هذه الدول تتعهد " وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالة تتسم بالخطورة بما في ذلك حالات النزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية". في هذا الإطار، قام المنتظم الدولي بمجموعة من الجهود في مجال الحد من مخاطر الكوارث، عبر إطلاق عدد من الاتفاقيات والمبادرات نذكر منها: إطار العمل الدولي للعقد الدولي للحد من الكوارث الطبيعية لعام 1989، استراتيجية وخطة عمل يوكوهاما لعام 1994، والاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث لعام 1999. وقد أجريت في عام 2013 دراسة استقصائية مستفيضة عن احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال الحد من أخطار الكوارث وهناك دعوة عامة إلى أن يكون ذوي الإعاقة مشمولين في السياسات المتعلقة بالحد من أخطار الكوارث وفي عمليات التخطيط لها وتنفيذها في جميع مراحل التخفيف من حدﺗﻬا والتأهب لها والتصدي لها والتعافي منها. (3) وفي الفترة من 14 إلى 18 مارس 2015، عُقد مؤتمر الأممالمتحدة العالمي الثالث المعني بالحد من أخطار الكوارث في سينداي باليابان. وقد اعتمد في هذا المؤتمر إطار سينداي لتخفيض المخاطر 2015 2030، وهي خطة تم الاتفاق عليها دولياً ليكون العالم أكثر أماناً من أخطار الكوارث الطبيعية جاءت بعد إطار عمل هيوغو 2005 و2015. وقد تضمن هذا الإطار ذوي الإعاقة والمجتمعات المعرضة للأخطار مثل المهاجرين وأشار إلى دورهم المباشر في الحد من أخطار الكوارث بوصفهم مشاركين نشطين وليس فقط كمجموعات سلبية ومستضعفة. في ظل ما أعده المنتظم الدولي من اتفاقيات ومواثيق دولية وما أعده من خطط وبرامج عمل وآليات في مجال حماية الأشخاص ذوي الإعاقة عند وقوع الكوارث وعند الطوارئ الإنسانية، نتساءل هل يتم استحضار هؤلاء الأشخاص في الخطط التي تم وضعها لمواجهة الكوارث ببلادنا؟ ما هي التدابير التي نتخذها لضمان حماية هؤلاء الأشخاص؟ هل تعطى لهم الأسبقية في حالات الإنقاذ؟ هل لدينا مثلا خطط لتلبية احتياجاتهم من تأهيل طبي وشبه طبي هم يحتاجونه طول الوقت فبالأحرى في أوقات العزل والحجر الصحي كما نعيشه حاليا؟ لقد دعت المسؤولة الفنية لمنظمة الصحة العالمية المعنية بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة ليندسي ليي الحكومات والمجتمعات إلى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحماية ذوي الإعاقة من فيروس كورونا المستجد؛ إذ صرحت في مؤتمر عقد يوم 21 مارس بالأممالمتحدة أن بعض الأشخاص في وضعية إعاقة قد يواجهون "صعوبات في تنفيذ تدابير النظافة الأساسية" التي تساعدهم على البقاء بعيدين عن تأثير الفيروس. إننا ندعو المواطنين والمواطنات إلى كيفية الوقاية من هذا الفيروس ونعلمهم كيفية تنظيف أنفسهم والاحتياطات التي يتعين عليهم القيام بها. لكننا ننسى هؤلاء الأشخاص الذين تختلف نوعية إعاقاتهم ولا نعلمهم أو نعلم أسرهم كيفية تنظيف المعينات التقنية التي يستعملونها كالكراسي المتحركة والمعمدات والعصي البيضاء وغيرها والتي يمكن أن ينتقل من خلالها هذا الفيروس المستجد إليهم أو إلى أسرهم. كما أننا ننسى أن الأشخاص في وضعية إعاقة فئة غير متجانسة ويلزمنا وسائط متعددة بلغة الإشارة بالنسبة للأشخاص الصم وبطريقة برايل للأشخاص المكفوفين وبوسائط خاصة لذوي الإعاقة الذهنية. وننوه في هذا الإطار بالمجهود الذي قامت به وزارة الصحة عند توفير أحد الوصلات التحسيسية بلغة الإشارة. كما ننوه بالمبادرات التي يقوم بها المجتمع المدني العامل في مجال الإعاقة في هذا الإطار. "السيدة كاتالينا ديفانداس أغيلار التي تشغل منصب مقررة الأممالمتحدة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حذرت من أنه لم يتم القيام بما يكفي حتى الآن لتوفير التوجيه والدعم لهذه الشريحة الاجتماعية من السكان. وأعلنت في بيان صدر يوم الثلاثاء المنصرم أن "الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بأنهم قد تُركوا خلف الركب."" (4) من جانب آخر، نعلم أننا لم نصل بعد إلى مستوى التربية الدامجة ببلادنا. لقد اعتاد الآباء إيداع أبنائهم وبناتهم في وضعية إعاقة في مؤسسات للرعاية الاجتماعية توفر خدمات للتأهيل التربوي والاجتماعي وشبه الطبي لهؤلاء الأطفال. فكيف ستتصرف الأسر في ظروفنا الحالية التي أغلقت فيها كل هاته المؤسسات؟ هل الآباء مؤهلون حاليا لمتابعة ما يقوم به العاملون بهذه المراكز داخل بيوتهم؟ هل استعددنا لمثل هذا اليوم من خلال تأهيل الآباء والأمهات للعمل مع أبنائهم من خلال برامج تأهيلية عن بعد، مشابهة للبرامج التي تعمل الدولة حاليا على تنفيذها عن بعد في مجال التعليم ويساهم فيها الآباء بدور كبير بل ويحرصون على ألا يضيع مجهود أبنائهم خلال الأشهر الماضية في مؤسساتهم التعليمية؟ هل أعدت القطاعات المعنية برامج في مجال تثقيف الآباء (la guidance parentale). وكيف يمكن لأسرة تعيش فوبيا مستمرة تغديها وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار أن تعتني بطفلها في وضعية إعاقة ذهنية مثلا؟ كيف يمكنها أن تحافظ على ما اكتسبه طفلها من نتائج عمليات التأهيل: تعلمات ومهارات ...إلخ؟ من جهة أخرى، نعلم أن الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم هم أكثر الفئات هشاشة وفقرا في كل المجتمعات، ذلك أن مثل هذه الكوارث تزيد من أوضاع الهشاشة والفقر لديهم. فعلى سبيل المثال، يطرح توفير المواد الغذائية صعوبات بالنسبة للجميع؛ حيث نلاحظ تسابقا نحو الأسواق لتوفير المستلزمات الضرورية، وهذا الأمر يستلزم تنقلا ومجهودا ماديا وبدنيا يكون صعبا على الجميع وأكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة. لذلك يتم وضع برامج لتوفير الحاجيات الضرورية لهذه الفئات الاجتماعية وتقديم المساعدات اللازمة، قد تكون في شكل مساعدات مادية أو تكون عبر إعطاء الأولوية للحصول على مختلف الخدمات أو إيصال المساعدات العينية للأسر المحتاجة. إن كل الكوارث تتسبب في حدوث أزمات اقتصادية كبيرة أو صغيرة، يمتد تأثيرها على الأفراد والجماعات وقد يستمر هذا التأثير لسنوات. ونلاحظ اليوم كيف أن جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، في مدة لم تتجاوز ثلاثة أشهر، قد هزت إمبراطوريات اقتصادية وكبدت البورصات العالمية خسائر مهولة، وساهمت أيضا في ارتفاع نسبة البطالة؛ حيث تشير بعض التقارير أنه بسبب هذه الجائحة فقد حوالي 25 مليون شخص عملهم في ربوع العالم. ومعلوم أن الأشخاص في وضعية إعاقة هم أول الفئات التي تتعرض لفقدان العمل لأسباب متعددة منها ما هو اقتصادي ومنها أيضا ما هو سيكولوجي مرتبط بالتمثلات النفسية الاجتماعية التي تؤطر اتجاهات المجتمع بمؤسساته وجماعاته وأفراده اتجاه هذه الفئة الاجتماعية. وأعتقد أننا لا نشكل استثناء في المغرب حول هذه المسألة؛ فمعدل البطالة في صفوف الأشخاص في وضعية إعاقة مرتفع، إذ يصل إلى 67,75 %. وأعتقد أن عددا مهما ممن كانوا يزاولون نشاطا مهنيا سواء بالقطاع الخاص أو في إطار التشغيل الذاتي، سيكونون عرضة أكثر لفقدان مورد رزقهم بفعل هذه الأزمة التي يعيشها المغرب مثل باقي دول العالم. هذا الأمر يدفعنا لإثارة موضوع الحماية الاجتماعية للأشخاص في وضعية إعاقة التي لا زالت دون المستوى المطلوب، ذلك أن 34.1% من هؤلاء الأشخاص فقط هم الذين يستفيدون من نظام التغطية الاجتماعية. وبالتالي ينبغي أن يحضوا باهتمام خاص في منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا. فلقد سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لعيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2018، أن أعطى تعليماته السامية للقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية؛ هذا الورش يعتبر اليوم من أولويات الحكومة التي تعمل على إنجازه من خلال إصلاح المنظومة برمتها وفق منظور شامل ومندمج بهدف تعميم التغطية تدريجيا لتشمل كل المخاطر الاجتماعية وكل الفئات الهشة. ويعد مشروع السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد آليتين أساسيتين في مجال الاستهداف، خاصة وأن السجل الثاني يعد بمثابة قاعدة تضم المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للمسجلين بما يمكن من تحديد الأشخاص المؤهلين للاستفادة من البرامج الاجتماعية. وأعتقد أنه سيمكن من تحديد الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يحتاجون لكل أشكال الحماية الاجتماعية سواء في الأيام العادية أو عند حدوث الكوارث والطوارئ الإنسانية. في انتظار العمل بهذا السجل، لا بد من التنبيه أننا لا نملك حاليا أية آلية تمكننا من تحديد مكان تواجد الأشخاص في وضعية إعاقة ببلادنا واحتياجاتهم بشكل دقيق. فلا الإحصاء العام للسكان ولا البحث الوطني حول الإعاقة بمقدورهما توفير المعلومات الدقيقة التي تحتاجها الدولة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة عند حدوث الكوارث وعند الطوارئ الإنسانية. إن المتخصصين في علم إدارة الكوارث يعتبرون أن هذا العلم قائم بذاته ويعرفونه بكونه "مجموعة من الخطط التي تستهدف التحضير والمواجهة والتصدي للكارثة مما يؤدي إلى تقليل من حجم الخسائر الناجمة عند حدوثها بأقل جهد ووقت وتكلفة في حدود الإمكانات المتاحة"(5) وهذه الخطط التي يتم وضعها في مجموعة من الدول المتقدمة، تأخذ أيضا بعين الاعتبار كل المتغيرات المرتبطة بالشخص في وضعية إعاقة ومحيطه: نوعية إعاقته ودرجتها، نوعية المعينات التقنية والأجهزة التعويضية التي يستعين بها، وضعيته السوسيو اقتصادية ...إلخ. كما أنه يتم إعداد مجموعة من الدلائل التوجيهية التي تستهدف هؤلاء الأشخاص أثناء وقوع هذه الكوارث حول كيفية التعامل والتصرف لا من قبل الشخص في وضعية إعاقة أو من قبل محيطه ولكن بصفة أخص من طرف بالمتخصصين في عمليات الإنقاذ مثلا ومواجهة المشكلات التي تحدث بعد وقوع الكوارث. لذلك فإن من أهم ما تحرص الدول المتقدمة على القيام به هو وضع خطط استباقية وإعداد بروتوكولات للتكفل ونشر دلائل توجيهية للفئات المعنية وأيضا الحرص على توفير موارد بشرية مؤهلة للقيام بكل ما يستلزمه الأمر لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من الكوارث والطوارئ الإنسانية. لقد فوجئت سنة 2009، وأنا في زيارة عمل وتدريب بالولايات المتحدةالأمريكية ضمن وفد عربي يشمل بعض الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، أن شروحات المسؤولين عن جل المؤسسات التي زرناها، تضمنت محورا خاصا بالتدابير التي تخصص للأشخاص في وضعية إعاقة عند وقوع الكوارث أو في حالة بعض الطوارئ؛ وهذا ما اكتشفناه في عدد مهم من الوثائق والمطويات والدلائل التي تتوفر عليها هذه المؤسسات وتوزع على مرتفقيها. بل فوجئنا في أحد زيارتنا لأحد المؤسسات العمومية بعد سماعنا لجرس إنذار الحريق، كيف تدخل رجال المطافئ والمسؤولون عن هذه المؤسسة وكيف تصرفوا اتجاه الأشخاص في وضعية إعاقة الذين كانوا رفقتنا من خلال تخصيصهم بإجراءات استثنائية وفق بروتوكول معتمد. لم يكن حريقا حقيقيا وإنما كانت محاكاة وتمرين يتم من حين لآخر مكننا من استنتاج أن التعامل مع كل الفئات الهشة في مثل هذه الأوقات ومن بينهم الأشخاص ذوي الإعاقة هو الذي يميز الأمم المتحضرة عن غيرها من الأمم. لا شك أن التجربة المغربية في مجال حماية الأشخاص في وضعية إعاقة عند وقوع الكوارث وعند الطوارئ الإنسانية هي تجربة متواضعة، ينبغي تطويرها والاستفادة من تجارب بعض الدول الرائدة مثل اليابان أو مثل دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج في العالم العربي استطاعت تطوير قدراتها في هذا الميدان. وأعتقد أننا نتوفر على كل المقومات لنرقى لمستوى هذه الدول الرائدة. المراجع المعتمدة: 1-دليل أسفير الميثاق الإنساني والمعايير الدنيا في الاستجابة الإنسانية طبعة 2018. ص. 14. منقول من: https://spherestandards.org/wp-content/uploads/The-Sphere-Handbook-2018-AR-2.pdf. le 21 mars 2020. 2-د. حواش جمال الدين ود. عزة عبد الله، التخطيط لإدارة الكوارث وأعمال الإغاثة، إتراك للنشر والتوزيع، 2006، ص.2. 3-http://www.emro.who.int/ar/emergency/eha-news/guidance-note-disability-emergency-risk-management.html . le 21 mars 2020. 4-https://news.un.org/ar/story/2020/03/1051752. le 21 mars 2020. 5-أبو شامة عباس، مواجهة الكوارث غير التقليدية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، الطبعة الأولى، 2009، ص.37. *أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي وخبير في مجال الإعاقة