الحق في العمل بين رهانات التكوين وتحديات التشغيل إذا أردنا الاستدلال على حجم إشكالية إعمال الحق في التشغيل لدى الأشخاص المعاقين فإن الإحصاءات المتوفرة لحد الساعة قديمة وتعود لسنة 2006 حيت جاء في نتائج البحث الوطني حول الإعاقة أن معدل البطالة في أوساط الأشخاص المعاقين يشكل خمسة أضعاف ما يمثله ضمن مجموع المغاربة خصوصا في أوساط العنصر النسائي حيث لا تمثل النساء النشيطات والحاصلات على عمل سوى نسبة 3.8 في المائة مقابل 15.5 في المائة لدى الرجال.فيما يشكل عدد الأشخاص المعاقين المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو في تأمين تعاضدي 12 في المائة فقط من مجموع الأشخاص من ذوي الإعاقة الخاصة بالمغرب. وأكد البحث أن 55.2 في المائة من الأشخاص المعاقين في سن نشيطة لا يستطيعون ولوج سوق العمل، ومن المؤكد أن النسب قد تكون ارتفعت لا محالة، غير أن المهتمين ليسوا في حاجة إلى البرهنة عن المشكل وأبعاده الاجتماعية والحقوقية ففي مؤتمر دولي في موضوع حق الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في العمل أجمع المهنيين المختصين والمهتمين وجمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة وأسره ، نظمته الجمعية المغربية لمساندة الأشخاص ذوي التثلث الصبغي-AMSAT- لتناول موضوع" المشروع الإرادي/مشروع الحياة projet de vie للإدماج المهني :" أي مستقبل للشباب ذوي التثلث الصبغي بالمغرب "انكب المشاركون ليومين متواصلين على مناقشة دور جميع المتدخلين كل من موقعه ومهامه في مرافقة الأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية في صياغة مشاريعهم ، الفردية المهنية ، بهدف تعميق النظر في التجربة المغربية، الإدماج المهني ببلدنا ( التي لم تنطلق بعد) أو على أحسن تقدير التي ما زالت تخطو خطواتها الأولى، وتستدعي تعزيز الخدمات التدريبية التأهيلية و خدمات الدعم و المرافقة اللازمة لذوي الإعاقات عامة وذوي التثلث الصبغي خاصة ، لجعلهم أشخاصاً فاعلين قادرين على الاعتماد على أنفسهم، وخوض معترك الحياة، بتوفير الفرص الكفيلة بتحسين مستوى معيشتهم و مساعدهم على تحقيق الاستقلالية في حياتهم، بهدف دمجهم في المجتمع وتميز البعد الدولي للمؤتمر بعرض التجربة البلجيكية ، الفرنسية، الايطالية و السودانية من خلال عروض الخبراء مرفقة بتوضيحات وشروحات حول مختلف الجوانب المرتبطة بالموضوع ، أما البعد الوطني فقد شمل عرض تجرب المركز الوطني محمد السادس للمعاقين إلى جانب مشروع الجمعية المنظمة المتمثل في مشروع " إنشاء مطعم بيداغوجي وتنشيط منهاج تكوين مهني متمركز حول مهن الطعامة من اجل النهوض بوضعية الشباب ذوي التثلث الصبغي وتحسينها" والممول من طرف الاتحاد الأوروبي الذي شهد أنشطة التبادل والتواصل حول الموضوع والتي بادرت بها الجمعية طيلة السنتين الماضيتين ، لاسيما وان جمعيات المجتمع المدني المشاركة أجمعت على الصعوبات التي تعيق كل الجهود المبذولة ببلدنا حاليا في سبيل إعمال الحق في العمل لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة وتعززه، بما في ذلك حق أولئك الذين تصيبهم الإعاقة خلال عملهم، والتي تستدعي التعجيل باتخاذ الخطوات المناسبة، بما في ذلك سن التشريعات، لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في حقهم في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين؛ ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما و تمكينهم من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والمهني، وخدمات التوظيف، والتدريب المهني والمستمر؛وحظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم الوظيفي، وظروف العمل الآمنة والصحية؛ وذلك انسجاما مع التزامات بلادنا في خضم انخراطها في المنظومة الحقوقية الدولية ( الاتفاقية الدولية لحقوق دوي الإعاقة ) المادة 27 وتفعيل مقتضيا الدستور المغربي بحضر التمييز على أساس الإعاقة وإلزامه في الفصل 34 للسلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها و إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. وقد ساهم الخبراء الذين قدموا من الدول سالفة الذكر في استشراف آفاق الرهانات المطروحة أمام المعنيين الذين اظهروا اهتماما بوثيقة ترصيد تجربة مشروع جمعية (AMSAT) التي أنجزت في إطار المشروع و التي ستشكل لا محالة مورد معطيات وخطوط توجيهية لأي مبادرة مستقبلية وبعد يومين من النقاش الغني والبناء الذي شهدته مختلف جلسات الندوة بتدخل العديد من المشاركين، ورغم تخصيص الندوة بموضوع التكوين والإدماج المهني للأشخاص ذوي الإعاقة فان ذلك لم يمنع من أثارت مواضع ذات صلة لما لها من أهمية من قبيل الانتباه إلى جودة التربية والتعليم للأطفال ذوي الإعاقة لما يشكله التحصيل والكفاءات المدرسية التي يكتسبونها في مسارهم المدرسي لما لها من أهمية كبرى وحاسمة في مجال التكوين المهني للشباب ذوي الإعاقة و الاشتغال على الاستقلالية الشخصية والقدرة على ممارسة حق تقرير المصير واكتساب المهارات الاجتماعية التي تبني هده الاستقلالية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية مند الصغر.كما شكلت التجارب الدولية التي عرضها الخبراء الضيوف أرضية تحاور وتفكير في اغلب الأوجه المشتركة و المتشابهة مع اختلاف السياقات حيث برزت معطيات عديدة تدعم استنتاجات المشاركين من نتائج المشروع جمعية (AMSAT) وعروض الندوة من قبيل تركيز التجربة الايطالية على مرتكزات ثلاث أبانت عن نجاعة و فعالية ومنها أهمية -الاستقلالية الشخصية – التكوين / التعلم بالممارسة – التركيز على ملائمة كفاءات الشخص ذو الإعاقة مع المهام والوظيفة الشاغرة في المقاولة . وقد أسفرت أشغال المؤتمر عن إصدار المشاركين لتوصيات همت مستويات عديدة منها ما يتعلق بسياسة الدولة التي ينبغي أن تقوم بتضمين قضيّة الإعاقة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة وتوفير الدّعم التقني والحوافز المشجّعة على تشغيل ذوي الإعاقة وتشجيع ذوي الإعاقة الذهنية وأسرهم على الإقبال على برامج التأهيل المهني. إضافة إلى تحفيز ذوي الإعاقة أنفسهم على إقامة مشاريعهم الخاصّة وتأسيس التّعاونيات بما في ذلك من خلال القروض والتسهيلات الضريبية والاستشارات التقنية كما أكد المشاركون على التّوعيّة وتعزيز النّموذج الاجتماعي للإعاقة لدى كلّ مستويات المجتمع، للتّحوّل بالنّظرة إلى قضايا الإعاقة من ” الشّفقة والإحسان إلى قضيّة حقوق إنسان ” و تشجيع تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير مناسبة، قد تشمل البرامج التصحيحية، والحوافز، وغير ذلك من التدابير وكفالة توفير ترتيبات تيسيريه معقولة للأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن العمل. وفي الجانب التشريعي الذي تم التأكيد على أهميته القصوى أوصى المشاركون بالإسراع في تعديل النصوص التنظيمية المهنية التي تعرقل أو تحد من فرص ولوج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية إلى الحق في العمل في إطار التزام بلادنا بملائمة النصوص التشريعية الوطنية مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإيجاد صيغ تشريعية ميسرة و تدابير مناسبة للإدماج المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في ما يخص عقود العمل أو تأسيس التعاونيات ووضع نصوص تنظيمية تحدد ادوار المتدخلين وأهدافهم التي يجب أن يشكل الشاب ذوي الإعاقة الذهنية محورها وتفعيل مقتضيات القوانين التي تنص على تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في القطاع العام وتفعيل كوطا نسبة 7 في المائة المتعلقة بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة إضافة إلى وجوب وضع تشريعات واضحة في إلزاميتها لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في القطاع الخاص ووضع آليات تضمن ذلك والنظر في قضية الأهلية القانونية ومتر تباتها فيما يخص العلاقات التعاقدية الشغلية للأشخاص ذوي الإعاقة أما على مستوى الفاعلين الاقتصاديين دعا المشاركون إلى رفع الوعي لدى أرباب العمل بقوانين العمل والحقوق العمّاليّة والاتفاقيات الدّولية ذات الصّلة و تشجيع المقاولات على تبني إستراتيجية تشغيل ذوي الإعاقة كجزء أساسي من سياسة التشغيل لديها ومحاربة الصور النمطية والاتجاهات المجتمعية السلبية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وقدراتهم. الشيء الذي لا يمكن الوصول إليه دون لعب الإعلام أدواره التوعوية في هذا المجال وصياغة استراتيجيات تواصلية حول حق الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في التكوين والعمل كما دعا المشاركون الجامعات والكليات المغربية إلى الاضطلاع بدورها العلمي في البحث والدراسات الميدانية التي من شانها أن توجه تدخلات الفاعلين في مجال تشغيل ذوي الإعاقة الذهنية. إن حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل الذي لا يمكن فصله طبعا عن الحقوق الإنسانية غير القابلة للتجزيء مطلب ملح يجب الاشتغال علية بعجل لتدارك التأخر الكبير لبلدنا في هذا الجانب احتراما لموقع وطننا و التزاماته الحقوقية الدولية واعتبارا لكون قضية الإعاقة مسألة حقوقية مثلما هي مسألة مرتبطة بالتنمية الاجتماعية مما يحتم علينا وعلى كافة جمعيات الأشخاص في وضعية إعاقة و مناصريهم العمل بشراكة مع جميع الأطراف المعنية جهويا ووطنيا والمؤسسات المختصة والهيئات المنتخبة وكافة مكونات المجتمع المدني. في اتجاه تحقيق نهوض فعلي لحقوق هذه الفئة من المواطنين عامة وحقهم في العمل خاصة وإعمال الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة في ارض الواقع ،من خلال سياسات وخطط إنماء تحترم وتستحضر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، إضافة إلى إذكاء الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمعات المحلية بحقوق الأشخاص المعاقين، و السير بجهود كافة الفاعلين نحو إقرار حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والعمل من داخل القضايا الرئيسية التي تحددها السياسات العامة للدولة، وإشراكهم في عملية صناعة القرارات، وجعل ذلك في صلب العمل الحكومي، لضمان تعزيز وحماية تمتعهم بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترام كرامتهم أسوة ببقية المواطنين . -محاضر و ناشط حقوقي في مجال الإعاقة.