انطلقت يوم الخميس 2 أبريل الجاري، الحملة الوطنية الثانية حول مرض التوحد من تنظيم تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، والتي من المرتقب أن تستمر إلى غاية يوم الاثنين 20 أبريل، تاريخ انتهاء طواف الدراجات التحسيسي الذي اختار أن يقوم به الدرّاج فيصل الفيلالي للتوعية بهذه الإعاقة وتداعياتها وذلك عبر عدة مدن قرّر أن يجوبها، حاملا رسالة من أجل كل التوحديين. حملة اختير لها شعار "أنا مختلف مثلك" من أجل برنامج وطني تشاركي للتوحد، هذا المرض الذي هو عبارة عن اضطراب للنمو، تظهر أعراضه عند الأطفال قبل سن ثلاث سنوات، و يصيب الذكور أربع مرات أكثر من الإناث، والذي يبلغ عدد المصابين به التقريبي 350 ألف مريض في المغرب، وذلك في ظل غياب إحصائيات مضبوطة، وفي ظل تقاعس وزارة الصحة عن الاهتمام بهذا الداء والفئة التي تعاني منه رغم التزامها في 2014 بإخراج برنامج وطني في هذا الصدد، لكنه ظل مجرد وعد مقتصر على كلمات بدون تفعيل لحدّ الساعة؟ هذا الداء الذي لم يعد يصنف ضمن الاضطرابات النفسية التي تتطلب علاجا طبيا نفسيا، و إنما هو عبارة عن اضطراب عصبي- نمائي مرتبط بنمو الدماغ وبالاضطرابات البيولوجية، ولفرط تنوع أعراضه، فإن المجموعة العلمية اتفقت على توصيفه باضطرابات طيف التوحد، والذي يعاني مرضاه وذووهم من تداعيات متعددة الأوجه، في ظل الحرمان من الحق في تشخيص المرض وتفادي تبعات التشخيص الخاطئ، وعرقلة تعليم هذه الفئة وإدماجها في المؤسسات التعليمية، فضلا عن انسداد أفق الإدماج في الحياة الاجتماعية! وفي الوقت الذي كان ينتظر الفاعلون والمرضى وأسرهم انفراجا في "سماء" التوحد على مستوى التشريعات والقوانين، جاء مشروع القانون الإطار 97/13 ليزيد من ترسيخ الهوة وتوسيعها ،لكون الحكومة لم تجر أية مشاورات مع منظمات الأشخاص المعاقين وأسرهم قبل اعتماد المشروع، وذلك في خرق للمادتين 12 و 13 من الدستور، و ديباجة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وغيرهما، أخذا بعين الاعتبار أنه، وبحسب المهتمين، يحيل على القوانين الجاري بها العمل، أي القوانين الحالية، رغم أن هذه الأخيرة قد أبانت عن قصور خطير في ضمان و حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فضلا عن العديد من الملاحظات الجوهرية، التي تؤكد على أن عددا من القوانين التي تعدها الحكومة الحالية هي بعيدة كل البعد عن ملامسة احتياجات المواطنين وانتظاراتهم في مختلف المجالات؟ سمية العمراني عضو المكتب التنفيذي لتحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد التوحديون في حاجة إلى إعمال فعلي لحقوقهم بداية ما المقصود بمرض التوحد؟ التوحد هو اضطراب نمائي ذو أصل بيولوجي عصبي، تظهر أعراضه الأولى قبل متم الثلاث سنوات من عمر الطفل. وتتميز هذه الأعراض بمجموعة من الاضطرابات في ثلاثة مجالات للنمو، ألا وهي اضطراب التفاعل الاجتماعي، واضطراب التواصل اللفظي وغير اللفظي، واضطرابات السلوك و السلوكات النمطية. ويجد الطفل الذي لديه إعاقة التوحد صعوبة في الانخراط في اللعب الجماعي واللعب الرمزي، فضلا عن معاناته من بعض اضطرابات التواصل البصري وكذا صعوبات في مهارات التقليد والملاحظة والتركيز، وقد يقوم بسلوكات نمطية، أي أنه يكرر نفس الحركات أو الكلمات أو الأصوات دون ملل أو هدف، كما أن الطفل التوحدي يجد صعوبة في المهارات الاجتماعية ومهارات الاعتماد على الذات، كما قد يكون دائم الحركة ومتقلب المزاج، وقد يرتبط بروتين لا يقبل أن يتم تغييره. كما قد تصاحب التوحد أعراض أخرى كاضطرابات النوم والاضطرابات الحسية والاضطرابات الهضمية الاستقلابية وحتى الصرع في بعض الحالات. ما هي طبيعة الإشكالات التي تعترض أسر المرضى؟ هناك مجموعة من الإشكالات التي تواجهها أسر الأشخاص ذوي التوحد وعلى رأسها صعوبة التشخيص والولوج إلى التأهيل، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تعميم الوعي بالأعراض الأولى والتشخيص المبكر يشكلان أول خطوة على طريق التأهيل وضمان تنمية قدرات الأشخاص ذوي التوحد، وفي هذا السياق، يعمل تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بجانب الأسر والجمعيات على تعميم الوعي بأهمية هذا الجانب، علما بأن عدد الأسر المغربية التي لديها قدرات معرفية وإمكانية الولوج إلى الخدمات الصحية و التعليمية هو ضئيل مقارنة بتلك التي تجد نفسها دون سند أو دعم أو توجيه. فالمغرب لا يتوفر إلا على مركزين اثنين للتشخيص بالدار البيضاء وسلا. وعليه، فإن انتظار موعد الاستشارة المتخصصة من أجل التشخيص قد يمتد أحيانا إلى شهور مما يشكل عامل إحباط للأسر من جهة، وتأخيرا في التشخيص من جهة أخرى، بما لذلك من آثار سلبية على التوجيه المبكر نحو طرق التأهيل الفعالة. ماذا عن باقي المعيقات؟ بالفعل هناك معيقات أخرى ومن بينها غياب التوجيه، إذ يواجه تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد والجمعيات المنضوية بشكل دائم إشكالية توجيه الأسر. ففي غياب وحدات جهوية متعددة الاختصاصات للتوجيه والدعم الأسري، يضطر الأطباء النفسيون إلى تزويد الأسر بعناوين الجمعيات لتقوم هذه الأخيرة بدعمهم والإنصات إليهم وتوجيههم. والواقع هو أن التوجيه والدعم في مجال يهم مسار حياة الطفل ونموه ينبغي أن يكون من مهام الدولة أساسا. و في هذا السياق، يأمل التحالف أن تعمل السلطات العمومية على التفكير الجدي في خلق وتعميم وحدات جهوية تضم مختصين في مجال المواكبة الاجتماعية والنفسية والتربوية، على أن يتم تكوينهم في مجال المقاربة الحقوقية الدامجة والمقاربات السلوكية التي أثبتت فعاليتها في تقوية قدرات ذوي التوحد. وإلى جانب ما سبق نجد غياب الاعتراف الصريح بالحق في التعليم الدامج علما بأنه في سنة 1963 أقر قانون إلزامية التعليم بأن لكافة الأطفال المغاربة الحق في التعليم الأساسي الإلزامي، لكن يبدو أن هناك من يظن أن ذوي التوحد خارج نطاق تطبيق هذا القانون، وبالتالي فإن الأسر تجد نفسها في مواجهة مواقف وسلوكات تمييزية تدعو إلى تعليم ذوي التوحد في مراكز خاصة بدعوى أن لديهم اضطرابات في السلوك و التواصل والتفاعل الاجتماعي. ويقوي هذا التوجه مقتضيات قانون الرعاية الاجتماعية الذي يحد من الولوج للتعليم من خلال مقتضيات من قبيل (على قدر الإمكان و كلما كان ذلك ممكنا)، ومن المؤسف أيضا أن مشروع القانون الإطار 97.13 الذي كان من المنتظر منه تصحيح هذا التوجه، فإنه ضدا على الانتظارات وعلى المقاربة الحقوقية، يؤكد ويشرعن للتوجه القاضي بتصنيف ذوي الإعاقة إلى فئتين، إحداهما قابلة للدمج في المنظومة التعليمية، والأخرى يلقى بها إلى المؤسسات الخاصة تحت رعاية الجمعيات وعلى أساس تعاقدي بدلا من أن يكون أساس التعليم المواطنة و تطبيق الدستور. كيف يساهم التدخل التربوي في تطور حالة التوحدي بشكل إيجابي؟ من المعلوم أن كافة الأعراض التي تشكل ثلاثية التوحد هي قابلة للتعديل من خلال التدخل التربوي المبكر و اعتماد المقاربات السلوكية والنمائية، وقد أثبتت الدراسات أن مقاربات تعديل السلوك تعد من أهم أسس تأهيل الأشخاص ذوي التوحد و اكتسابهم مهارات اجتماعية و تواصلية و سلوكية. وأمام هذا المعطى لا يسعني إلا أن أبدي الأسف الشديد لغياب اعتماد هذه المقاربات ضمن التكوين الأساسي والمستمر لمهن التربية و التكوين. و لغياب توفر المغرب على مهن متخصصة في التربية والمرافقة الاجتماعية لذوي التوحد. وهذا الغياب لديه آثار سلبية عميقة على الأشخاص المعنيين، حيث تضطر الأسر إلى توظيف شباب تنقصهم الخبرة والدراية وتتولى من مالها الخاص مهمة أداء رواتبهم و تكوينهم وإعدادهم من أجل مرافقة أبنائها. وفي ذلك تمييز على أساس إغفال الاحتياجات الأساسية لفئة من المواطنين. كما يجب التأكيد على أن الأممالمتحدة قد شددت من خلال التوصية المعتمدة في دجنبر 2012 على أن التدخل التربوي المبكر والتربية الدامجة يعد من الدعامات الأساسية لتمكين الأشخاص ذوي التوحد من العيش الكريم ومن أكبر قدر من الاستقلالية في الكبر. إلا أن من المستغرب له أنه قد تم اعتماد الدورية المشتركة721/14 بين وزارتي التعليم والصحة المتعلقة باللجن الطبية الإقليمية والنيابية للاستقبال والتوجيه والتتبع والتي تؤسس لاعتماد مقاربة طبية صرفة في قياس القدرات التعليمية والتربوية للطفل ضدا على المقاربة الاجتماعية البيئية التي اعتمدتها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي صادق عليها المغرب في 2009 ، ويطالب تحالف الجمعيات العاملة في مجال التوحد باعتمادها لدى التعامل مع الأشخاص ذوي التوحد وبالإعمال الفعلي للحق في التعليم من خلال إلغاء الدورية المشتركة المذكورة آنفا وتعويضها بنص قانوني يلزم المؤسسات التعليمية بتمدرس الأطفال ذوي التوحد. إن إعمال الحق في التعليم دون تمييز أو إقصاء أو تقييد أو استبعاد يتطلب أن تقوم الدولة باعتماد تدابير ايجابية من أهمها إدراج المقاربة الدامجة للإعاقة ضمن التكوين الأساسي والمستمر لكافة مهن التربية و التكوين، اعتماد مصوغات متخصصة حول التوحد ضمن التكوين المستمر لمهن التربية والتكوين، الاعتراف الرسمي بمهنة المربي المساعد واعتماد مسار لتكوينه وإعداده ليتمكن من أداء دوره في تيسير تعليم الأشخاص ذوي التوحد ضمن المدارس العمومية و الخاصة (لا المتخصصة). هل يعاني التوحديون من صعوبة الاندماج في المجتمع؟ إن إقصاء الأشخاص ذوي التوحد هي معضلة أخرى من ضمن سلسلة الإشكاليات المتعددة التي يعانيها المريض والتي تعترضه بمعية أسرته، ولن أكرر ما هو معروف بخصوص الصور النمطية السلبية تجاه ذوي التوحد، والتي أبقت أجيالا في الظل دون تعليم أو شغل أو استقلالية، لكنني سأشير إلى أحد انعكاساتها الخطيرة، والمتمثل في الحرمان من فرص الإدماج داخل المجتمع من خلال التكوين المهني والشغل. وليسمح لي قراء الملحق الطبي بجريدتكم المحترمة، بطرح مجموعة من الأسئلة تبدو مهمة في هذا المجال: ما الغاية من التربية والتعليم إن لم تكن التنشئة الاجتماعية واكتساب مهارات تمكن الفرد من المساهمة لاحقا في المجتمع؟ ما الجدوى من التكوين المهني إن لم يكن اكتساب مهارات مهنية وعملية تمكن الفرد من العمل والشغل الكريم والمساهمة في الإنتاج؟ وقبل ذلك تمكنه من تعزيز الثقة بالنفس و كسب العيش؟ ما الفائدة من الشغل إن لم يكن تمكين الفرد من تغطية احتياجاته واحتياجات أسرته؟ إن كانت هذه هي الغايات، فما الحكمة من إبقاء الأشخاص ذوي التوحد بعيدا عن تحقيقها أو تحقيق جزء منها؟ من المستفيد من إقصاء ذوي التوحد من فرص تحقيق الاستقلالية والتمكين الاقتصادي؟ كيف يمكن أن نتصور أن معالجة الإقصاء والتمييز يمكن أن تتم دون تفكير جدي في الاعتراف بالأهلية القانونية للأشخاص ذوي التوحد واعتماد تدابير ايجابية لدعم ممارستها لمن هم في حاجة إلى ذلك؟ المطلوب ونحن نعيش هذه الأيام على إيقاع الحملة الوطنية للتوحد أن يتم الإسراع بإطلاق مسلسل المشاورات من أجل اعتماد برنامج وطني للتوحد يكون مبنيا على أساس مقاربتين أساسيتين :الحقوقية والدامجة.